عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    25-Oct-2021

جائزة نوبل للسلام هي تذكير بأن حرية الصحافة مهددة

 الغد-كاثي كيلي* – (ذا كونفرسيشن) 9/10/2021

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
قبل اثنين وثلاثين عامًا تكتمل في الشهر القادم، كنت في ألمانيا، أكتب تقاريري الصحفية لتغطية سقوط جدار برلين، وهو حدث تم الترحيب به وترويجه على أنه انتصار لليبرالية الديمقراطية الغربية، بل وحتى “نهاية التاريخ”.
لكن الديمقراطية لا تُبلي حسناً في جميع أنحاء العالم الآن. ولا شيء يؤشر على المسافة التي قطعناها منذ تلك اللحظة من اللاعقلانية الوفيرة أكثر مما يفعل التحذير القوي الذي شعرت معه لجنة جائزة نوبل بأنها مضطرة إلى منح جائزتها المرغبوبة للسلام، يوم 8 تشرين الأول (أكتوبر)، لاثنين من الصحفيين.
وقالت بيريت ريس أندرسن، رئيسة لجنة نوبل النرويجية، في إعلانها عن منح الجائزة لماريا ريسا وديمتري موراتوف، “إنهما يمثلان جميع الصحفيين، في عالم تواجه فيه الديمقراطية وحرية الصحافة ظروفًا معاكسة بشكل متزايد”.
لا شك في أن تكريم موراتوف، المؤسس المشارك لصحيفة “نوفايا غيزاتا” الروسية، وريسا، الرئيسة التنفيذية لموقع الأخبار الفلبيني “رابلر”، هو حدث بالغ الأهمية. ويرجع ذلك جزئيًا إلى الحماية التي قد يوفرها الاهتمام العالمي لهذين الصحفيين اللذين يعيشان تحت تهديد وشيك لا هوادة فيه من الرجال الأقوياء الذين يديرون بلديهما. وقد أشارت ريس أندرسن بوضوح إلى ذلك في مقابلة بعد الإعلان عن منح الجائزة: “إن العالم يراقب”.
وعلى نفس القدر من الأهمية، ثمة الرسالة الأكبر التي أرادت اللجنة إيصالها. وقالت ريس أندرسن: “من دون وسائل الإعلام، لا يمكن أن تكون لديك ديمقراطية قوية”.
التهديدات السياسية العالمية
تسلط قضيتا الفائزين بالجائزة الضوء على حالة الطوارئ التي يعيشها المجتمع المدني: فقد شهد موراتوف، محرر ما وصفتها لجنة جائزة نوبل بأنها “أكثر الصحف استقلالاً في روسيا اليوم”، مقتل ستة من زملائه بسبب أعمالهم التي انتقدت الزعيم الروسي فلاديمير بوتين.
وتخضع ريسا، وهي مراسلة سابقة لشبكة “سي إن إن”، إلى حظر سفر فعلي لأن حكومة رودريغو دوتيرتي، في محاولة واضحة لدفع موقع “رابلر” إلى الإفلاس، رفعت العديد من القضايا القانونية ضد الموقع الإلكتروني بحيث يتعين على ريسا الانتقال من قاضٍ إلى قاضٍ لطلب إذن بالسفر في أي وقت تريد فيه مغادرة البلاد.
وكما أخبرتني ريسا مؤخرًا، فإن أحدهم سيقول “لا” بشكل حتمي. وربما يتغير ذلك الآن بعد أن أصبح لديها موعد في أوسلو. لكن ريسا تعرف أفضل على الأرجح بحيث لا تسلم نفسها للحماسة.
في العام الماضي، عندما ساعدتُ– أنا الصحفية لفترة طويلة، والتي تحوَّلت إلى أستاذة في الصحافة- في تنظيم مجموعة من زملائي من خريجي جامعة برنستون لتوقيع خطاب دعم لريسا، استجاب أكثر من 400 منهم. وكان من بينهم أعضاء في الكونغرس والمجالس التشريعية للولايات، ودبلوماسيون سابقون خدموا في إدارات رؤساء من كلا الحزبين. وكان أحدهم وزير الخارجية السابق، جورج ب. شولتز، الذي توفي بعد بضعة أشهر لاحقاً، ليكون إظهاره التضامن مع ماريا ريسا واحداً من آخر أعماله العامة. وكان إظهار هذا الدعم علامة على ما هو على المحك.
بعد ثلاثة عقود من سقوط الأنظمة الشمولية في أوروبا الشرقية، ما تزال قوى الظلام وعدم التسامح تواصل المسير. وما يزال الصحفيون هم طيور الكناري أسفل المنجم السام.(1) وقد أصبحت الهجمات عليهم أكثر جرأة: سواء كان ذلك في تقطيع الأوصال المروع للمعارض والكاتب جمال خاشقجي، أو إيقاف طائرة تجارية لاختطاف صحفي بيلاروسي، أو العبارة المشينة على الجدران “اقتلوا الإعلام”، التي كُتبت على باب مبنى كونغرس الولايات المتحدة خلال تمرد 6 كانون الثاني (يناير).
