عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Feb-2025

الإندبندنت :علينا أخذ طموحات ترامب التوسعية على محمل الجد

 الغد

ريتشارد هول* – (الإندبندنت) 2025/2/11
يسعى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى إعادة الولايات المتحدة إلى وضعها كقوة إمبريالية، مهدداً بضم أراضٍ في ثلاث قارات، من كندا إلى غزة. وبينما تقابَل تهديداته باللامبالاة، يصعب تحديد جديته أو دوافعه، بين كونها تكتيكًا تفاوضيًا أو رغبة جامحة في السلطة وجلب الاهتمام. ويبقى السؤال: إلى أين سيتجه تاليًا؟
 
 
 
أعلن قائد أعتى قوة عسكرية عرفها العالم على الإطلاق عن أنه يعتزم ضم أراضي دول أخرى في ثلاث قارات مختلفة، وليس هناك من يعرف ما إذا كان ينبغي تصديقه أم لا.
بعد أسابيع قليلة فقط من بدء ولايته الثانية، قال دونالد ترامب إنه يرغب في جعل كندا الولاية رقم 51، كما هدد بالاستيلاء على غرينلاند، واستعادة ملكية قناة بنما، والسيطرة على غزة. ويتطلب أحد هذه الاقتراحات على الأقل تنفيذ تطهير عرقي لما يقرب من مليوني نسمة. ومن المرجح أن تنطوي الاقتراحات الأخرى على استخدام القوة العسكرية بصورة من الصور.
لو أن فلاديمير بوتين هو الذي قال ذلك لكان مجلس الأمن قد اجتمع مسبقًا لإدانة الزعيم الروسي والدفع في اتجاه تمرير قرارات ملزمة، ولكانت طائرات حلف شمال الأطلسي (ناتو) قد انطلقت. ولكانت موازنة البنتاغون قد تضاعفت بين عشية وضحاها- إلى جانب سعر سهم شركة "رايثيون" الأميركية الدفاعية.
ولكن، بدلاً من ذلك قوبلت طموحات ترامب الإمبراطورية باللامبالاة، سواء في داخل البلاد أو خارجها. وثمة شيء من أجواء مسلسل "توايلايت زون" Twilight Zone، بقصصه السوريالية الغرائبية المزعجة التي تتداخل فيها الحدود بين الواقع والخيال، في المأزق الذي يجد العالم نفسه فيه الآن. ثمة ملِك مجنون يهدد بالحرب كل يومين ولا يمتلك زعماء العالم سوى أن يضحكوا في سرهم أو يتجاهلوه تماماً.
للإنصاف، من الصعب أن يعرف أحد مدى جدية تهديدات ترامب بعد أن بات واضحاً أن المبالغة هي جزء أساسي من أسلوب تفاوضه.
يغص كتاب "فن الصفقة" The Art of the Deal الذي ألفه ترامب بنماذج من هذه الحكمة، مثل: "إن المفتاح الأخير للطريقة التي أروج بها هو التفاخر. أنا ألعب على خيالات الناس. قد لا يفكر الناس أنفسهم دائماً في أشياء كبيرة، لكنهم يظلون قادرين على أن يتحمسوا جداً لأولئك الذين يفعلون. ولهذا السبب، فإن قليلاً من المبالغة لا يضر أبداً".
وقد بدا هذا ماثلاً بالتأكيد من خلال الخطوات الأولى من حربه الاقتصادية التي شنها ضد أقرب جيران أميركا. وقد تراجع بسرعة عن تهديده بفرض رسوم جمركية على كندا والمكسيك بمجرد أن شعر أنه انتزع تنازلات.
في اليوم التالي لإعلان ترامب عن إرسال آلاف الجنود الأميركيين بهدف فرض السيطرة على غزة، بدا أن السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، كارولين ليفيت، تشير إلى أن الأمر لم يكن أكثر من مجرد حالة أخرى من التفكير الابتكاري، ووصفت الاقتراح بأنه "فكرة غير تقليدية". لكن الشيء المؤكد هو أن ترامب جاد في إعادة تدشين الولايات المتحدة كقوة إمبريالية.
