Saturday 23rd of November 2024
 

عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 

مواقع التواصل الاجتماعي

 
 
  • التاريخ
    06-Feb-2008

تعتبر نفسها رائدة في الكتابة النسوية الجريئة وتميز بين جرأة النص وجرأة الكاتبة إلهام منصور: هناك روائيات عربي

القدس العربي -

بيروت :ـ أيقظني موعدي مع إلهام منصور باكراً علي غير عادتي. كان موعدنا في منطقة الكسليك شمال بيروت. ورغم هذه الخصلة العنيدة فيَّ في الوصول متأخراً علي مواعيدي، وصلت يومها مبكراً بنصف ساعة. جلست في المقهي وما هي إلا دقائق حتي وصل خبر انفجار سيارة. قلت للشخص الجالس علي أقرب طاولة إلي: اغتيال شخصية أمنية. وبالفعل عرفنا بعد قليل أن الاغتيال طاول الضابط في فرع المعلومات وسام عيد. نظر إلي الرجل بريبة معتقداً أنني من المخابرات. بعد نحو نصف ساعة وصلت إلهام منصور ومعها خبر التفجير. لكن من يعمل في لبنان عليه دائماً أن يوفق بين مهنته وبين المناخ العام المتوتر.

عليه أن ينتزع نفسه من الأحداث ليستمر. وهكذا انتقلنا إلي حوار أدبي يحتاج إلي ترف ليس لدينا.

بصراحة كان لديَّ انطباع عن إلهام منصور الروائية والأستاذة الجامعية مغايراً لما عرفته عنها مباشرة. لم يكن بيننا معرفة سابقة رغم صغر هذا البلد. كنت أظن أنها امرأة مسكونة بنسويتها المتعالية. لكن حواري معها كشف عن روائية تفهم نفسها جيداً كروائية وكإنسانة. تتقبل كل سؤال إذا لم أقل إنها تتوقعه سلفاً. إجاباتها متواضعة علي معرفة، ومنطقية علي شعور بالامتلاء الذاتي.

نشرت إلهام منصور عدداً من الدراسات لكن روايتها الأولي إلي هبي صدرت عام 1991. ثم تلتها هبي في رحلة الجسد ، صوت الناي أو سيرة المكان ، أنا هي أنتِ ، حين كنتُ رجلاً ، أيهما هو و بالإذن من سفر التكوين . وهذه السنة صدرت روايتها الصفحة الثانية عن دار رياض الريس للكتب والنشر التي أصدرت لها رواياتها الخمس الأخيرة.

هنا حوار عن هذه الرواية خصوصاً وعن كتابات منصور التي تمتاز بالجرأة معطوفة علي تحليل نفسي وفلسفي ومحاججات معرفية عدة.

لنبدأ من روايتك الأخيرة الصفحة الثانية . هذه الرواية تطرح إشكالية جديدة في العمل الروائي وهي توزّع صوت الراوي بين شخصيتين، هبي وإلهام، اللتين تشكلان الراوي والروائي في الوقت عينه. كيف تقدّمين هذه الإشكالية إلي القارئ؟

كما قلت هذه الإشكالية تجربة جديدة في الكتابة الروائية، أي إن الراوية والبطلتين في الرواية هن الشخص نفسه. لكن هذا التوزيع هو تماماً لسبر غور الكائن البشري الذي من الممكن أن يكون مجموعة أشخاص في شخص واحد. هناك ما يُسمّي الذات ووعي الذات ووعي الوعي، وهذا الأخير يمكن أن يكون الراوي. هذا ما حاولت فعله في هذه الرواية وهي تقنية كما قلت جديدة في الرواية العربية.

عادة يختفي الروائي خلف صوت الراوي أو خلف الشخصية المحورية في الرواية...

قصة الراوي هي خديعة كبيرة في الرواية. الراوي هو الكاتب.