هذه الكراهية اللاعقلانية لمقدمي الحقائق لا تعرف أيديولوجيا. كان ازدراء الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، للصحافة يعادله على الأقل سلوك زعيم نيكاراغوا اليساري، دانييل أورتيغا، الذي كان رده على منتقديه في وسائل الإعلام هو وضعهم خلف القضبان.
الخطر الرقمي
لعل ما يجعل التهديدات الماثلة اليوم لحرية التعبير خبيثة بشكل خاص هو أنها لا تأتي فقط من المشتبه بهم المعتادين- مراقبي الحكومات من البلطجية. إنها تتضخم وتتسلح بشبكات التواصل الاجتماعي التي تدعي امتياز حماية حرية التعبير بينما تسمح بأن يختطفها محترفو الافتراء وتدمير السمعة والدعائيون.
ولم يقم أحد بفضح تواطؤ هذه المنصات في الهجوم على الديمقراطية أكثر مما فعلت ريسا، المتحمسة للتكنولوجيا التي بنت موقع منشوراتها بحيث يتفاعل مع “فيسبوك”، لكنها أصبحت تتهم الشركة الآن بتعريض حريتها للخطر من خلال اتباع نهج عدم التدخل في نشر وترويج القذف على موقعها.
كما لاحظت ريس أندرسن، عضو لجنة نوبل، في مقابلة بعد منح جائزة السلام، فإن “حرية التعبير مليئة بالمفارقات”. وأوضحت أن منح الجائزة لريسا وموراتوف يهدف إلى معالجة هذه المفارقات أيضًا.
وعند سؤالها عن سبب منح جائزة السلام لصحفيين أفراد- بدلاً من منحها لإحدى منظمات حرية الصحافة، مثل “لجنة حماية الصحفيين”، التي مثلت ريسا وموراتوف والعديد من زملائهم المعرضين للخطر- قال ريس أندرسون إن لجنة نوبل تعمدت اختيار صحفيين عاملين.
وقالت إن ريسا وموراتوف يشكلان “معيارًا ذهبيًا للصحافة عالية الجودة”. وبعبارة أخرى، إنهما باحثان عن الحقائق وساعيان إلى كشفها، وليسا من أولئك الذين يصنعون محتوى على الشبكة هدفه الرئيسي جذب الانتباه وتشجيع الزائرين على نقر رابط صفحة الموقع بغض النظر عن طبيعة المحتوى.
ويتعرض هذا المعيار الذهبي للخطر بشكل متزايد، في ما يرجع، في جزء كبير منه، إلى الثورة الرقمية التي حطمت نموذج عمل صحافة الخدمة العامة.
وقالت ريس أندرسن في إعلان الجائزة: “الصحافة الحرة والمستقلة والقائمة على الحقائق تخدم في الحماية من إساءة استخدام السلطة”. لكنها تتعرض باستمرار إلى التقويض واستبدالها باطراد بما يسمى “المحتوى”، الذي يتم تقديمه بطريقة خوارزمية من مصادر غير شفافة، بطرق مصممة للإدمان، والتي تؤدي إلى الحزبية، والقبلية، والانقسام.
وهذا يشكل تحديًا لصانعي السياسات العامة والديمقراطيات التي يمثلونها. كيف يقومون بتنظيم وسائل الإعلام الرقمية بينما يظلون يحمون حرية التعبير؟ كيف يدعمون العمل الصحفي كثيف العمالة بينما يواصلون حماية استقلاليته؟
لن تكون الإجابة عن هذه الأسئلة سهلة. لكن الديمقراطية ربما تكون الآن عند نقطة تحول. وباعترافها بفضل اثنين من الصحفيين الاستقصائيين والعمل الحاسم والخطير الذي يقومان به لدعم الديمقراطية، تكون لجنة نوبل قد دعتنا إلى بدء النقاش.
*أستاذة تشغل كرسي لي هيلز لدراسات الصحافة الحرة في جامعة ميسوري، كولومبيا. وهي صحفية ومحررة مخضرمة لديها محفظة وسائط متعددة، شغوفة بالشفافية وحرية التعبير والتدريس. بعد مسيرة مهنية طويلة في تغطية السياسة في واشنطن، انتقلت كيلي إلى التدريس بدوام كامل لأن الجامعات، كما تقول، هي المختبرات التي ستكتشف الصيغة لجعل الصحافة القائمة على الحقائق قابلة للحياة مرة أخرى.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Nobel Peace Prize is a Reminder that Freedom of the Press is Under Threat
 
هامش المترجم:
(1) إشارة إلى طيور الكناري المحبوسة في أقفاص، التي يحملها عمال المناجم معهم إلى الأنفاق تحت الأرض. فإذا تجمعت غازات خطرة مثل أول أكسيد الكربون في المنجم، فإن الغازات ستقتل طيور الكناري قبل أن تقتل العمال، وبالتالي يكون موت الطيور بمثابة تحذير للعمال للخروج من الأنفاق.