عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Feb-2019

”التعلق“ بالأماکن والأشخاص.. مشاعر إنسانیة تؤدي زیادتها لحالة مرضیة
ربى الریاحي
 
عمان–الغد-  ”التعلق“ سواء بالأشخاص أو الأمكنة، حالة عاطفیة تسیطر على مشاعر الإنسان، فھناك من ما تزال بیوتھم القدیمة تسكن دواخلھم رغم الابتعاد عنھا لسنین طویلة، وھنالك أناس أبعدتھم الحیاة عن من یحبون، لكنھم ما یزالون متمسكین بھم وبتفاصیلھم وذكریاتھم التي لا تنسى.
حالة التعلق تلك، ربما تختلف من شخص لآخر، ھنالك من لا یستطیع أن یخرج منھا وتبقى
مرافقة لھ العمر برمتھ، ویعیش وسط ذكریات تكون ھي المسیطرة على كافة تفاصیلھ، لیصبح
أسیرا للماضي بفرحھ وحزنھ.
الستینیة أم سائد لم تستطع أن تنسى تفاصیل جمیلة اختبرتھا في بیتھا الأول، والذي كان ”وجھ
السعد“ علیھا كما تقول، فھي حتى اللحظة لا تشعر بأي متعة أو استقرار في بیتھا الذي تقطن بھ
حالیا. والسبب أنھا وزوجھا اضطرا لبیع البیت القدیم بسبب الالتزامات المادیة والأوضاع
الصعبة التي مرت على العائلة.
لكنھا للحظة، ما تزال تتحدث أمام الجمیع عن بیتھا الأول الذي كبر بھ الأبناء، والحدیقة التي
تحیط بھ، وكانت تجمعھا بالأصدقاء والأقارب، و“ھداة البال“ الذي تفتقدھا حالیا.
تقول ”بكثیر من الأحیان أطلب من أحد أبنائي أن یأخذني لأرى البیت من بعید.. نقف بالسیارة
على أول الشارع واغمض عیني وأتذكر كل لحظة جمیلة قضیتھا ھناك، ولا یخلو ذلك من
لحظات البكاء.. ربما أبكي على أیام افتقدتھا“.
حالة الألم التي تعیشھا الثلاثینیة رشا مراد، سببھا سفر ابنة أخیھا (7 أعوام) مع عائلتھا للعیش
بإحدى الدول الخلیجیة، إذ شعرت بأن الحیاة توقفت عند تلك المرحلة وأنھا لم تعد قادرة على
الاستمتاع بأي شيء.
تقول تفتقد الیوم وبعد مرور سنة كاملة على غیاب ابنة أخیھا، للفرح وللابتسامة الحقیقیة النابعة
من القلب، إذ كانت تنسیھا ذاتھا ببراءتھا وعذوبة حركاتھا التي كانت تأسرھا تأخذھا إلى عالم
آخر، وتعود معھا طفلة صغیرة.
وتبین أن حرمانھا من الأطفال وصعوبة تحقیقھا لحلم الأمومة جعلھا تتعلق بھا كثیرا، وترفض
تجاوز تلك المشاعر، لأنھا ترى بھا الأمل والنقاء والسعادة، وظلت تعتقد أنھا تعوض كل ما مر
علیھا من وجع وخوف وأن الحیاة أنصفتھا بھا.
تغیر واضح تلمسھ رشا الیوم في شخصیتھا یستنزفھا، یبدد حتى سعادتھا بتلك التفاصیل
الصغیرة التي كانت تمنحھا القوة والرغبة في الحیاة. إحساسھا الآن بأنھا باتت وحیدة وفقدت
جزءا من روحھا، جعلھا تقرر الوقوف في المنتصف مكتفیة بالنظر إلى الخلف وكأن عقارب
الزمن ھي الأخرى تعطلت.
في الحیاة أشخاص تحكمھم المشاعر تسیطر علیھم، وتبقیھم قلقین مشتتین یشعرون بالغربة حتى
عن ذواتھم، ھذا النوع من المشاعر یعیق الكثیرین عن عیش الحیاة الطبیعیة، كما أن ھؤلاء
تحدیدا یجھلون أن ھناك خیطا رفیعا یفصل بین الحب الطبیعي وبین التعلق الخانق.