شخصيتان ومفهومان للزمن

في كل حال، سأسألك عن هذا الموضوع، لكن أودُّ استكمال الحديث معك في الصفحة الثانية . هذه الرواية تصفية حساب مع بطلة أعمالك شبه الدائمة هبي (بطلة أربع روايات) من جهة، وهي مصالحة مع الذات من خلال شخصية إلهام التي هي أنت. كيف تمت تصفية الحساب تلك إذا صح التعبير وكيف تمت هذه المصالحة مع الذات، ولا سيما بعد قوس العمر كما تسمينه؟

هي ليست تصفية حساب وإنما محاولة لرؤية الأمور كما هي. إذا كانت رؤية الأمور نوعاً من تصفية الحساب فلا بأس، سمّها كما شئت. الرواية تعبير عن التناقض الموجود في كل كائن بشري. من جهة يرضي هذا الكائن بمرور هذا الزمن، يقتنع به كعملية تراكم، ومن ناحية أخري هي رفض للزمن وهذا التراكم علي الصعيد الشكلي وقبول به علي صعيد المضمون. لهذا فإن نهاية الرواية تكشف أن الشيء الوحيد الذي لم تفكر هبي في إجراء عملية ترميم له هو يداها، ذلك أن يديها رمز لهذا التراكم النوعي. أرادت هبي أن تغير كل شيء في مظهرها الخارجي وأن تلغي الزمن، لكنها لم تفكر للحظة واحدة أن تلغي الزمن عن يديها. هاتان اليدان هما الكتابة التي لم تجرؤ هبي علي محاولة محو الزمن عنهما.

كأنها تريد محو الزمن عن شكلها الخارجي وليس عن عملها الفعلي. وهذا الأخير ـ أي عملها الفعلي ـ هو ما يصنع شخصيتها. لهذا حافظت علي هذا الرمز الذي لم تفكر هبي في تغييره إطلاقاً.

من جهة تقولين إن هبي خرجت من الرواية إلي الواقع، ومن جهة أخري تصالحت إلهام مع جسدها ومعتقداتها وسنها. سؤالي هو: هل تعانين مأزق هاتين الشخصيتين في الواقع؟

حاولت في هذه الرواية أن أفرّق بين مفهومين للزمن، المفهوم الروائي الذي تقع ضحيته هبي. وكما تعرف فإننا نتنقل في الرواية كما نريد. ليس هناك زمن خطي في الرواية. وبالتالي فإن هبي تمرح علي مزاجها بالزمن، لكنها حين خرجت إلي الواقع لم يعد لها تلك الإمكانية للعيش كما تريد والمرح كما تريد.

أصبح زمنها خطياً فباتت محكومة إليه. وهذا ما جعلها تشمئز من هذا الواقع. لهذا تسعي إلي الخروج من هذا الزمن. أما إلهام فهي الكاتبة والراوية والشخصية الأساسية في الرواية، ولديها قبول لهذا الزمن. الزمن بالنسبة إلي إلهام تراكم نوعي. وعليه فإن إلهام تنحاز إلي المضمون الذي ينضج مع تراكم الزمن.

هبي بالعكس مزروبة (مسجونة) بالرواية وليست واقعاً. إنها كائن روائي لا يقبل بالزمن، بينما الكائن الحي الحقيقي لا يخاف من مرور الزمن. هبي ككائن روائي تتدهور في الزمن الحقيقي، بينما تتجوهر إلهام في الزمن الحقيقي.

تبدين في هذه الرواية أكثر انتصارا لشخصية إلهام من خلال منحها القوة الذهنية والعقلية، في حين تبدو هبي متصابية، رغم أنهما أستاذتان جامعيتان. وهذا الانتصار في النهاية هو انتصار لك كشخص إذ ان إلهام في الرواية هي نفسها إلهام منصور في الواقع. إلي أي حد يبدو هذا الانتصار عملاً ديمقراطياً في الرواية؟

العلاقة بين إلهام وهبي في الرواية هي علاقة متسامحة كثيراً في نظري. لم تكن إلهام عائقاً أمام هبي في الرواية إذ منحتها كل الحرية التي تريدها. لكن ما حاولت إلهام ومن ورائها الراوية إظهاره في الرواية هو الفصل بين الحقيقي والمزيف. وهذا نقد ليس لهبي وإنما لما تمثله كونها امرأة سطحية تعبّر عن كثير من نساء العصر كما في عمليات التجميل أو الترميم الرائجة. وهذه العمليات هي في الحقيقة محاولة لإلغاء الزمن الذي من المستحيل إلغاؤه. في النهاية عملت إلهام علي إفهام هبي أن هذه العمليات لن تغير أعضاءها الداخلية التي يصيبها الترهل بفعل الزمن. لو كان هناك طب يمنح الشباب الحقيقي فأنا أؤيده، لكن هذا الشباب المزيف نوع من القناع. وعليه، فإن هذه القسوة علي هبي هي قسوة علي ما تمثله.

