عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    18-Jul-2019

مــات حــــزب العمـل منــذ زمـــن - جدعون ليفي

 

الطريق الترابية التي تؤدي إلى المقبرة في كفار حوغلا كانت تمر عبر دفيئات الورود. 
عندما كانت الطفلة اورا تترعرع هنا كانوا لا يزالون يسمون تايلاند سيام، والعمل الأجنبي لم نكن قد سمعنا به بعد في الموشاف. 
قبل أيام شوهد في دفيئات حوغلا عدد من العمال التايلانديين، الطلائعيين الإسرائيليين الجدد، في الوقت الذي شقت فيه قافلة السيارات الطويلة إلى جنازة أورا نمير.  هذه كانت جنازة مثيرة للاحترام، حتى لو أنه كان هناك احتفال تأبين لحزب العمل الذي كانت نمير من أفضل بناته.
لقد أحببتها بقدر استطاعتي، كنا أصدقاء في العمل السري، وهي صداقة كانت ممنوعة.  في الطابور إلى الصندوق في السوبرماركت، الذي كان لا يزال بملكية شركة العمال، تحدثنا همسا. 
كانت من معسكر اسحق رابين، وأنا عملتُ مع شمعون بيريس. ولكن في وجبات عشية السبت المشهورة في منزلها تقريبا لم نتحدث في السياسة. 
كان ذلك منتدىً ثقافياً من النوع الذي لم يعد موجودا. كان متنوعا مثلما عرفت هي كيف يكون ذلك. كان هناك عدد من الفنانين والشعراء والكُتاب والممثلين والصحافيين أكثر من السياسيين. أيضا رئيسان من رؤساء «الشاباك» المتقاعدين كانا هناك. احدهما كان هناك بفضل زوجته، والآن لم تعد هناك نقاط التقاء كهذه.
عمير بيرتس، الذي قام بتأبينها، تذكر كيف كان يعرف على أي أريكة في منزلها مسموح الجلوس وعلى أي منها كان الأمر ممنوعا. 
الوزير حاييم كاتس قال إنه تمرد. لقد استل الشراشف التي منعت استخدامها. الصور في صالون شقتها الصغيرة كانت معلقة بخط مستقيم مع المكيف. والويل لمن تجرأ على لمسها. 
الجميع شاهدوها، وأكثر من أي شيء آخر خافوا من إسقاط أي فيل من المجموعة التي جمعها مردخاي نمير والتي كانت توضع على طاولة.
لا حاجة إلى شل الماضي من أجل الاشتياق إليه. وعن أسماك الغفليت في أيام الجمعة في مقهى «باتيا» – لها قطعة ولي الرأس – كنا نتحدث عن رابين وعن بيريس، وأيضا عن الكونسيرت الأخير الذي كان في المقهى. 
توفيت باتيا ولم يعد مقهى «باتيا» موجودا. الآن أيضا نمير ومعها كل من كانوا يأتون إلى باتيا. على أطلال اليركون 110، مقر حزب العمل، أقيم مجمع سكني فاخر مع ردهة وإطلالة على البحر. 
كم هو مغرٍ الاتكاء على الماضي. لقد كان أقل جمالا من الوصف، لكن أحيانا أجمل من الحاضر. 
إن انتخاب بيرتس لرئاسة حزب العمل، الذي هو استمرار لنمير من عدة جوانب، يعيد للحزب القليل من الروح، لكن الماضي مات ومات معه الحزب الذي كان.
لقد عشنا في حينه في فقاعة كانت مريحة جدا. كنا الجيل الشاب للحزب المؤسس، الأسماء الأسطورية كانت لا تزال تتجول في الأروقة، وعن النكبة لم نكن سمعنا بعد، والاحتلال اعتقدنا أنه يكفي ترديد بعض الجمل عنه. 
كان الوضع في حينه أقل وحشية لكنه مؤقت أكثر من الآن. لقد كان في حينه حمائم وصقور تناقشوا في أمور لا يهتم بها أحد الآن. وكان هناك تواضع ومعقولية في الأجواء حتى لو كانت الكراهية التي يكنها رابين لبيريس أكبر من الكراهية التي تكنها ستاف شبير لايتسيك شمولي. كان هناك معسكرات وكانت رسائل لهيئة التحرير التي تم تزويرها، لكن الجميع عرفوا أن هؤلاء الأشخاص هم الذين أقاموا الدولة، وهي دولة نموذجية.
كانت نمير تهتم بالضعفاء. قلبها كان يشفق عليهم. مثل الكثيرين من أبناء جيلها لم تفهم أن هناك تمييزا طائفيا مفهوما وممأسسا وعميقا. 
لم يكن العرب في الحزب في حينه يحسب لهم أي حساب، باستثناء عندما جاء زوار من الأممية الاشتراكية وأراد بيريس عددا ممن يلبسون الكوفيات في الصف الأول. 
لقد اعتقدنا أننا على حق، وأن إسرائيل دائما على حق. كنا شبابا ساذجين جداً وأغبياء جداً. 
في الجنازة فكرت، أين كنت فقط قبل يوم من ذلك. في معرض اكسبو – فلسطين في لندن (احتفال شارك فيه آلاف الأشخاص من منظمة «أصدقاء الأقصى». لقد فكرت بالطريق الطويلة التي اجتزتها منذ سنة اسماك الغفليت مع اورا. ولكن هذا موضوع لمقال آخر.
في نهاية الاحتفال الحزين أسمعوا قصيدة «يوم القداس» لموشيه تبكين، التي كتبت في سياق مختلف تماما: «عندما تخون الطريق صاحبها من جهات العالم الأربع، فإن قدميه تقودانه بضلال إلى أماكن لا يرغب فيها».
«هآرتس»