عمون-درب الشهادة، هو درب السلط ، على مر التاريخ
بنقص الأوكسجين مرة ...
وبالقصف الدموي لعين حزير مرة...
والانقضاض على مرابض مدفعيتنا السادسة في عيرا وفي يرقا ألف مرة
ومن قال ان الكرامة ليست أول السلط؟!
ومن قال ان ملتقى الدم وصناعة شلالاته ، الا ما كانت في أرض البلقاء
حين استشهد ابن الخصاونة ،وابن جرادات،وابن الطراونة،وابن كريشان، وابن الحديد، والقطارنة والقطاونة، والعبيدات، وابو درويش، والعريقات،وابن جرار، وابن عمرو،وابن الشخشير،وابن هيكل ،وابن القسوس، والهلسة، والحمارنة، وقندح، والمومني، والزعبي،والخطيب،والروسان،والكباريتي، والرياطي، والربيحات، والداوودية،والقرالة ،والحباشنة ،والمعايطة ،والزيود، وابن قلاب، والخلايلة، وابن الدعجة ، والخريشا، والزبن، والرفاعي ، والرحامنة، والبقور، والسردية، والخوالد، وابناء الخرازات ، وابو تايه ، والشخانبة، والعدوان، والحياصات، والعربيات، والحيصة، والمطارنة ، والهواري.
كانت معركة الكرامة هي أول الاوكسجين الاردني الذي ضخ في شرايين العرب المكسورة قلوبهم من هول القفزة اليهودية الساحقة والمذلة لشرف الأمة. ولم يكن للاردن من دور او حصة في قرار تلك الهزيمة ، سوى شرف ، بُذل الدم الطهور والذي سفح بحب وكرامة ذوداً عن القدس وربوع الضفة الغربية، والذي شهد لنا في ذلك الزعيم جمال عبد الناصر في خطاب التنحية واعترافه بالهزيمة وخص بطولات الجيش العربي بوصفة بـ ( الباسل) والبطل ، وان قلبه كان يتقطع وهو يتابع بطولات جيشنا العربي ذوداً عن القدس والضفة الغربية.
أيتها الأردنيات
أيها الاردنيون
بدأت تذكيركم بالدم لأنني أشم رائحة مؤامرة على دمائنا،
أشم وأتوجس من روائح شك مريبة في كل الذي يجري هذه اللحظات ، ولكن يقيني بالوطن الاردني يقين مطلق ثابت لايتزعزع.
ليست هي اللحظات هذه المناسبة لتقريع ( بشر) او الدفاع عن حكومته ، فالحكومة بادائها ووطنيتها وغطرستها وخطاياها وادعائاتها الطهر الدائم ليست جديرة بالتذكر في هذه اللحظات .
لان هناك جديداً يحوم من فوق رؤوسنا ، تُشتم رائحته كمؤامرة ، وسنقرر نحن هل ستمر المؤامرة ، أم انها نهاية وطن شجاع لاسمح الله! الذي ظل استثناءً ببقاءه وصموده في معركة ازالة الكيانات الضارية التي بدأت منذ عام 2003 ولما تنتهي بعد ، نحن أخر محطات الشرق التي لها حدود معلومة ورجالا يزنرون الوطن كالسياج.
اليكم هواجسي التي رسمتها خارطة طريق للشك لأبلغ اليقين
وقبل ان أعرض ما أحس به ارجو الله ان أكون مخطئا او مبالغا او ان شيئا قد ضاع مني في التحليل .
لسنا بصدد البحث عن عواطف او مجاملات ، سأكتفي بتكرار صرخة صلاح أبو زيد حين مضى هزاع المجالي الى قدره في حدث مريب ومؤامرة كانت محبوكة لتقضي على قائد الوطن والوطن بأسره ، فأقول.
بورك الدم يا سلط
وأبدأ بورك الوعي يا عمان ، والحذر الحذر يا أبناء البقعة ويا أهل الوحدات ويا رجالات مخيم الحسين ، وبعد فالقصة تحتمل التأويل واسترجاع شيئا من التاريخ، لأن الوطن الذي يفقد ذاكرته يتيه في غده ومستقبله.
اغتيال أبو جهاد 1988
أول القصة طائرة غامضة
فجع الاردنيون والفلسطينيون ومعهم بعض العرب باغتيال بطل الانتفاضة الفلسطينية الثوري الصوفي ( خليل الوزير ابو جهاد) في تونس في السادس عشر من نيسان 1988 .
كان ابو جهاد أول خطرٍ عربي تسرب ودنا من أبواب ديمونة ، حصن السر النووي اليهودي وكاد أن يطرق بابه فكان اغتياله كله دناءة وشماتة ، اربع وسبعون رصاصة أُفرغت في جسده في أقل من دقيقة واحدة .
ما علاقة ذلك في (شهداء غزوة أوكسجين السلط) ؟!
