عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Apr-2019

سباق خاسر*جمال اشتيوي

 الراي-تلخيص دحض الاشاعة ضد البلاد بالنفي الرسمي، مسألة فيها تبسيط لما يواجهه الأردن من قصف متواصل، من الداخل والخارج، فالإعلام الرسمي حمل الحكومات حتى انحنى ظهره، ولم يفلح في حمل الناس على كتفيه يوما، وهو ما يستدعي وقفة للمراجعة والتأمل في مسيرة الأمس.

 
المسألة أعقد من أمنيات هزيلة تسير على أقدام من ريح، تغدو سيقانها مبتورة أو عرجاء في أول اختبار لها، حينما لا تعرف أين تولي وجهها أمام أي كذبة كبرى، فالذخيرة لدينا محدودة واللاعبون لا يمتلكون اللياقة الكافية، وهم غير مدربين ذهنيا وجسديا على لعب أشواط طويلة.
 
الدفاع عن الدولة فكرة ليست ناجزة في عقل الحكومات، فالإشاعة تتدحرج عبر صفحات الفضاء الحر، تجتاز سياج الرقابة الهش، وحبر الصفحات البائس يضع يده على خده، ينتظر موظفين رسميين يتصفحون ما كتبوا في غرفهم المغلقة، ولعلهم القارئون الوحيدون الذين يثقون بما ينشرون.
 
خطورة الإشاعة ليس في أنها ترتدي ثوب سوبرمان، وتسبح في قنوات السوشيال ميديا، أو أنها تغزو عكاظ اليوتيوب والفيس بوك دون إذن مسبق من المحافظ، فهي عصية على الالتقاط وخنق الأنفاس ووأدها في مكانها، بل تتمثل سميتها في أنها متواترة وتحتل مساحات شاسعة طواعية وبسرعة فائقة، في مقابل منصات حكومية تجلس في الصفوف الخلفية، ولا يراها أرباب الإعلام المهني ومحترفو الفضاء الالكتروني.
 
هي حرب مفتوحة، تستخدم فيها كل اجهزة التشويش الفكري، ومخططة بدقة في أحيان كثيرة، وقصفها عشوائي أحيانا، وقد هزم فيها إعلام دول أنفق عليه ملايين الدولارات، لأن الفكرة لم تكن ناجزة، والعقول فارغة من سياسة إعلامية.
 
خسارة الاعلام الرسمي في معاركه متواصلة، وحصونه تنهار تباعا، فالرسميون ما زالوا ينظرون إليه كاستثمار مالي، ومع ذلك يحشرون أنفسهم في كل خبر، وتقرير وتحقيق!، والمواطنون غائبون عن زفة الأقارب والمحاسيب إلى قنوات أخرى، يشاهدون حفلة تروّح عنهم نكد العيش في بلاد الضرائب.
 
المواطنون صدقوا الحكومة تلو الأخرى، بأن البلاد ستخرج من عنق الزجاجة، واحلامهم ستورق، وستنبت عشبا اخضر، لكن الأرض يباب، يقتلها غياب الثقة وانعدامها، غياب الثقة في من اغتالوا أحلام الفقراء، وسحلوا أمانيهم على بوابات الجوع، ووزراء لاذوا خلف جدران الصمت، ولم يقولوا الحقيقة، أو نصف الحقيقة.
 
المنصات الهزيلة تتداعى مع أول صاروخ معاد، فنحن بلاد يخنقها المتذاكون والشطار من الداخل، والحاقدون من الخارج، فالمعلومة مدفونة في قاع سحيق، وإن شرب المسؤول حليب السباع، هرّبها إلى الإعلام الخارجي، فهو على يقين بأن إعلامه الرسمي لا يمتلك الكفاءة والمهارة المطلوبة لتسويق الفكرة.
 
نحن بلاد لا تستثمر في الإعلام، وتنظر إليه بعين ضيقة، وتعتبره كماليات معيشية، ما دام الخبز كماليات يلغى عنه الدعم، ويتناسى القائمون على القرار أن الاستثمار في الإعلام يشبه إنفاق الدول مليارات لتسليح جيوشها، وحماية حدودها، وتجهض ميزانتياتها، وقد لا يحدث عدوان عليها، ولا تستخدم طائرة حتى تخرج من الخدمة، لكن هذه الدول إذا لم تنفق على تسليح جيوشها فإنها ستكون مستباحة في أي لحظة.
 
الإعلام صانع الحروب وقائدها الأول، وقد نحتاج الإعلام في معاركنا المحتملة، سياسية أو اجتماعية (...) وبالتأكيد سنحتاجه، فالمتربصون كثر، قد نحتاجه ولا نجده، لأننا لم نؤسس إعلاما حقيقيا بل إعلاما كرتونيا يصلح غلافا للمناسبات، فنحن لم ننفق على بناء العقول وتسليحها بالمعرفة، واكتفينا بالألوان المحايدة... فلا تطلبوا من إعلامنا خوض معارك كبرى، فالعجزة لا يستطيعون الفوز بمارثون سباق يشارك فيه عدائون عالميون.
 
ليس أمامنا إلا إعادة بناء منصاتنا الداخلية، وترميم أرواحنا، وترسيخ ثقافة مجتمعية تثق بالدولة وتنبذ الاشاعة، ولا تتغذى عليها، ليس أمامنا إلا إعادة الاعتبار للإعلام الأردني على أساس فكر دولة، واضح الطريق والمعالم، وليس إعلاما هدفه إرضاء رغبات الحكومات.