الفصل بين الحقيقي والمزيف

ألا تخشين هنا أن تقعي بما يُسمّي الرواية التعليمية أو الأخلاقية بالمعني العام للكلمة بدل أن تكوني مجرد مراقب للخارج؟

ليس في هذه الرواية أي بعد أخلاقي. هي تركز فقط علي التقابل بين الحقيقي وبين المزيف. وهذا يجري علي الصعيد المعرفي أكثر منه علي الصعيد الأخلاقي.

لمّا كانت رواياتك في معظمها رفضاً لعمرك بمعني من المعاني منذ إلي هبي ثم إلي هبي في رحلة الجسد إلي حين كنتُ رجلاً وصولاً إلي الصفحة الثانية ، رفضاً لواقعك الأنثوي في شكل من الأشكال، إلي أي حد تبدو هذه الروايات نوعاً من السيرة الذاتية؟

رواياتي التي تسمّي سيراً هي في الحقيقة ليست سيرة بحد ذاتها بقدر ما كانت تطرح إشكاليات. إلي هبي طرحت إشكالية النضج الفكري عند المرأة أو الإنسي كما أسمّيها. هبي في رحلة الجسد طرحت إشكالية منطق الجسد، كيف يتعامل الجسد مع ذاته، وإلي أين تؤدي الاستكانة إلي هذا الجسد. حين كنت رجلاً هي نقد لنظرية النضال الأنثوي والتي كانت تطالب بحقوق المرأة بالتساوي مع الرجل. لهذا لا يهم أن تكون هذه الروايات سيرة لإلهام منصور بل تنطلق أهميتها كونها سيرة لكل امرأة.

لكنك كتبت سيرتك في النهاية من خلال هذه الروايات؟

كتبت سيرتي كنموذج. وقد يتضمن هذا النموذج حقائق لكن في النهاية يغدو هذا النموذج رمزاً لكل امرأة لديها عقل وليس مجرد امرأة سطحية، لكل امرأة تطمح إلي أن تكون مثقفة أو واعية. لهذا ثمة قارئات كثيرات كن يرين أنفسهن في هذه الروايات/ السير. عندما يري الآخر نفسه في سيرة تكف هذه السيرة عن كونها سيرة وتغدو رواية. هذه الروايات تطرح إشكاليات ولا تكتفي بسرد تاريخ شخص محدد. الوقائع في هذه الأعمال ليست إلا براهين علي الإشكالية المطروحة.

هذه الإشكالية دائماً مطروحة بين السيرة والرواية. البعض يقول إن الرواية سيرة مقنّعة، والبعض الآخر يذهب إلي أن السيرة رواية مقنّعة. الروائي دائماً موجود في أعماله. كيف ترين هذه الإشكالية، علماً بأن كتابة السيرة تخضع لشروط الكتابة من مونتاج وتحريف في الزمن الذي يكف أثناء الكتابة عن كونه زمناً خطياً متتابعاً إضافة إلي أن تحويل الشفاهة إلي كتابة أو وضع الذكريات في نسق لغوي هما عملية تأليف كاملة؟

ليس ضرورياً أن تكون السيرة ذاتية دائماً. انطلاقاً من هنا أري أن كل رواية هي سيرة وليس كل سيرة رواية. الرواية تحوي المضمون واللعبة الفنية معاً. لهذا قلت إن السيرة فرض زمني لوقائع. لكن عندما تدخل اللعبة الفنية تتحول السيرة إلي رواية. وعليه، ليس ثمة رواية لا تتضمن شيئاً من حياة المؤلف.

ضرورة المرآة

الملاحظ أن حضور السيرة بوقائعها في أعمالك يكاد أن يعدم المتخيل. هناك وقائع صارمة وأسماء حقيقية وأحداث حقيقية. لا بل إن هذا المتخيل ينعدم أيضاً في اللغة؟

هي أحداث واقعية لدرجة أنها تصبح رمزاً. واقعيتها ليست فقط لسرد الوقائع بل لنقل هذا الواقع إلي مستوي الرمز. هذه الحقائق البسيطة التي أسميها السهل الممتنع ليست إلا أسلوباً للرقي بالرواية أعلي من الواقع، ليس بالمعني الأخلاقي، بل بالمعني الفني. أستعين بالواقع تماماً كما أستعين باللغة السهلة.

محاولة تفسير للواقع...

تفسير للواقع للوصول إلي شيء آخر. لهذا كما قلت لك إن كل رواية تطرح إشكالية ولا تكتفي بسرد أمر شخصي.

بما أنك ذكرت التجميل الذي كانت تمارسه هبي في الرواية...

أسمّيه الترميم...