فجأة أبدى المغفور له بأذن الله سيدنا الحسين قلقاً وتوجساً، وطلب من المخابرات العامة ، والاستخبارات العسكرية واتصالات جلالة القائد الأعلى تشكيل خلية أزمة والسفر فوراً الى تونس ، وكانت تلك اللجنة الأمنية برئاسة العقيد حمود القطارنة .
كان قلق الحسين لأمر أحسه بروحه الوثابة، وبغرائزه الأمنية النقية ، إذ تم تعطيل كافة الاتصالات السلكية اللاسكلية في منطقة عملية اغتيال أبو جهاد مدة ربع ساعة وقت بدء العملية ، وتم شل اجهزة الاتصالات من تركيا شرقاً حتى الجزائر غرباً.
لقد تبين الحسين من أن علماً جديداً يتوافر لدى ( جيران السوء)
ولقد ثبتت الرؤيا ، وعادت تلك اللجنة الأمنية بخلاصة ان اسرائيل قد استعملت طائرة مجهزة بمعدات خارقة في قدرتها على التشويش ، حلقت فوق البحر الابيض المتوسط ، وشلت كل اتصالات دوله ، كان أسم تلك الطائرة إيجل ( Eagle ) قبل (الدرون) وقبل كل الاختراعات لمدة 33 سنة.
كم تونس كانت بعيدة
وكم هي السلط قريبة !
وبعد 33 سنة كم ظفر جيران السوء من تقدم تكنولوجي يؤهلهم لأرباكنا!
الصورة الثانية
(الدقامسة ونتنياهو )
في عام 1996 بلغ الضيق بسيدنا الحسين رحمه الله مبلغاً مقلقاً من نوايا ودوافع رئيس وزراء (جيران السوء) الذي لايرى في الكون أحداً سواه ، يسكنه الغرور والغطرسة والكذب، لايؤمن بشيء الا بـ( نتنياهو) ، وكان دوماً أصغر من شارون وأزعر من ترمب .
واستنتج الحسين بفطرته مبكراً ان هذا الرجل الذي تسلل في عتمة من ليل اغتيال رابين الى حكم اسرائيل سيقضي على كل كفاحٍ بذل وتحقق لتنعم شعوب المنطقة بوصولها عتبة السلام العادل والدائم.
وعلى حين فجأة خط جلالة سيدنا بنفسه رسالة توبيخ وتقريع واتهام وتعرية لمسيرة نتنياهو وشخصه وكشف المؤامرة التي يحيكها لتدمير مسيرة السلام في الشرق الأوسط ، وقد أمر جلالة الملك بنشر الرسالة كاملة على التلفزيون الأردني لحظة وصولها الى نتنياهو قبل أن تُصنع تلفزيونات اخرى بأسم المملكة .
وقد كانت الرسالة في حينها برنامج عمل ونبؤءة صادقة للذي جرى من بعد لمسيرة السلام على يدي نتنياهو وفضحاً لشخصيته المتآمرة والتي لا تؤمن الا بالاستيطان وبيع أوهام سلام كاذب للمتوهمين .
ولم تمض فترة من وقت طويلة حتى صحى الاردنيون على مذبحة لطالبات يهوديات في الباقورة والتي اضحى بطلها ( الدقامسة ) شخصية مختلف على أدائها ، ويطل السؤال ملكاً للتاريخ ، كيف تم وضع فخ الاستدراج اسرائيليا للدقامسة لتلك المواجهة ، وان اذاعة اسرائيل بثت خبراً فوريا أعلنت فيه عدم انضباطية الجيش الاردني وانهيار بنيته .
كان الحسين في طريقه الى واشنطن عبر توقف قصير في اسبانيا ، واضطر الملك ان يقطع زيارته ويعود أدراجه على الفور وبكل بسالة القائد التاريخي ، وبكل الكبرياء الهاشمي قام بزيارة العائلات اليهودية الثكلى في بيوتها ، مواسيا ومضمداً الجراح ، كان السؤال في حينها ما هو الرابط بين الرسالة والمذبحة !
من أول الصفقة حتى الصفعة
من لايتابع بعناية تاريخية المواقف الهاشمية وترابطها وتسلسلها الأخلاقي والمبدئي فأنه لايستطيع الظفر بتحليل واقعي، فمنذ اللحظة التي قال فيها الملك عبد الله للصفقة (لا ) وكانت أصعب (لا) هاشمية في علاقتنا مع الامريكان واسرائيل حتى منع رئيس وزراء اسرائيل من التحليق في سمائنا الطاهرة ، ثمة خيط من غضب قومي هاشمي يقابله تربص اسرائيلي ماكر.
