عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Feb-2020

“الهوية الثقافية في شعر عرار”.. ندوة في بلدية إربد

 

عزيزة علي
 
إربد-الغد-  بالتعاون مع بلدية إربد الكبرى، نظم منتدى عرار الثقافي، أول من أمس، ندوة ثقافية بعنوان “الهوية الثقافية في شعر عرار”، شارك فيها كل من: د. صبري اربيحات وزير الثقافة الأسبق، د. سالم الدهام مدير مديرية المحافظات في وزارة الثقافة، وأدارها المحامي محمد عزمي خريف رئيس المنتدى.
وقال اربيحات “إن مصطفى وهبي التل “عرار” شاعر من لون الأرض وأمضى الكثير من حياته وهو يبحث عن الهوية الأردنية في إطارها العربي. وكان يناضل من أجل رفع كل محاولات الإلغاء والغموض والتعويم لها، كان شاعرا ومحاميا وحاكما إداريا، وكان صاحب أول مشروع لربط الإنسان بالمكان، وتعظيم قيم العدل والحرية والمساواة، وكان يمقت الطبقية والاستحواذ والإقصاء، فقد اختار النور كثابت من ثوابت الرمزية الشعرية ليسخر من قيم الشللية والتمييز الذي رأى فيه ظلما وتعديا على الحقوق الأساسية للأردنيين”.
وأوضح اربيحات أن نزعة عرار للنقد والزهد والتمرد، لم تكن منفصلة عن رغبته في أن يرى مجتمعا حرا يحمل أهله رؤية مشتركة ويعملون معا على تحقيقها، لافتا الى أن المشروع النهضوي الذي حمله وصفي التل كان استكمالا لمشروع والده؛ حيث حرص الشهيد على بناء خطاب وطني يحمل القيم ويوحد الشعب ويوجه الأردنيين نحو أمتهم والاستقلال عن القوى الاستعمارية المهيمنة.
ورأى اربيحات أن وصفي التل أدرك الأخطار المحدقة بالأردن والأمة، فاهتم بالشباب والإعلام والزراعة والقوات المسلحة من أجل بناء الروح المعنوية للأمة ودفع عجلة الإنتاج الزراعي كأساس للبناء في إطار خطاب وطني إعلامي يقول للجميع ويجيب عن أسئلتك المرتبطة بالهوية والوجود والمستقبل.
وزاد اربيحات “حتى اليوم ومنذ رحيل وصفي والأردن يبحث عن قيادة شعبية تحمل الرؤية نفسها وتطبق المنهج ذاته من دون أن يحالفهم الحظ، رحلة مصطفى وهبي التل التي استمرت نصف قرن بالتمام والكمال كانت الأغنى والأقرب الى الحلم، مما جعل منه شاعر الأردن بلا منازع، فبالنسبة له تتساوى الكرك مع السلط وإربد مع الطفيلة والكل يملكون الحقوق نفسها ويحملون الحب ذاته للوطن والأمة”.
وخلص اربيحات، قائلا “قدومنا الى بيت عرار هو زيارة لبيت من بيوت العز الأردنية التي تحمل تاريخا ورمزية عز أن يكون لها مثيل، الرحمة لـ عرار ووصفي، وكل أبناء الوطن والأمة الذين رسموا لنا طريقا لم يتح لنا استكمال السير عليه”.
ومن جانبه، أشار د. سالم الدهام مدير مديرية المحافظات في وزارة الثقافة، الى أن شاعر الأردن الأول مصطفى وهبي التل، عاش في مرحلة تاريخية حساسة ودقيقة تمثلت بتكالب القوى الاستعمارية على الوطن العربي؛ حيث كان نجم الإمبراطورية العثمانية يستعد للأفول، وكان مصطفى بحكم تكوينيه الفكري والثقافي مدركا لطبيعة الأخطار المحدقة بالأمة، ولاسيما فلسطين؛ حيث كان الإنجليز يهيئون كل الظروف المناسبة لإحلال اليهود في فلسطين كسلطة تعقبهم بعد أن يغادروها، وفي مقابل هذا الوعي الحاد كان المجتمع في شرق الأردن لم تتبلور هويته الوطنية بشكل واضح.
