أوروبا والعرب في سبات .. قريبا، كل حي في غزة سيقتل
الغد
أميرة هاس* - (هآرتس بالعربي) 25/8/2025
لا أحد ينقذ الفلسطينيين، ولا الأسرى، ولا حتى نحن من واقعنا البشع. ومع ذلك أكتب، وما أزال آمل في قدوم معجزة؛ ربما تستفيق أوروبا والدول العربية وتستخدم قوتها الحقيقية لتغيير المشهد.
أصدقائي وصديقاتي في غزة على وشك أن يُطلب منهم قريبًا مغادرة مساكنهم المؤقتة والانتقال إلى جنوب القطاع -تمامًا كما اضطر والداي إلى الرحيل خلال المحرقة النازية: أمي إلى بيرغن بيلزن؛ وأبي إلى غيتو ترانسنيستريا. وما يزال الخطاب الكاذب والمضلل الذي يروجه الجيش يلوث كل تقرير وكل نقاش، ويحول ما يحدث إلى مجرد أرقام وسياسات، بينما الواقع هو مسؤوليتنا نحن، الإسرائيليين، قبل أن يكون مشكلة الفلسطينيين المنهكين والجياع. حتى أولئك المتباكون، الذين اختاروا العمى الطوعي وغلفوا قلوبهم بالقسوة، والذين ينهار عالمهم لدى أي مقارنة لما يحدث مع النازية.
ينفذ وزير الحرب، إسرائيل كاتس، خطته بلا هوادة: دفع الناس إلى الرحيل؛ تكديسهم؛ ضغطهم وسحقهم في تلك القطعة الضيقة من الأرض في جنوب القطاع. وهو يستمر في ذلك على الرغم من كل الاحتجاجات والإدانات والمقارنات. لا أحد ينقذ الفلسطينيين، ولا الأسرى، ولا حتى نحن من واقعنا البشع. ومع ذلك أكتب، وما أزال آمل في قدوم معجزة؛ ربما تستفيق أوروبا والدول العربية وتستخدم قوتها الحقيقية لتغيير المشهد.
القصف الجوي الذي ينفذه طيارونا، والقصف المدفعي الذي تنفذه دباباتنا، سيؤديان إلى إفراغ مدينة غزة من سكانها. وسوف تسحق جرافات المحتل الواثق من جبروته كل شيء أمامها. الجنود الإسرائيليون مدربون على القيم العسكرية، وقد غُرس فيهم شعور بالخدمة العسكرية الهادفة، بينما يبقى الشعب الفلسطيني محاصرًا بآلة القوة والسيطرة بلا هوادة.
في المجتمع الإسرائيلي، حتى أولئك الذين يتظاهرون مع آبائهم وأمهاتهم وعائلات الأسرى ضد الحكومة، لا يرفضون أوامر التجنيد ولا التعليمات العسكرية الإجرامية. بمجرد إعلان قائد قيادة الجنوب، يانيف عاشور، أن منطقة مدينة غزة "خالية من المدنيين" -أي بلا أي سكان على الإطلاق- يصبح لكل جندي الحق في إطلاق النار على أي شيء يتحرك، حتى لو كانت امرأة بعمر 78 عامًا وحفيدها البالغ من العمر 12 عامًا. سوف يقولون، بلا أي شعور بالرعب من أنفسهم أو أي حس بالرحمة: "إنها غلطتهم. لقد أُتيح لهم الوقت للانسحاب جنوبًا". هذا هراء.
يمتلك "معسكر كابلان"** المعارض، الذي ينتمي إلى المركز الليبرالي الصهيوني، وسيلة ضغط واحدة فقط لإحباط خطط الحسم التي يتحدث عنها بنيامين نتنياهو وبتسلئيل سموتريتش: رفض جماعي للمشاركة في عمليات التدمير والطرد. لكنهم مع ذلك لا يستخدمون هذه الورقة. بالنسبة لهم، الأمر لم يصل بعد إلى مرحلة الانتهاكات الصريحة؛ لم نصل بعد الى مرحلة الراية السوداء.
