عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    23-Sep-2020

كورونا وتغيير السلوك*سائد كراجة

 الغد

أما الفيروس فقد وجد ليبقى، مع أنه شبه كائن حي، إلا أن حياته تكتمل بلقاك، تكتمل بأن يلتحم بخليتك الحية، وعندها يقومُ صراع بينك وبينه، ومع أنه صراع ليس مقصودا لذاته، ولكن للأسف موضوع هذا الصراع هو حياتك أو حياته، ويبدو أن الفيروس أكثر حرصا على حياته من حرص أغلبنا على حياتهم.
كورونا ليس الخطر الوحيد الذي يهدد حياتك، فإن فيروس كورونا لم يعطل عمل غيره من الفيروسات الأُخرى ولم يوقف خطر أمراض القلب، ولا حوادث الطرق، ولاحتى فيروسات البرد والرشح، والتي هي الأقرب في أعراضها لفيروس كورونا، حتى أن الأخير ليس الأخطر تأثيرا على حياة البشر، ولا الأعلى في معدل الوفيات نتيجة الإصابة به، بل هو مجرد فيروس آخر يتميز بسرعة الانتشار، وكثرة العدوى منه التي تمثل أول تحد أمام مقاومته، فكثرة المصابين تفقد المؤسسات الصحية القدرة على استيعابهم، وتحول دون القدرة على علاجهم.
الدول مشارب شتى في التعامل مع المصابين، ولكن أغلب الدول تبنت طريقة عزل المصاب، ولهذا فإن أكثر مستشفيات الدول امتنعت عن استقبال المصابين، ما لم تتطور حالاتهم لحد الخطر، وتصل لدرجة الحاجة لتلقي العلاج المكثف باستخدام أجهزة طبية يصعب توفرها الا في المستشفيات، أما الآخرون فيعالجون أنفسهم في البيوت فقط.
بالتدقيق في خطر هذا الفيروس يمكن القول إنه وبسبب سرعة عدواه وانتشاره فإنه هاجم الإنسان في أهم متطلبات وجوده الإنساني، وهما الاجتماع والاختلاط اللذان تمليهما ضرورة الحياة الاقتصادية والصحية والإنسانية والاجتماعية، فحاجتنا للتعامل مع بعضنا البعض ضرورة إنسانية، فأنت محتاج لتبادل السلع والعمل والافكار والحاجيات، وأنت تقدم وتأخذ الخدمات لأن حياتك اليومية سلسلة من التزويد والتزود، ناهيك عن الحاجة لممارسة وعيش علاقاتك الإنسانية بكافة أشكالها، وهذا كله صار مجالا لعمل الفيروس والإصابة بالعدوى، لقد هاجمنا في مساحة حاجتنا للاجتماع والتفاعل على كل صعيد.
يترتب على ذلك أن مقاومة الفيروس الحقيقية وضرب أهدافه في الانتشار تكون في ممارسة حياتنا كالمعتاد من جانب، وفي الوقاية وعدم الإصابة به من جانب آخر، هذه هي باختصار المعادلة التي يجب أن تقوم عليها استراتيجية مقاومة الفيروس بهذا الوضوح وهذه البساطة، نعم يجب أن تكون استراتيجيتنا الوطنية: الإبقاء على الحياة اليومية كالمعتاد مع الوقاية، والعناية لكي لا نصاب بالفيروس. وإذا صحت هذه الاستراتيجية واتُبعت، تصبح قرارات الحكومة على بينة، وتصبح الحكومة مسيطرة على مجرى الواقع والأمور، وليس العكس، وتسبق قرارات الحكومة الفيروس في انتشاره وتحركه.
على المستوى الفردي، التحدي في تحقيق هذه الاستراتيجية الوطنية لمقاومة الفيروس يكون في التركيز على تغيير السلوك الفردي في كل ما يؤدي إلى الإصابة، وهنا تكمن مسؤولية الأفراد والجماعات الذين من دون تعاونهم لن تنجح أي جهود مهما كانت لمقاومة الفيروس.
عاداتنا الفردية اليومية التي تؤدي للإصابة يجب أن تتوقف، السلام باليد، وضع اليد على الوجه والفم والأنف فهذه عادات متفشية عند أكثرنا، وكذلك إجراء الاجتماعات الضرورية مع التباعد اللازم مترين تقريبا، ولبس الكمامات، وتذكر أن كل اجتماع أو سلوك أو عمل تقوم به تعتبره منظومة صغيرة تنهيها بغسل اليدين جيدا.
تغيير السلوك البشري عمل مرهق ومضن وغير مرغوب، وهو أيضا دليل بشري تاريخي على تحضر الإنسان وتمدنه وتطوير حياته فالذكاء الحقيقي يكون في التكيف، وفي خلق وتبني سلوكات بشرية تساهم في حفظ الحياة وبقاء المجتمع، وطبعا تغيير السلوك أيضا يكون للمؤسسات والحكومات بل هي من يجب أن تمثل المثل الأعلى في القول والعمل، فاهم علي جنابك؟!!