"كيف ينهض العرب"؟.. قراءة معاصرة تحاكي قضايا العصر الراهن
الغد-عزيزة علي
أعادت دار "الآن ناشرون وموزعون"، إصدار كتاب "كيف ينهض العرب؟" للمفكر اللبناني عمر فاخوري، بعد أكثر من قرن على صدوره الأول، لتعيد طرح سؤال النهضة الذي ظل يشغل العقل العربي منذ مطلع القرن العشرين: لماذا تقدم الغرب وتأخر العرب؟ الكتاب، الذي حققه وقدم له وعلق عليه الدكتور عيسى برهومة، يضيء على جذور هذا السؤال، مستعرضا رؤية فاخوري حول العروبة، أسباب تراجع الأمة، وأحلامه الكبيرة باستعادة أمجاد بغداد، قرطبة، القاهرة ودمشق.
ويستعرض أبرز ما جاء في تقديم د. عيسى برهومة للكتاب، الذي يعيد قراءة نص فاخوري في ضوء واقع عربي لم يختلف كثيرًا بعد أكثر من قرن، إلى جانب التصدير الذي كتبه د. فيصل درّاج مسلطا الضوء على احتجاج النهضويين العرب أمام تخلف أمتهم. وبين التقديم والتصدير، تتضح معالم فكر فاخوري: إيمان بالعروبة كسبيل وحيد للنهضة، احتجاج على الاستبداد العثماني، والحلم بعودة بغداد، قرطبة، دمشق والقاهرة إلى مجدها الغابر.
ويشير برهومة في تقديمه، إلى أن فاخوري الذي كتب الكتاب العام 1913، كان يطرح سؤال النهضة العربية في لحظة تاريخية دقيقة، مستنكرا الحال الذي كانت تعيشه الأمة مقابل تقدم الغرب. واليوم، وبعد أكثر من قرن على صدور الكتاب، ما يزال السؤال مطروحاً بالحدة ذاتها، وربما بإيلام أكبر: كيف ينهض العرب؟
ويرى برهومة، أن الجواب كما رآه فاخوري ما يزال صالحا: هو "ثورة ثقافية تعيد الاعتبار للعقل والهوية"، وبناء رابطة قومية تقوم على التسامح والمواطنة، وإحياء اللغة العربية لتكون لغة تفكير وإبداع، لا مجرد أداة للتخاطب. فالأمة التي تهمل لغتها تهمل نفسها، ومن يتنكر لتراثه، إنما يتنكر لمستقبله أيضا.
وكتب الناقد الدكتور فيصل درّاج تصديرا للكتاب، أضاء فيه على السؤال الجوهري الذي طرحه عمر فاخوري، مؤكدا أنه السؤال نفسه الذي شغل روّاد النهضة العرب جميعا: "لماذا تقدم الغرب وتأخر العرب؟"، ولماذا كلما سار الغرب خطوات أوسع في مسيرة التقدم، ازداد العرب ابتعادا عن ركب الحضارة؟
يرى درّاج، أن هذا التساؤل ينطوي على احتجاج عقلي مشروع، إذ إن العرب كانت لهم أمجادهم وحضورهم الفاعل في التاريخ، لكنه يحمل في الوقت نفسه، غضبا وارتباكا أمام الكرامة الذاتية المهدورة. فالعربي، وهو يرى أمته تتراجع وتخرج عن سياق التاريخ، يشعر كما لو أنها تحولت إلى عبء على الإنسانية المتقدمة.
ويضيف أن هذا التراجع ظهر في غياب الدور العربي عن حركة التقدم العالمي، وفي التخلف عن الثورات التقنية المتسارعة، فضلا عن ضعف حضور قيم حقوق الإنسان في المجتمعات العربية، والعجز عن الدفاع عن الحقوق القومية والتاريخية، ليظل البديل الماثل هو الاكتفاء بالخطابة والبلاغة الفارغة، والاستعانة بغير العرب للدفاع عن قضاياهم، أولئك الذين لن يقوموا بشيء في نهاية المطاف.