وتستغرب سھا علي كثیرا من ذلك الشعور الذي ینتابھا عند زیارتھا لمكان عملھا السابق، تقول
”العلاقة مع الأماكن التي نحبھا تلازمنا في أغلب الأحیان، أحاسیس یصعب علینا تفسیرھا فھي
تسكننا ونسكنھا وتصبح جزءا لا یتجزأ منا.. نشتاق إلیھا باستمرار“.
وتضیف أن تأقلمھا في عملھا الجدید لم یكن أبدا أمرا سھلا، بل أخذ وقتا طویلا، خصوصا أنھا
كانت مضطرة للاستغناء عن أشیاء بدافع التغییر ولأنھا تحتاج دائما للتطور والبحث عن طرق
جدیدة للنجاح، لكن اكتشفت أن سعادتھا كانت مرھونة بذلك المكان رغم ابتعادھا عنھ.
وتبین أن شیئا ما یشدھا دائما لزیارة عملھا السابق والوقوف عند ذكریات جمیلة مع زملاء
أحبتھم، لذلك تغلب مشاعر الحنین والتعلق لدیھا كلما ذھبت ھناك، موجھة اللوم لنفسھا، ومتمنیة
لو أنھا لم تغادر ھذا المكان یوما.
الاختصاصي الاجتماعي محمد جریبیع یرى أن ”للأشخاص والأماكن تأثیرا كبیرا على حیاتنا
كما أنھما یلعبان دورا رئیسیا في تكویننا ونظرتنا للأشیاء وحتى الذكریات“، موضحا أن لجوء
الشخص للتعلق بشخص أو مكان، ھو بحث بطریقة ما عن الأمان والمساندة.
ویذھب إلى أن الارتباط الشدید بالمكان في حقیقتھ ارتباط روحي یفسر تحدیدا الانتماء للمشاعر
والعواطف التي تبني علاقة الشخص بكل ما یحب وتخلق عنده ذاكرة خاصة یختزن فیھا كل
التفاصیل الصغیرة المحرضة على الشعور بالتعلق.
ویلفت إلى أن التعلق السلبي یفقد الإنسان بوصلة الطریق، ویكون عائقا حقیقیا یحول بینھ وبین
استمراریتھ وحبھ للحیاة ولأھدافھ، مشیرا إلى أن التخلص من مشاعر التعلق یتحقق من خلال
الإصرار على السیطرة على الذكریات المتعلقة بالشخص أو المكان وتجاوزھا، وضرورة
مواجھة كل الأفكار والرغبات السلبیة الناتجة عن تلك العلاقات التي تصبح مؤذیة مع الوقت،
بالإضافة لأھمیة تحویل طاقة الألم إلى شيء إیجابي.
ویرى الأخصائي النفسي د. عبد الله أبو عدس أن التعلق ھو أحد الدوافع الحیاتیة الرئیسیة الذي
یأتي ضمن سیاق محدد مرتبط بالحاجات الاجتماعیة، وعلاقات الإنسان الیومیة مع الآخرین
ویكون ھذا التعلق طبیعیا لحد معین، لكن إذا زاد عن حده، یصبح ”مرضیا“.
ویبین أن التعلق یبدأ مع الطفل منذ الولادة، وبعلاقتھ بوالدتھ ومن ثم تعلقھ بأبیھ والمدرسة حتى
یصل إلى مرحلة التعلق بالمجتمع وقد یتعلق الفرد بشخصیة معینة.
أما في حالة التعلق المرضي، فإنھ یدخل الإنسان بحالة قھریة إلحاحیة، وبالتالي یؤثر ذلك على
ثقتھ بنفسھ وعلى تعاطیھ مع الآخرین.
وھنالك من یشعر بخوف دائم من فقدان ذلك الشخص الذي یتعلق بھ، موضحا أن ھذه المشكلة
عادة تنتج منذ الطفولة نتیجة خلافات أسریة، وبالتالي وقد یكون أیضا بسبب عدم تفریغ المشاعر.
ویبین أن التعلق بشكل عام یؤثر على جمیع مسلكیات الحیاة كالدراسة والعمل، ویتم التخلص من
التعلق المرضي عبر اللجوء إلى طبیب نفسي مختص ولا بد من تفریغ المشاعر، ووضع برنامج وخطط عمل لیكون لھؤلاء شخصیتھم الخاصة والرضا عن الذات. إلى ذلك، ممارسة النشاطات الإیجابیة كالكتابة أو المطالعة أو الریاضة والتعرف على أصدقاء جدد تشعر الإنسان أنھ شخص مرغوب فیھ وأنھ ممیز بصفات معینة.