عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    02-Sep-2024

تجربة الانتخاب للمرة الأولى: بين الشعور بالحرية وضغوط العائلة والمجتمع

 الغد-تغريد السعايدة

 للمرة الأولى؛ يشعر الشاب أحمد المفلح (18 عاما) بأهمية امتلاك الهوية الشخصية، كما يقول، لكي يمارس حقه في الانتخابات النيابية القادمة. يتملكه شعور مزيج من السعادة والمسؤولية، متأرجحا بين الانصياع لرغبة عائلته وبين أن يكون "حرا في قراره واختياره".
 
 
أحمد هو واحد من آلاف الشباب الذين يتيح لهم القانون ممارسة حقهم الانتخابي في هذه الدورة. حيث تنص المادة رقم 3 من قانون الانتخاب على "أن لكل أردني بلغ الثامنة عشرة من عمره قبل 90 يوما من التاريخ المقرر لإجراء الاقتراع، الحق في انتخاب أعضاء مجلس النواب وفقا لأحكام القانون".
 
 أحمد يقع ضمن هذه الفئة، ولذلك يعتقد أن هذه هي فرصته الأولى لممارسة حق من حقوقه كمواطن، بغض النظر عن الذي يرغب في اختياره من النواب، سواء كان ذلك بناء على رغبة الأهل أو بعد بحث وتمحيص جيد لاختيار ما يناسب تفكيره وتطلعاته.
وردا على سؤال حول ما إذا كان أحمد يتبادل الأفكار مع أقرانه من نفس المرحلة العمرية حول كيفية الاختيار، يقول إن موضوع الانتخابات يُطرح بشكل شبه يومي للنقاش بينهم، خاصة وأنهم يشعرون بالمسؤولية المجتمعية التي تقع على عاتقهم في الاختيار. ولأنه ينتمي إلى إحدى العائلات التي قدمت مترشحها المتفق عليه، يرى أنه من الأفضل له، خاصة في تجربته الأولى، أن يكون مع عائلته في اختيار نائب المنطقة، مبررا ذلك بأن اختياره يستند إلى "إجماع العائلة".
أما محمد زيد، الطالب في كلية الطب، والذي سيشارك في الانتخابات لأول مرة، فيقول: "سأكون على قدر المسؤولية في اختيار من يناسب تفكيري وتطلعاتي. سواء من خلال طريقة طرح برنامجه الانتخابي، أو ما يأمل تحقيقه للمواطنين، وخاصة الشباب".
محمد يستمع إلى الكثير من النقاشات في محيط عائلته وبين زملائه، خاصة في التجمعات العائلية أو المناسبات العامة، حيث يتم طرح العديد من القضايا المتعلقة بالانتخابات النيابية. ومع ذلك، ومنذ اليوم الأول الذي قرر فيه المشاركة، وضع لنفسه مجموعة من الأسس والمعايير التي سيحتكم إليها في اختيار المترشح المناسب. ويرى أن الإجماع على مترشح تتوفر فيه بعض الصفات الجيدة قد يكون أحد خياراته الأولية.
دارا (20 عاما) تمارس حقها في الانتخاب لأول مرة أيضا، وتشعر بأن هذه التجربة تختلف بشكل خاص بسبب الحضور الكبير للسيدات في هذه الدورة. وبما أن القانون يضمن للنساء فرصة الوصول إلى المجلس بأعداد كبيرة، فإن اختيارها قد يتجه نحو انتخاب سيدات هذه المرة، حتى تشعر بأن صوتها كإمرأة له تأثير كناخبة.
المستشار والخبير في قضايا الشباب الدكتور محمود السرحان يؤكد أن دور الشباب في المشاركة في العملية الانتخابية يعد محوريا وأساسيا، خاصة للفئات الشابة التي تشارك لأول مرة. هذه المشاركة تشكل محطة مفصلية في حياتهم، لها تأثير كبير قبلها وبعدها. لذا، من الضروري تشجيعهم على الانخراط في هذه العملية، باعتبارهم الأداة والوسيلة والغاية في محور العملية الانتخابية الشاملة والمستدامة، بمختلف أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ويؤكد السرحان أن الشباب، بهم ومن خلالهم، نستطيع أن نرى معالم الحاضر ونستشرف آفاق المستقبل الذي نأمله، والذي يتماشى مع تطلعاتهم وتوجهاتهم. لذلك، ينبغي على الأهل والمؤسسات المعنية بالعمل مع الشباب أن توفر بيئة آمنة، داعمة، جاذبة، صديقة، ملهمة، ومحفزة، تساهم في مشاركة الشباب الجادة، الواعية، والمسؤولة في العملية الانتخابية. كل ذلك يجب أن يتم ضمن إطار من التعاون والتكافل مع الجميع، لضمان مشاركة تليق بالشباب وتبرز دورهم وإمكاناتهم وقدراتهم. كما يجب العمل على تذليل الصعوبات، وإزالة العقبات، وتسليط الضوء على أسباب "قلة الوعي السياسي لدى الشباب"، على حد تعبيره.
ويرى السرحان أن هذه الأسباب قد تكون ذاتية وموضوعية على حد سواء، فجزء منها يرتبط بالشخص نفسه، مثل عدم استعداده للاندماج في العمل السياسي، وضعف دافعيته وحماسه، وعدم رغبته في خوض تجربة من هذا النوع. كما أن العديد من الشباب لا يعتبرون العمل السياسي أولوية. أما من ناحية العوامل الموضوعية المعيقة، فهي تشمل تجارب ذاتية وتاريخية واجتماعية غير منسجمة وغير محفزة، مما يؤدي إلى الإحباط وخيبة الأمل. هذه العوامل، بمجملها، تشكل قوى معاكسة تمنع الشباب من الالتحاق بمؤسسات العمل السياسي والنقابي والحزبي.