قال الرئيس الذي كان يتحدث في حفل تنصيبه، إن "الولايات المتحدة ستعتبر نفسها مرة أخرى دولة متنامية، دولة تزيد من ثروتنا، وتوسع من أراضينا". ومن المؤكد أن لدى الولايات المتحدة تاريخا طويلا من المغامرات الإمبريالية في أميركا الجنوبية والشرق الأوسط وآسيا. وقد فعل جورج دبليو بوش أكثر من مجرد الحديث عن الاستيلاء على البلدان.
لكنّ ما يجعل معالم خطة ترامب عصية على التحديد هو أنه لا يبدو أن هناك إستراتيجية موحدة وراء رغبته بالاستيلاء على الأراضي أكثر من مجرد الاهتمام الذي يبديه مطور عقاري بالعقارات الباهظة.
قال ترامب إن من شأن السيطرة الأميركية على غزة أن تساعدها في أن تصبح "ريفيرا الشرق الأوسط"، ووصفها بأنها فرصة عمل مثيرة وليست جريمة حرب.
وكانت جهوده للاستيلاء على غرينلاند خرقاء بالقدر نفسه، ويبدو أنها تعتمد على رضوخ أوروبا لإرادته كما قد يفعل عضو جمهوري في الكونغرس في ولاية جمهورية الهوى.
كانت النتيجة الوحيدة لضغوطه على كندا هي إثارة غضب الدولة الأكثر تهذيباً على ظهر هذا الكوكب إلى درجة أن مواطنيها أصبحوا يطلقون حالياً صيحات الاستهجان عند عزف النشيد الوطني الأميركي.
يبدو أن إحدى السمات المشتركة بين جميع المناطق التي يستهدفها ترامب هي أنها تنتمي إلى دول أصغر حجماً وأضعف عسكرياً. وكما هي عادته، امتنع ترامب عن مهاجمة أي طرف قادر على قتاله. كما أنه من غير الواضح من أين اكتسب ترامب تعطشه المفاجئ لمزيد من الأراضي. كان قد وصف نفسه لسنوات عديدة بأنه انعزالي مؤمن بشعار "أميركا أولاً"، ووعد في الكثير من الحملات "بإنهاء الحروب التي لا نهاية لها"، إلا أنه تخلى عن الحذر ولم يعد يبالي بالنتائج في ولايته الثانية، والتي من المفترض أن تكون الأخيرة. ولكن من يدري؟
قيل إن رغبة بوتين المفاجئة في توسيع حدود روسيا من خلال الاستيلاء على أجزاء من أوكرانيا كانت نتيجة الانعزال أثناء الإغلاق المرتبط بجائحة كورونا، والتهامه العشرات من كتب التاريخ. وقد خرج من مخبئه ذاك ليستحضر القيصر الروسي بطرس الأكبر من القرن الثامن عشر وقد شعر برغبة ملحة في استعادة الأمجاد السابقة.
ولكن، لا يعرف عن ترامب أنه قارئ نهم، أو حتى أنه قارئ أصلاً، فمن أين استمد إلهامه أثناء سنوات بعده عن واشنطن؟
لقد كان معجباً دائمًا بالرجال الأقوياء والطغاة، وكثيراً ما تساءل بصوتٍ عالٍ لماذا لا يستطيع أن يمارس الألعاب الإمبريالية نفسها التي يلعبها بوتين وأمثاله. هل يمكن أن يكون ذلك لأنه شعر بالحسد تجاه الزعيم الروسي عندما استولى على أراضٍ أوكرانية؟
هناك تفسير آخر أبسط. كثيراً ما حقق الرئيس نجاحات عندما كان في دائرة الاهتمام. وهو يعلم أنه يحتاج إلى رفع سقف التوقعات باستمرار للحفاظ على هذا الاهتمام. ومن المؤكد أن ثمة احتمالًا بأن يكون المدمن على إثارة الجدل قد طور مناعة بعد كل هذه السنوات، وهو يجهد للوصول إلى قمة مستويات ولايته الأولى بجرعات متزايدة من السم. ويبقي هذا احتمالاً مرعباً لأنه إذا كان قد هدد بالفعل بخوض حروب عدة في أول أسبوعين له في منصبه، فإلى أين يتجه دونالد ترامب من هنا للحصول على جرعته التالية؟
 
*ريتشارد هول Richard Hall: كبير مراسلي صحيفة "الإندبندنت" في الولايات المتحدة. يركز على تغطية الأخبار السياسية والاجتماعية. يشتهر بتقديم تقارير معمقة حول القضايا الإقليمية والعالمية، خاصة في مجال السياسة والعلاقات الدولية. قام بتغطية الأحداث الكبرى والتطورات الجيوسياسية، وقدم تقارير حصرية حول الأزمات في مناطق مثل الشرق الأوسط.