ترامب والعرب.. حدود القوة ومساحة الاختلاف!* رجا طلب
الراي -
تكرست وعلى مدى عقود طويلة نظرية العجز العربي امام الولايات المتحدة وشاعت بين السياسيين العرب «ثقافة السادات القائلة ان 99% من اوراق الحل والربط في الشرق الاوسط بيد واشنطن»، وهي مقولة واقعية الى حد كبير وكرسها في العقل السياسي العربي فشل الانظمة «الثورية» التي رفعت شعارات معادية لواشنطن من نظام عبد الكريم قاسم في العراق حتى صدام حسين ونظام عبد الناصر في مصر، ومعمر القذافي في ليبيا وغيرها من الانظمة العربية الاخرى كالنميري في السودان وعبد الفتاح اسماعيل في اليمن الجنوبي وقتذاك، ساهمت تلك الانظمة بفشلها في خل? ما يمكن تسميته بـ«الاحباط الاستراتيجي» لاجيال تجاه نظرة العرب لانفسهم ولقدراتهم وامكانياتهم وتحديدا في مواجهة السياسات الاميركية في المنطقة وبصورة خاصة تجاه دولة الاحتلال الاسرائيلي.
يهدر العرب اوراق قوتهم ويتجاهلون وعلى مدى عقود طويلة اوراق القوة التي توافرت وتتوافر لهم ولا اريد هنا الاشارة باي شكل من الاشكال الى واقع السياسة الدولية الذي يمنحهم هامشا واسعا من الحركة وتحقيق مصالحهم سواء في زمن الثنائية القطبية زمن الحرب الباردة او واقعها الحالي في ظل النظام الدولي الذي اخذ يتشكل منذ اكثر عقدين تقريبا «النظام المتعدد الاقطاب» بعد بروز الصين كقوة اقتصادية كبرى وايضا عسكرية وتشكل نظام بريكس (تشكل عام 2006 ويضم حاليا البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وفي عام 2010 انضمت اليه جنوب افريقيا) بال?ضافة الى الاتحاد الاوروبي المتفهم لمطالب العرب والمؤيد لحد كبير للحقوق الفلسطينية ومازال قادرا على لعب دور محوري في السياسة الدولية.
اما نقاط القوة الذاتية المتوافرة لدي العرب فتتمثل بالتالي:
اولا: الموقع الجيوسياسي للعرب في «الشرق الاوسط» اي قلب العالم والذي تعتبره الولايات المتحدة من اهم مناطق الجغرافيا السياسية التي حققت وتحقق مصالحها الاستراتيجية والذي توجد فيه قناة السويس ومضيق هرمز ومضيق باب المندب والتي تعتبر كلها شرايين التجارة العالمية والتى تربط آسيا بافريقيا باوروبا.
ثانيا: تعد الدول العربية وبخاصة دول الخليج العربي صاحبة اكبر احتياط للنفط والغاز عالميا حيث تقدر الاحتياطات المؤكدة من البترول العربي بحوالي 713.4 مليار برميل في عام 2023 وهو ما يمثل نحو 40.7% من اجمالي الاحتياطات العالمية التى تبلغ 1.754 تريليون برميل، كما تقدر احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة لدى الدول العربية بحوالي 54.4 تريليون متر مكعب اي ما يعادل نحو 26.5% من اجمالي الاحتياطات العالمية المقدرة بـ205 تريليونات متر مكعب، وتعكس هذه الارقام الاهمية الاستراتيجية للدول العربية في سوق الطاقة العالمي اي بمعنى?آخر ان هدر هذه الميزة الاستراتيجية وعدم استثمارها في التعامل مع الولايات المتحدة وبخاصة ادارة ترامب الحالية هو احد اسباب تجاهل العالم وبخاصة واشنطن لمصالح العرب بل والعمل على تعطيل تحقيقها، خاصة مع الرئيس ترامب الذي بات معروفا بانه رجل صفقات وما يحركه هما شيئان الاول المال والثاني القوة لايمانه المطلق بهما.
اعتقد انه من الضروري التأكيد على القيمة الاستراتيجية للعرب في الحسابات الاميركية من قبل صناع السياسة في العالم العربي وطرح هذه القيمة كورقة على طاولة التفاوض مع واشنطن كورقة ذهبية في كل المنعطفات الحادة وتطورات القضية الفلسطينية وغيرها من الملفات، وسبق ان استخدم سلاح النفط في التعامل مع واشنطن زمن المرحوم الملك فيصل بن عبد العزيز وكان مؤثرا للغاية واليوم فان القيمة الاستراتيجية لهذا السلاح مع واشنطن في ظل ازمة الطاقة العالمية بسبب الحرب في اوكرانيا زادت اضعافا مضاعفة عما جرى ابان حرب اكتوبر عام 1973.
تعد زيارة الرئيس ترامب الى الشقيقة السعودية (كاول زيارة له خارج الولايات المتحدة وهي نقطة تحمل رمزية مهمة للغاية) والتى يطمح خلالها الرئيس الاميركي جلب استثمارات بقيمة تريليون دولار اميركي، تعد فرصة تاريخية لقيام العرب بتفويض السعودية في عقد صفقة تاريخية مع واشنطن بشأن القضية الفلسطينية ومجمل المصالح العربية العليا والامن القومي العربي.
من بين الوقائع التى تكرست ايضا بعد عقد التسعينيات من القرن الماضي ان القيمة الاستراتيجية لاسرائيل في الحسابات الاميركية منذ تحرير الكويت من الاحتلال العراقي عام 1991 انخفضت بشكل كبير وباتت دولة الاحتلال عبئا ثقيلا ماليا وسياسيا على واشنطن وتقلصت اهميتها العسكرية والاستخبارية ولولا اللوبي الصهيوني ولعبة الانتخابات الاميركية سواء الرئاسية او التشريعية لفقدت هذه الدولة «اللقيطة» بشكل كبير اهتمام الساسة الاميركيين بها وبمصالحها.