إلي أي حد مارست هذا التجميل أو الترميم في سردك لحياتك؟ في أعمالك هناك مديح للذات من خلال الحديث عن تفوقك في المدرسة ونيلك الشهادات والحديث عن جمالك الذي كان محط كلام أهل الضيعة وإعجاب الرجال، كما الحديث عن شقيقك الذي صار نائباً في البرلمان ووزيراً في الحكومة، وشقيقك الآخر الذي كان مديراً لأحد الأجهزة الأمنية في لبنان، ووالدك الطبيب الأول في المنطقة وغير ذلك. ألا تخشين أن تصبح الرواية مرآة نرجسية؟

عندما قلت لي قبل قليل عملية تجميل قلت لك عملية ترميم. كل ما ذكرته في هذه الرواية وقائع حقيقية بلا تجميل. إذا كانت هذه الوقائع أعلي قليلاً من المستوي العام فلا يد لي في ذلك. لم أجر عملية تجميل أو تهشيم للواقع بل تركته كما هو. في كل حال، أنا مع النرجسية. الوقفة أمام المرآة مسألة مهمة جداً في رأيي.

تكاد رواية الصفحة الثانية أن تكون مناظرة بين شخصيتين هما هبي وإلهام. البعض يأخذ عليك أن هذه المناظرة تفسد متعة السرد. يعني تضعين كل خبراتك الذهنية والتعليمية في شخصياتك. كيف ترين هذه المسألة؟

كل روائي يكتب من منطلقاته. لا أحد يكتب من عدم. لا أحد يستطيع أن يلغي التراكم الثقافي ليكتب. بالعكس، نحن نكتب من خلال هذا التراكم. ثم إنني لا أكتب رواية سردية، لا أكتب حكاية بل رواية. والرواية إن لم تكن مثقفة ليست رواية.

في المناسبة أنت تميزين بين الرواية/ الحكاية والرواية/ الرواية. وتنتصرين للنوع الأخير. ما الفرق بينهما؟

الرواية/ الحكاية ـ كما نري اليوم ـ هي جمع أخبار. هذا ما يسمّونه الآن ويفتخرون به شهرزاد. أو النمط الشهرزادي. أستطيع فعل ذلك. عندنا في الضيعة مليون قصة. لكن هذه ليست رواية بل حكاية.

لكن هذه الحكاية أساس السرد. وهذه الحكاية موقرة عالمياً وليس محلياً فحسب. الروائي في هذه الحكايات يختفي خلف شخصياته لدرجة تنعدم رؤيته. هذه الحكاية موجودة في ألف ليلة وليلة مع الأخذ في الاعتبار أن هذا العمل يتضمن تأويلات بليغة...

وموجودة عند جدتي أيضاً الله يرحمها...

وموجودة عند سرفانتس في دون كيشوت . هذا ما يُسمي بالدمي المستدقة (الدمي الروسية المتشابهة في الشكل وذات الأحجام المتعددة، حيث تخرج دمية من دمية وهي مشهورة). وكذلك عند شخص مثل ماريو بارغاس يوسا في كتابه رسالة إلي روائي شاب ؟

هذا نسق يمكن أن نوافقه ويمكن أن نختلف معه. أنا من الأشخاص الذين لا تستهويهم هذه الكتابة وإن نظّر لها الكثيرون. ذات مرة، قال لي أحدهم تعليقاً علي روايتي صوت الناي أو سيرة المكان إن بوشكين ـ علي ما أعتقد ـ قال: إذا وضعت مسماراً في رواية فيجب أن يشنق البطل نفسه بهذا المسمار في نهاية الرواية . أجبت هذا الشخص: أريد أن أضع مسماراً في أول الرواية وأعلق به حذائي في نهاية الرواية.

هذا يذكر بقول تولستوي إذا وضعت مسدساً في رواية فيجب أن يُستعمل .

أفهم كلمة يُستعمل ، لكن أن يكون المسمار فقط للشنق فهذا ما لا أفهمه.

بما أنك تنتصرين لما تسمينه الرواية/ الرواية، يأخذ عليك البعض لغة رواياتك الأقرب إلي أن تكون لغة فلسفية أو سيكولوجية. ألا تخشين أن تتحول روايتك إلي مناظرة؟

مناظرة بأي معني؟

بمعني المحاججة أو الندوة.