ورأى الدهام أن عرار يعد من رواد الشعر الحديث في الأردن، وربما في العالم العربي، فقد أضاف إلى القصيدة أبعاداً حيوية متصلة بما يشغل الناس ويقض مضاجعهم، وهو المفكر ذو النظرة البعيدة الثاقبة التي تتجاوز الراهن لتفكر في المصائر وتتنبأ بها.
وبين الدهام أن عرار كان زاهد في جميع المناصب التي حل بها، والسياسي النبيل الذي تحركه نوازع الضمير والإنسانية، الجريء في طرح رؤاه وأفكاره من دون وجل؛ حتى انتهى به الأمر ذات مرة من حاكم إداري إلى سجن المحطة ليمكث فيه سبعين يوما، وهو الحالم بمجتمع يسوده العدل والمساواة والرخاء، وهو الحريص على سيادة الوطن، والتصدي للطامعين به من القوى الاستعمارية المتمثلة بالإنجليز، والداخلية التي تمثلها طغمة الفاسدين من الإقطاعيين والسماسرة والتجار والمرابين، ومن أجل هؤلاء فقد كان له موقف من عمان التي كان مثل هؤلاء ينتشرون بين ظهرانيها، وقد عبر عن ذلك بشكل جلي في شعره.
وتحدث الدهام عن شخصية عرار التي يتجلى فيها البعدان العربي والإنساني الملتزم بقضايا الإنسان وحقوقه وقضاياه، فرغم ما يشاع عنه من أنه كان شاعراً لاهياً، إلا أن هذا الكلام غير صحيح البتة؛ فقد كان عرار يبحث عن الفردوس المفقود على الأرض فعوض عنه بمجتمع تذوب فيه الفوارق والفواصل وتتلاشى فيه الألقاب بين الناس، فالكل يجب أن يكونوا سواسية، وقد اتخذ من شخصية الهبر، تلك الشخصية النورية رمزاً وقناعاً للتعبير عن مسؤوليته بإعادة الاعتبار لمثل هذه الشخصية المهمشة اجتماعياً في قصيدته التي يخاطب فيها مدعي عام اللواء وقد أخَّر دخول الهبر بين يديه وقدم غيره عليه، فيقول “يا مدعي عام اللواء.. وخير من فهم القضية.. ومناط آمال القضاة.. وحرز إنصاف الرعية.. الهبر مثلي ثم مث.. لك أردني التابعية”.
ويقول عرار في موقع آخر: “بين الخرابيش لا عبد ولا أمة.. ولا أرقاء في أزياء أحرار.. ولا جناة ولا أَرض يضرجها.. دم زكي ولا أخاذ بالثار”.
وبين الدهام أن الجنة التي كان عرار يحلم بها كان يجسدها المجتمع النوري، وإن ما أشيع عن خمريات عرار ومجونه ما كان إلا تحت وطاة الإحساس بمرارة العيش، يقول في ذلك:
“الكأس لولا اليأس ما هشت له.. كبد ولا حدبت عليه يدان.. والخمر لولا الشعر ما أنست به.. شفة الأديب وريشة الفنان”.
وخلص الدهام الى أنه رغم المكانة الرفيعة التي كان يتمتع بها عرار وظيفيا واجتماعيا وسياسيا، الا أن المرارة قادمة من إحساسه بالمسؤولية القومية، والوطنية التي عبر عنها من خلال تخليده للقرى والبلدات على امتداد الجغرافيا الأردنية من شمال الوطن حتى جنوبه من راحوب والدنان وبيت راس، وبئر ابن هرماس ووادي الشتاء، ووادي اليابس والثنية ورم وأختها وهذا هو الشق الثاني الذي عوضه عن فردوسه المفقود على الأرض.