الغد
حتى وإن ضرب سيد البيت الأبيض، الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعرض الحائط كل التزامات بلاده المناخية -في سعيه لتعزيز نفوذ عدو المناخ الأول، قطاع النفط والغاز حول العالم، طمعا في جني المليارات من الدولارات- تبقى مسألة التوعية بمخاطر التغير المناخي المتعاظمة حول العالم، وخصوصا في عالمنا العربي، مسؤولية الجميع، حفاظا على أرض صالحة للعيش، وإلا فالعواقب وخيمة.
الوضع المناخي حول العالم كارثي، ويدخل منحنيات تهدد حياة الإنسان وغيره من الكائنات، مع تسجيل ارتفاعات غير مسبوقة في درجات حرارة الأرض، كان آخرها ما تناقلته وسائل الإعلام، على لسان علماء وخبراء المناخ، من "أن أربعة مليارات شخص، أي نصف سكان الأرض تقريبا، شهدوا خلال العام المنصرم -من أيار (مايو) 2024 إلى مايو (أيار) 2025- 30 يوما إضافيا من الحر الشديد المرتبط بالتغير المناخي"، وذلك وفق تحليل أجرته مبادرة إسناد الطقس العالمي، ومنظمة كلايمت سنترال، والصليب الأحمر.
وهذا بدوره أسهم، خلال الأشهر الماضية، بتأجيج ظواهر مناخية متطرفة من حرائق غابات مجنونة، وغزارة كارثية في الهطول المطري، وأعاصير شديدة، وفيضانات مهلكة، وذوبان للصفائح والأنهار الجليدية، وارتفاع في مستوى سطح البحر، وتفاقم درجات حرارة المحيطات، وظروف جوية متطرفة في مختلف أرجاء المعمورة، كان منها الحرائق غير المسبوقة التي ضربت ولاية كاليفورنيا الأميركية، ونتجت عنها خسائر بأكثر من 250 مليار دولار.
الطامة أن درجات الحرارة في منطقتنا العربية ترتفع "بمعدلات أسرع مرتين إلى ثلاث مرات مقارنة ببقية أنحاء العالم"، بفعل طبيعتها الصحراوية، التي تؤجج بدورها ظاهرة الاحتباس الحراري. وقد أدى ذلك إلى دخول عواصم عربية، ومنها بغداد والرياض، في دائرة ما يعرف بالنقاط الساخنة على الخريطة المناخية للعالم.
التغير المناخي بات حقيقة نلمس لهيبها في حياتنا، ولا بد من تحفيز أدوات التوعية بمخاطرها للناس، ليكونوا شركاء في إيجاد الحلول، عبر حشد الجهود والأصوات الجماهيرية والمؤسسية للتعريف بتداعيات التغير المناخي وسبل مواجهته وتعزيز تكيف المجتمعات، بدءا من العمل على إلزام الدول والحكومات بتنفيذ بنود اتفاقية باريس، التي أبرمت في العام 2015، "بحيث لا تزيد درجة الحرارة حول العالم، مقارنة بالمستويات الحالية، على 1.5 درجة مئوية"، وصولا إلى الحياد الكربوني بما يتصل بانبعاثات غازات الدفيئة (ثاني أكسيد الكربون والميثان على وجه الخصوص)، وذلك عبر الانتقال التدريجي لكن الثابت إلى مصادر الطاقة الخضراء والاقتصاد منخفض الكربون في مختلف مناحي الحياة.
سجل 2024 العام الأشد حرا على الإطلاق منذ بدء تسجيل درجات الحرارة في العالم في العام 1850، ويرجح العلماء أن تتفاقم الأمور أكثر خلال العام الحالي، حتى أن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية تتوقع أن تتجاوز الأعوام الخمسة المقبلة (2025-2029) عتبة 1.5 درجة مئوية. وإن صح ذلك، فستكون ملايين الأرواح البشرية في مهب الريح.
الوقت يداهمنا، والحياة قصيرة، وعلينا ألا نجعلها أقصر عبر الجهل واللامبالاة والتقاعس عن مواجهة وحش التغير المناخي، والبداية لكل ذلك تكمن في التوعية المناخية لبناء أجيال قادرة على التصدي لمن يحارب مستقبلها قبل فوات الأوان.