عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Jul-2020

صدور “الباشق الذهبي- نوافذ على سماء محمود درويش” لـ راشد عيسى

 

عزيزة علي
 
عمان-الغد-  يرى الشاعر والناقد د. راشد عيسى، أن المثقفين والقراء العرب دائماً يتساءلون عن سر شهرة محمود درويش وأسباب نجوميته واسعة الانتشار، ولماذا حظي بهذا الصيت مترامي الأطراف، فدخل شعره أعماق النفوس، ومكتبات المؤسسات والبيوت، والمناهج الدراسية المدرسية منها والجامعية.
ويضيف عيسى، في مقدمة كتابة “الباشق الذهبي- نوافذ على سماء محمود درويش”، الصادر عن دار خطوط وظلال للنشر والتوزيع: “نال درويش استحقاق الاحترام من أهم المؤسسات الثقافية الدولية حتى بات شعره نموذجاً متفوقاً لعالمية الأدب. يزاد على ذلك موسوعة الكتابات والدراسات النقدية التي اشتغلت على شعره، وانحازت إلى بيان إيجابيات ذلك الشعر متغاضية عن التفكير بأي قصور فني محتمل، ومتحمسة بشكل سحري إلى جماليات الأساليب وأنماط البنية النفية المتجددة في التشكيل الشعري عند درويش”.
عيسى، يقول في تصريح خاص لـ”الغد”، إنه أراد من هذا الكتاب أن يبين أسباب الحظوة العالمية التي نالها درويش وأن يجيب عن الأسئلة المكظومة لدى الشعراء من مجايليه تحديداً، فلم ينل درويش عالميته من روافع القضية الفلسطينية إلا بدرجة قليلة، وإنما السبب الرئيس في ذلك هو عبقرية شعريته التي أخلصت للفن الشعري، بحيث أفاد من ثقافات الشعوب كلها وأعاد تدويرها في شعره ليكسبها خصوصية فذة، وبلورتها بأساليب جمالية فاتنة، لافتاً إلى أن لدى درويش مثل ما لدى أي شاعر آخر عظيماً كان أم عادياً اتجاهات شخصية قابلة للانتقاد، لكن الحديث عنها بعد موته غير لائق، فهو غير حي ليدافع عن نفسه.
ويوضح المؤلف أنه أدرج في هذا الكتاب بحثين علميين في فنيات شعر درويش التي لا يختلف عليها اثنان من أجل إثبات أن الشعر العظيم خالد وعالمي وأن درويش صار رمزاً لشعب فقد أرضه ومصيره، فدرويش حلم أسطوري يقول للعالم إن فلسطين باقية، والشعر الدرويشي تحديداً نموذج رفيع لحضارتها الإنسانية الجمالية الشاهدة على حق الخلود.
يشير عيسى إلى أنه سعى في الكتابه إلى كشف الروافع والسلالم “الجمالية والشخصية”، التي ساندت درويش في بلوغ أعلى القمم الإبداعية في الشعر، وفي تحقيق الأوج من السمعة الزكية والنجومية الشاسعة.
الكتاب جاء في فصلين قدم من خلالهما المؤلف في الفصل الأول تمهيداً أشبه بتعليق وثائقي تحت عنوان “صقر الشعر العربي المعاصر”، وتحت عنوان “أسانيد الشهرة الشعرية” حيث تحدث عن مجرات نجم درويش والخصوصيات الفنية في شعره، أتبعها بفيض من الصور الوصفية لما يرى المؤلف في شخصية درويش من مظاهر الكاريزما الخاصة، تلك التي آصرت خصوصيته الفنية، وأسهمت أيما إسهام في تعزيز شهرته، واستند عيسى في هذا الفصل إلى تشوفاته المعرفية التي لعبت دور آلة التصوير في التقاط المشاهد الرئيسة بإيجاز وكثافة.
خصّص عيسى الفصل الثاني لدراستين تطبيقيتين، تناولت الأولى العبقرية الغنائية عند درويش، وفاعلية اللغة البلاغية عبر بحث “أسلوب النداء في ديوان أوراق الزيتون”، واعتمده أيضاً المؤلف في الدراستين المتعلقتين بالمنهج الجمالي والأسلوبي، مظهراً معالم البراعة التشكيلية في اللغة وموسيقى الشعر، والبراعة الفريدة لدرويش.
ويرى عيسى أن نسبة عالية ممن تناولوا شعر درويش بالدرس والنقد والتحليل كتبوا ما كتبوه بشفافية انبهارية تمجد فن الشعرية في هذه التجربة، بحيث تضاءلت كثيراً نسبة القائلين إن القضية الفلسطينية هي التي حملت القراء على التعاطف مع شعر درويش.
ويرجع المؤلف هذا التعاطف إلى غلبة الجمال في شعر درويش على السياسي، فالجمالي خالد والسياسي متغير، والجمالي منذور للحرية الفنية المشتركة بين ثقافات العالم، أما السياسي فمحصور في بيئة زمانية معينة. فلو حلت القضية الفلسطينية وتحقق السلام المنشود، فلن يذهب الشعر السياسي “شعر المقاومة” إلى النسيان بل سيخلد ما في ذلك الشعر من معانٍ إنسانية مشتركة وقيم جمالية إبداعية تجعل الشعر وسيطاً للتعلق بحلم الحرية “نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا” أو “على هذه الأرض ما يستحق الحياة”.
ويقول عيسى إن شعر درويش استطاع أن يجعل الفلسطيني تحديداً منتصراً على جرحه، حين أصبح هذا الشعر ضرباً من الانتصار على مأساة فقد الوطن، ونوعاً من مواصلة الحياة وتحدي مآسيها.
ويعتقد المؤلف أن الشعوب في نزاعها مع المحتلين تبحث عن الصمود إما بالعودة إلى التمسك بتراثها ومنجزاتها ورموزها التاريخية والدينية، أو بصناعة الأبطال الأسطوريين سواء أكانوا أبطال معارك أو أبطال ثقافة، لأن الثقافة هي الفاعلية الوجدانية والفكرية في الدفاع عن هوية الشعب وحريته.
ويبين عيسى أن شعر درويش دفاع ثقافي مضاد، استطاع بفاعلية جمالياته الإبداعية أن ينال كل هذا الاهتمام والإعجاب وربما “الأسطرة”، مشيراً إلى أن د. شكري عزيز ماضي هو من انتبه إلى هذه الأسطورة حيث حذر في كتابه “شعر درويش.. أيدولوجيا السياسة وأيدولوجيا الشعر”، من أسطرة درويش، ويؤكد ماضي أن تميز شعر درويش وحضوره وتفوقه يجب ألا يسمح بأسطرته أو تحويله إلى أسطورة، فمثل هذا التحويل يجعله ويجعل تجربته عصية على الفهم والتفسير والدرس.
ويخلص عيسى إلى أن من أسطر درويش ليس الفلسطينيون وحدهم “لحاجتهم إلى رمز ثقافي عظيم يبرز قضيتهم العادلة أمام العالم”، وإنما عشاق الحرية الجمالية والحداثة الإبداعية من الباحثين والنقاد والدارسين أيضاً، لافتاً إلى أن الناقد المصري رجاء النقاش أول ناقد عربي أصدر كتاباً بعنوان “محمود درويش شاعر الأرض المحتلة”، يبشر فيه بموهبة درويش وذلك في العام 1969.