ما تأخذه علي رواياتي من عدم وجود الكثير من السرد، يقابله إعجاب عدد كبير من النقاد والمثقفين حول هذه المقدرة علي الحوار والمناظرة. وفي المناسبة هو حوار داخلي، أي مونولوغ وليس ديالوغاً. صحيح أنه في الرواية تريلوغ (ثلاثة أصوات) لكنه في النهاية هو صوت واحد. أن تكتب مونولوغاً مؤلفاً من نحو 400 صفحة فهذا مهم للقارئ. مع ذلك، ربما هناك قارئ يفضل السرد. القارئ حر وليس لدي موقف منه. كل كاتب يكتب من خلفياته الثقافية والمعرفية. وكذلك القارئ يقرأ من خلال خلفياته المتراكمة. من هنا تأتي القراءات المتعددة لكل عمل.

الأدب النسوي الذكوري

هل تعتبرين نفسك رائدة في كتابة الرواية السيكولوجية لبنانياً وأين تصنفين نفسك بين كاتبات الأدب المكشوف؟

هناك روايات خليجية كثيرة تنشر اليوم وتلقي تطبيلاً وتزميراً. أنا كتبت هذا النوع منذ التسعينات. هناك قرّاء يعتبرون كتاباتي رائدة في هذا المجال. كذلك هناك من يعتبر أن كتاباتي الروائية السيكولوجية رائدة. هذا رغم التعتيم. اليوم مثلاً أقرأ في جريدة الأخبار مقالاً حول الكاتبات اللواتي تناولن السحاق في أعمالهن. يذكر المقال روائية أو اثنتين ممن نشرن قبل سنتين ويغفل روايتي أنا هي أنت التي تناولت السحاق ونشرت عام 2000. كانت أول رواية في العالم العربي تعالج السحاق في عمل كامل.

طبعاً هناك أعمال تناولت السحاق لكن بشكل مجتزأ، علماً بأن هذه الرواية ترجمت إلي الإنكليزية وصدرت بطبعتين إحداهما مع دراسة. الباحثة التي ترجمت الكتاب كتبت أطروحة الدكتوراه حوله وقامت بنشره بعد أخذ موافقتي. مع ذلك، لا يستطيع الروائي أن يصنّف نفسه رائداً، فالأمر متروك للقارئ.

لا شك في أن بصماتك السيكولوجية واضحة في الرواية وربما كنت الأكثر جذرية في هذا التوجه. لكن بالنسبة إلي الأدب المكشوف، ثمة روائيات لبنانيات مجايلات لك يكتبن أعمالاً تتناول الجنس أو الجرأة بشكل عام. علي سبيل المثال، هناك حنان الشيخ التي سبقتك إلي النشر وعلوية صبح التي نشرت بعدك رواية مريم الحكاية وهناك نجوي بركات وهدي بركات. وطبعاً هناك ليلي بعلبكي التي كتبت أنا أحيا عام 1956 علي ما أذكر وتعرضت لمحاكمة شهيرة؟

عندما نتكلم عن الجنس لمجرد التكلم عن الجنس يصبح الأمر نوعاً من محاولة استعطاف القارئ أو أخذه إلي جهة محرّمة. لكن الجنس في سياقه الطبيعي كمكوّن من المكوّنات الطبيعية للشخصية عندها يمكننا الحديث عن فعل حقيقي للريادة. لا تؤاخذني، أي شخص يمكنه الحديث عن الجنس بشكل مبتذل. يجب أن يكون الجنس ضمن موقع وسياق. عندما كتبت هبي في رحلة الجسد كنت أتكلم عن منطق الجسد، عن آلية تحرّك الجسد عندما تتركه لمنطقه الذاتي ولم أتكلم عن الجنس لإبراز الناحية الجنسية. لكن يمكن للجنس أن يكون مباشراً ويحمل دلالات عميقة؟

لم لا؟ ليس لدي مانع. ليس لديَّ تقييم للموضوع.

علي سبيل المثال، كتبت ليلي بعلبكي أنا أحيا ثم صمتت طويلاً. ألا ترين أن هذه كتابة ريادية عن الجسد لم تهدف إلي استدراج القارئ؟

لم يتطرق أنا أحيا كثيراً للمواضيع الجنسية. لكنه يعدُّ كتاباً مؤسساً. أما لماذا صمتت فلا أعرف. في النهاية نحن نكتب لأن لدينا شيئاً نريد قوله. ربما لم يعد لدي ليلي بعلبكي شيء تقوله.

تعرضت لمحاكمة.

ربما تكون اتخذت موقفاً. هذا خيار شخصي.

بالنسبة إلي الرواية السيكولوجية...

