عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    09-Feb-2021

تكتيك الفستق الفاضي في برامج إذاعية صباحية* رمزي الغزوي

الدستور - 

 
قبل سنوات منعت ملكة بريطانيا كل من يرتدي موضة الجينز الممزّق أن يدخل قصرها؛ لأنه يعزّز الطاقة السلبية في الحياة. في المقابل فنحن لم نبق موضة لبرنامج إذاعي يردح ويمرح ويكرّس السلبية، ويمزق النفسية، ويبدد الطاقة، ويعلي من شأن الشكونة والتباكي والتسول والاستجداء إلا وأدخلناها في أرواحنا وأسماعنا من أوسع الصباحات. 
 
لا أعرف عدد هذه البرامج المستنسخة والمكررة البالية والممزقة التي تملؤنا وتبرمجنا نفسياً على أن البلد واقعة من طيارة، وأن الخراب عام طام، وأن ما من أحد مرتاح، حتى احتل الجفاف أفكارنا، وقطع التشاؤم كل خيط أمل قد تنسجه أنفسنا المتعبة.
 
هذا مؤلم ومبرك وقاتل صامت لا أدري كيف سكتنا عليه. هذا البرامج استغلت حاجات الناس وركبت ضعف حيلتهم وأوجاعهم ورغبتهم في حل قضاياهم، حتى شكّلت لديهم قناعات أكيدة أنها قادرة على حل كل شيء. فالشارع المليء بالحفر والجور لن يسوّى ما لم يتصل المذيع الفلاني أبو ضحكة جنان برئيس البلدية ويقول له يا بيك بدنا فزعتك وهمتك. والمريض المسخم لن يعالج ما لم نتصل بمدير المستشفى ونهمر عليه بعنجهية فارغة أقرب إلى التمثيل السخيف.
 
لو كنت صاحب قرار لمنعت كل برنامج صباحي يكرس هذا السلبية، ويلون أنفس الناس بالسواد وعتم القضايا وهم ينطلقون إلى ابواب رزقهم في الصباح. وهنا أنا لا أنفي وجود المشاكل والقضايا ولا أقلل بالطبع من حاجات الناس. ولكن ما يبدو لي أن هذه البرامج وجدت كصنارة تتصيد المستمعين، ولا تقضي حاجة المحتاجين. فماذا أنجزت غير الفهلوة والتنمر وجعل المسؤول لا يتحرك لأداء واجبه إلا إذا دغدغنا له اصابع أرجل غروره عبر أثيرها.
 
هذه البرامج كرست وبشكل خفي تكتيك الفستق الفاضي في نفوسنا وعقولنا. حتى صار همنا أن نعرض همومنا وننشرها بعد تضخيمها وتبهيرها لا أن نحلها. حتى أن أحدهم قال لي ذات مرة: المهم أن صوتي طلع مع المذيع المشهور، وصورتي نزلت على صفحته.
 
     هذا هو الفستق الفارغ بكل معانيه التافهة وتجلياته، وإلا كيف تفسرون استمرار كثير من هذه البرامج التي تتخمنا بعرض المشكلات مع معرفتنا الأكيدة أن غالبيتها ما زالت على حالها إن لم تزدد سوءا. ولكن قد رضي أصحابها بعرضها فقط، وهذا هو الفستق الفاضي فلنشبع به. 
 
الأخطر من هذا أن هذه البرامج كسرت الحاجز النفسي للناس عن إراقة ماء وجوههم وجعلتهم أجرأ على التسول والاستجداء وأماتت فيهم التعفف والكبرياء وعزة النفس.
 
هذه برامج يجب أن يعاد النظر فيها إن اردنا فستقا مليان.