ويشير د. درّاج، إلى أن فاخوري قرأ، في سياق عصره، نتائج الاستبداد العثماني الذي تجلى في تفشي الجهل والأمية، وفي ذلك التحالف القائم بين السلطة والثروة.
وعاين فاخوري هذه الظواهر معتمدا على حسه الإنساني المرهف، ومراقبته الدقيقة لحياة الناس، مستندا إلى ثقافته المبكرة الراقية، التي مكنته من المقارنة والمفاضلة والبحث الدؤوب بدافع الفضول المعرفي.
أما السؤال الثاني، وهو امتداد للأول، فيتعلق بما الذي دفع الدكتور عيسى برهومة إلى إعادة إحياء كتاب عمر فاخوري بعد أكثر من قرن على صدوره. والجواب كما يوضح برهومة: إنه السياق الراهن، الذي لم يختلف كثيراً عن سياق العام 1913، بل بدا أشد قتامة وبؤسا ودمارا، وكأن الزمن لم ينجح في ترميم الجرح، بل عمقه أكثر فأكثر".
من جانبه، بين الدكتور عيسى برهومة في تقديمه للكتاب أن أسئلة النهضة والتقدم والحداثة والمستقبل عند العرب، ما تزال تتردد في وجدان كل مفكر ومثقف عربي، أو كل منشغل بقضية العرب المعاصرة، منذ أكثر من قرن، أي منذ بدايات القرن الماضي. وهي أسئلة تتصل مباشرة بموقع العرب اليوم من العالم، وتستحضر في الوقت ذاته ماضيهم الزاهر، حين كانوا ينافسون أرقى الأمم في ميادين العلم والمعرفة والأخلاق.
وفي هذا السياق، جاءت دعوة عمر فاخوري كما صاغها في كتابه، لتكون محاولة للإجابة عن سؤال النهضة وما يفيض عنه من أسئلة شائكة ومقلقة. فقد رأى أن النهضة العربية مرتبطة "بحبل سري" لا ينقطع بالجنس العربي ذاته، وأن كتابه يشكل رسالة في دوافع النهوض وعوامل السقوط، ودور العروبة – بوصفها جنسا وأرومة وعرقا – في تحقيق النهضة المرجوّة.
ويشير برهومة في تقديمه، إلى أن فاخوري اعتبر الجنس العربي المعول الرئيس على النهوض، إذ يراه جنسا مميز الخصائص، لا نظير له بين الأمم الأخرى. ومن هنا كان تقديس العروبة عنده هو المبعث والسبيل الأوحد للنهضة.
ويشير برهومة، إلى أن عمر فاخوري، الشاب العربي المتقد عروبة وعنفوانا، والمطلع على تجارب الأمم الحية وثقافاتها، حاول من خلال هذا الكتاب أن يقدم للعرب إجابات تكشف لهم طرائق نهضة الأمم، وأسباب ثباتها، ومصادر تطورها. وصاغ فاخوري رؤيته تلك، من منظور عروبي متحمس، متشبع بالقومية، ومؤمن بتفوق الدم العربي على سائر الأمم، بما يجعل من العروبة منطلقا حصريا لمشروع النهضة.
ويضيف برهومة أن الفتى عمر فاخوري، القادم من قرية التحتا في أقاصي لبنان، قد آلمه ما كانت عليه أمته آنذاك: أمة مهلهلة ضعيفة مفككة، لا غذاءها مما تزرع، ولا لباسها مما تنسج، ولا فكرها مما تكتب، ولا لسانها عربي مبين، وفوق ذلك كله، كانت ترزح تحت نير الاستعمار العثماني.
ومن رحم هذا الواقع القاتم، راح فاخوري يحلم أحلاما كبيرة، بأن تستعيد بغداد، قرطبة، القاهرة ودمشق مجدها الغابر، مدفوعا بنزعة قومية عارمة وشديدة التوق إلى النهضة.