أنا أسميها الرواية المثقفة لأنها تضم علم نفس وعلم اجتماع وفلسفة ومعارف عدة...

لنقل إنها رواية مثقفة. لكن سؤالي عن علم النفس في الرواية. المعروف أن ديستويفسكي كتب روايات ذات عمق سيكولوجي من خلال رصد النفس البشرية لدرجة يقال انه أب لفرويد. مع ذلك نري لدي ديستويفسكي طراوة السرد ومتعة القراءة وتلك القدرة علي إخفاء المعرفة وتظهيرها عبر البنية الروائية أو عبر العناصر الروائية. كيف تقارنين بين طريقة ديستويفسكي وبين طريقتك؟

لا أستطيع شخصياً القيام بهذه المقارنة. القارئ وحده القادر علي ذلك. سؤال يُطرح علي القارئ وليس عليَّ.

كيف تنظرين إلي الجرأة في الكتابة النسوية والتي باتت ملمحاً أساسياً في هذه الكتابة؟

قول الواقع أو رؤيتك للواقع كما هي من دون أن تلبس هذه الرؤية قفازات أو تضع لها أقنعة، هذه هي الجرأة. أحياناً نري افتعالاً في هذه الكتابة مقابل جرأة طبيعية وصادقة. هناك الجرأة النابعة من الكتابة نفسها وهناك الجرأة التي يهدف الكاتب من خلالها إلي إبراز نفسه. يعني هناك جرأة لبرهنة الواقع وهناك جرأة لإبراز الكاتب كنوع من التباهي. جرأتي بكل تواضع من داخل النص.

هناك جرأة تحولت إلي ذريعة للعمل الفني أو الأدبي، أي جرأة بلا سياق؟

هذا ما أقوله. إنها مبالغة في الأمور لتسليط الضوء علي الكاتب نفسه.

ما رأيك في مصطلح الكتابة النسوية وفي الكتابة النسوية نفسها؟

أنا أول من كتب حول القول النسوي في دراسة نشرتها كملحق في نهاية روايتي حين كنت رجلاً . أنا مع الكتابة الأنثوية شرط أن تكون كتابة أنثوية. لا تغدو الكتابة أنثوية لمجرد صدورها علي لسان امرأة. الكثير من كتابات النساء ذكورية أكثر منها أنثوية. أنا مع أن تقول المرأة قولها، لأن المرأة لا توجد إلا في قولها الخاص. هناك كاتبات عربيات وغربيات كثيرات يكتبن كتابة ذكورية لأن لديهن القول الذكوري نفسه.

كتبت عن القول الإنسي (تستخدم كلمة إنسي بدل أنثي). ما هو هذا القول؟ كيف تقدّمينه إلي قارئ غفل عن كتاباتك؟

القول الإنسوي يحتاج إلي حوار قائم بذاته ولا يمكن اختصاره بجواب سريع. لقد بحثت علي أسس هذا القول، وقد نشرت هذا البحث ـ كما أسلفت ـ في ملحق حين كنت رجلاً . من هذه الأسس البعد المكاني والاختلاف بين حدس المكان وحدس الزمان. لهذا أردُّ القارئ إلي هذه الدراسة التي أفكر في تطويرها ونشرها في كتاب مستقل.

في هذه الدراسة قلت إن المرأة هي المكان وإن الرجل هو الزمان، المرأة أكثر ثباتاً، في حين أن الرجل متنقل كالزمن. في كل حال، سبق لرولان بارت أن تحدث عن الرجل الصياد المتنقل من طريدة إلي طريدة والمرأة المنتظرة في البيت في كتابه شذرات من خطاب في العشق . سؤالي هو: كيف يمكن الفصل بين المرأة والرجل علي أساس المكان والزمان ولا سيما أن الكائن الإنساني سواء كان امرأة أم رجلاً يتفاعل من خلال المكان والزمان معاً؟

أنا مع التوجه اليونغي (من يونغ) أكثر من التوجه الفرويدي. يونغ تكلم عن تكوّن الكائن البشري من خلال الأنوثة والذكورة معاً. إذا اعتبرنا أن كل معرفة في الإنسان تبدأ من حدسين أساسيين هما الزمان والمكان، أعتقد أن المرأة لصيقة بالمكان أكثر من الرجل. هذا الرجل هو الزمن الذي يأكل نفسه في حين أن الأنثي لديها حدس بالمكان أكثر. هذا أحد الأسس التي ينبغي علي المرأة أن تعيها لإيجاد قولها الخاص.