لا يستطيع خيالي أن يستوعب فكرة أن أصدقائي وعائلاتهم، المرضى والمرهقين والمحزونين، يجري ترحيلهم للمرة الثامنة على الأقل، متنقلين نحو المجهول الجديد في مساحة أصغر وأضيق من أماكنهم السابقة. هل سيكون ذلك في عربة؟ أم سيرًا على الأقدام لمسافة عشرين كيلومترًا؟ ركضًا بلا هواء، بينما القذائف تحوم حولهم والدخان والغبار الأسود يعلوان فوقهم؟ يرفض خيالي المذعور أن يتصورهم في أنصاف البيوت، على الرغم من تحذيرات أفيخاي أدرعي، وأتخيلهم يترقبون موتًا سريعًا في القصف، أملاً في الخلاص من الرعب المستمر.
شققهم في مخيمات اللاجئين وخارجها في غزة، التي بنوها أو امتلكوها بعد سنوات طويلة من الكد والتعب، تحولت إلى جدران متداعية وعاجزة عن حماية ساكنيها. والمتاع القليل الذي تمكن أصدقائي وزملائي من تأمينه منذ التهجير الأخير -مراتب، أواني وملاعق، ألواح خشبية، بطانيات، وربما لوحة شمسية- كل ذلك قد يضطرون إلى تركه وراءهم. لكنهم بالتأكيد لن يتخلوا عن كيس الدقيق الذي اشتروه بألف شيكل، ولا عن "الجركن" المملوء بعشرين لترًا من ماء بالكاد صالح للشرب، ولا عن حفاضات الأم العجوز التي في التسعين.
خيالي يعجز عن تصور أين، بين الخيام المزدحمة المتلاصقة بعضُها ببعض، سيعيدون بناء خيامهم. هناك سيغرقون في عرق الصيف حتى يحل الشتاء؛ وهناك سيبللهم المطر وغضب البحر، بين قذيفة وأخرى، بينما تحلق الطائرات فوقهم بلا توقف، نهارًا وليلاً.
رعب. شوق. جوع. عطش. عجز عن فعل شيء. ألم. غضب. تعب. بكاء طفل مريض. ثمة الحروف نفسها. لكنها تصبح في غزة محملة بالمآسي والمعنى والوزن والحجم بطريقة تتجاوز إدراكنا. الكلمات نفدت من قاموسي، ولم يتبق سوى القليل منها: "العجز"، "الشلل"، و"نحن، ضد إرادتنا، شركاء في الجريمة".
*أميرة هاس Amira Hass: صحفية وكاتبة إسرائيلية بارزة في جريدة هآرتس، ولدت في العام 1956 في القدس لوالدين من الناجين من الهولوكوست، وتعد من أبرز الأصوات النقدية داخل إسرائيل تجاه سياساتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة. درست التاريخ في جامعة القدس العبرية، وعملت مراسلة صحفية منذ أوائل التسعينيات، حيث اختارت العيش لسنوات طويلة داخل قطاع غزة ثم في رام الله لتغطية الواقع الفلسطيني من داخله.
هامش:
**معسكر كابلان: هو الاسم الذي أُطلق على الحركة الاحتجاجية الواسعة التي انطلقت في إسرائيل ضد خطة الحكومة اليمينية برئاسة بنيامين نتنياهو لإضعاف الجهاز القضائي في العام 2023. وقد انطلقت التظاهرات المركزية أسبوعيًا في "شارع كابلان" بتل أبيب قبل أن تنتشر إلى مدن أخرى. رفع المحتجون شعار الدفاع عن "الديمقراطية" و"استقلال القضاء"، معتبرين أن الإصلاحات القضائية تهدد النظام الديمقراطي وتكرس سلطة مطلقة للحكومة. أصبح الاسم لاحقًا مرادفًا لمجمل الحراك الشعبي المعارض لسياسات نتنياهو وحلفائه من اليمين الديني والقومي.