وفقا للسرحان، فإن المسؤولية جماعية بين الأفراد والمؤسسات، لرفع مستوى الوعي لدى الشباب وتحفيزهم على الانخراط في هذه العملية الجماهيرية.
ويشدد السرحان على أهمية أن تؤمن المؤسسات، بغض النظر عن توجهاتها وانتماءاتها، بدور الشباب وفتح المجال لهم لتسلم القيادة والريادة في مختلف المجالات الوطنية والسياسية والحزبية والنقابية. يجب ألا يكون الشباب مجرد أداة لتمكين الآخرين من صناعة القرار، بل يجب أن يشعروا بالعدالة والمواطنة المتكافئة.
وفي ذات السياق، يرى المستشار والخبير التربوي الدكتور عايش النوايسة أنه لا شك في أن هناك تغيرا ملموسا طرأ على جوهر العملية الانتخابية، خاصة مع تعديل القانون الأخير. فقد ظهر لأول مرة في هذا التعديل مفهوم القائمة الوطنية الحزبية التي تتضمن إلزامية المشاركة الشبابية فيها، مع تحديد مواقع متقدمة وأعمار تفضيلية. وهذا التغيير أعطى أهمية بالغة للشباب، حيث شكل حافزا لهم للمشاركة في عضوية الأحزاب وطرح مشكلات وتطلعات الشباب ضمن البرامج الحزبية، التي ستصبح جزءا من برنامج عمل القائمة الحزبية.
كما يرى النوايسة، فإن هذا الأمر يشجع على مشاركة فاعلة من قبل الشباب، سواء في الترشح، كما يظهر في بروز عنصر الشباب كمترشحين في كافة القوائم الحزبية والمحلية، ومن المتوقع أن يحفز هذا التوجه جيل الشباب، وخاصة من ينتخبون للمرة الأولى، على الانخراط في العملية الانتخابية، كما يتجلى اليوم في مشاركتهم في المهرجانات الانتخابية للكتل الحزبية والمحلية.
أظهرت إحصائيات الهيئة المستقلة مسبقا حجم مشاركة الشباب في عضوية الأحزاب ضمن الهيئة العامة، وهو ما سينعكس على مشاركتهم الأوسع في يوم الانتخابات. ويستذكر النوايسة الانتخابات الطلابية التي جرت سابقا في الجامعات، والتي شهدت تنافسا شبابيا كبيرا ضمن إطار وطني، حيث استندت في بعض الجامعات إلى الأحزاب الوطنية التي أعلنت لاحقا فوز عدد من مترشحيها الطلاب في الجامعات.
كل ذلك له انعكاس كبير على مشاركة الشباب، خاصة الفئة التي تنتخب لأول مرة، وبشكل خاص في المناطق التي تشهد تنافسا عشائريا. يعتقد النوايسة أن هذا يبرز اندفاعا وحماسا أكبر للمشاركة من قبل هذه الفئة، ويظهر حجم التنافس من خلال ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي، فضلا عن استخدام خطابات حماسية لدفع الجميع للمشاركة في يوم الانتخابات. وعلى الرغم من أن الدافع قد يكون عشائريا، إلا أنه مغلف بالسعي لإيجاد حلول لمشكلات الشباب.
إلى ذلك، هذا السلوك والاندفاع نحو المشاركة هو أمر إيجابي ومطلب للجميع. ومع ذلك، يتفق النوايسة مع السرحان على أهمية دور الأسرة والإعلام ووزارة التنمية السياسية والجامعات ومؤسسات المجتمع المدني في توجيه هذا السلوك نحو التفاعل الإيجابي البناء. يجب أن يقوم هذا التفاعل على احترام الرأي والرأي الآخر، وأن يقيم التصويت بناء على برامج واقعية تسهم في حل المشكلات الشبابية، بعيدا عن أي نوع من التحيز السلبي، مهما كان شكله.
يعتقد خبير اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين خزاعي أن للشباب دورا كبيرا في المشاركة في العملية الانتخابية، نظرا لما يمتازون به من حيوية وحماس ونشاط يمكنهم من التنقل من مكان لآخر. وهذا يمكنهم من قراءة البرامج الانتخابية التي يرغبون في الانضمام إليها ومحاولة اختيار الأنسب لتحمل المسؤولية. كما أن لديهم القدرة والجرأة على اختيار من يرونه مناسبا لهم دون الحاجة للرجوع إلى الأهل أو الأقارب، وهم على دراية تامة بأهمية هذه الانتخابات.
ينصح خزاعي الشباب بعدم التقاعس عن المشاركة في الانتخابات، مؤكدا أنها ضرورة. كما ينبغي عليهم المساهمة بشكل فعال وبناء في اختيار الأنسب لخدمتهم وخدمة الوطن، خاصة من بين المترشحين الذين لديهم برامج تتعلق بخدمة قضايا الشباب. كما ينصح بتبادل النصائح مع بعضهم البعض ومع أقاربهم ومعارفهم من الشباب، وتشجيعهم على المشاركة بشكل فعّال وليس بشكل شكلي فقط.