كذلك فأن دماً هاشميا هو أرث كله يسري في عروق كل هاشمي عنوانه الايمان بالقضاء والقدر فوق الحسابات وفوق المعتقدات وما كان وصول عبد الله ابن الحسين في أشد لحظات الغضب الى مستشفى السلط الا تعبيراً عن هذا الايمان والتمسك بالقدر، لم يكن مع عبد الله ابن الحسين سوى دمعه ولبسته العسكرية وحيرته وذهوله ، لقد كان سلطياً بالكامل ، ومن ماتوا كانوا أبناءه وبناته يرحمهم الله ، هذا السلوك هو فوق متطلبات الحيطة والحذر ومرده دم هاشمي قانونه الاذعان للقضاء والقدر، وكما فعل هو ، فعل أبوه الحسين بن طلال حين فاجأ أهالي مدينة قلقيلية في منتصف ستينيات القرن الماضي على تخوم التخوم ومن تحت القصف وشارك المواطنين العذاب والجراح ، كان ذلك قدراً هاشميا لايحتمل التأويل، وحين وصل سيدنا الحسين الى أم البساتين في نهاية سبعينيات القرن الماضي حين وقع الانفجار المزلزل في ام البساتين عام 1979 وفقدنا فيه ضعف ما فقدنا من ارواح زكية في (غزوة أوكسجين المستشفى) ، كنا أبناء جريدة الرأي هناك ،( تلك الجريدة التي ستغلقها الحكومة في أية لحظة ) ، في ذلك الليل الدامس وصل سيدنا الحسين قبل اي مسؤول أردني ، وشارك في انقاذ الضحايا ، وكان يصرخ من شدة الغضب ، كان الانفجار رهيبا ونتائجه مرعبة ولم تكن أسبابه معروفة ، لكن الهاشمي مضى الى قدره يتفقد رعيته، هذا دم هاشمي غرائزي لايفسر ولا يخضع لقانون .
يبدو أننا كمجتمع ونخبة ودولة واعلام لا أبرىء أحداً لم ندرك بعد ان جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين قد وضع الوطن في قراره التاريخي بمنع طيارة نتنياهو من التحليق في سمائنا على حافة الخطر ، واننا يجب ان نكون على مستوى يقظة ومسؤولية التاريخ .
يا أحباب الله من الأخوان المسلمين الشرفاء
يا جند الله من المتقاعدين الاشاوس
يا ( زلم الحراك ) و( زلم الشوارب) في كل واحات وساحات الوطن
يا ( زلم الصبر والصمود الرجولة )
يا أبناء الفيء في مخيمات العز والامتنان أهل الشهامة والوفاء
يا أبناء كل الوطن
اننا نمر الان من سم الخياط ، وما التبشير والتحريض الذي يصلنا عبر الأثير زعيقاً مرة ، وتحريضاً مرة ، وبريئاً من البعض مرة، مطالباً الاردن الخروج في الرابع والعشرين من اذار الا ناقوس خطر رهيب علينا أن نرفع الصوت ونقول لا للانصياع للمؤامرة ، وهذا ليس وقت محاسبة لبعضنا ولا هو فتح ملفات المحاسبة للحكومة ورئيسها ، علينا ان نوقظ كل غرائزنا لننجي وطننا من عذاب أليم ، عذاب ان يكون السلاح لاسمح الله هو سلعة الحياة ، بدل المطالبة بالرغيف الحلال والكتاب المقدس والقرأن الكريم ، حالنا صعب ، ولقد أرسل عبد الله ابن الحسين حسرته أمس في كلمة سر حين مرق لنا ( لا زم نفهم ان سلوكنا السياسي لايريح البعض في الخارج) ، وأتبعه مباشرة وعداً بالنصر ، ووعد الملك يقين ، لكن وعده لن يتحقق الا بتناسينا لكل أخطاءنا وعيوبنا التي أضحت معروفة لراعي الغنم ، و(راعي الهذلة ) .
فلنحاذر من الانقسام والفتنة ولنرص صفوفنا، ولننسى اوجاعنا من بعضنا البعض، أنا شخصيا أدرك ذلك الوجع الذي الحقته فتاوى "الحاشية" ورسائلها في حق فرسانكم فرسان الوطن والحق الذين نذروا حياتهم ولاءً لجلالتكم ودفاعا عن وطنهم. ومن قال ان المخابرات تستحق من الحاشية كل هذا بعد أن نجتنا من كل آثام سقوط الانظمة وانهيار الاسوار وانتشار الارهاب.
لقد وقع في حياتي ان خاطبت جلالة المغفور له برسالة مفتوحة حين استشعرت الخطر في أواخر الثمانينات القاسيات ، ولم أفعلها مع جلالة سيدنا عبد الله وذلك لأسباب عديدة ليس هنا المجال لذكرها ، لكني أذنت لنفسي الأن السماح بالالتماس من جلالته الاستماع الى مناشدتي ورجائي، ان من تختاره يا مولاي لادارة الدولة في المقر السامي او الحكومة او مجلس الاعيان هو حق خالص لك لا دخل لأحد سواك فيه ، لكن الظرف يا مولاي يحتاج الى طرز من الرجال غير ما أرى ، ولتغفر بكل ولاء مطلق لجلالتك ان وطننا يخوض مليكه معركة احباط الصفقة ومنع التحليق وزيارته بالعسكري لتفقد ضحايا الاوكسجين ، لايستقيم حال المعركة فيها ورجالات الدولة ( يتحزورون) أكثر من نصف يوم ان كان سمو ولي عهدكم مرافق لجلالتكم في الزيارة أم لا ، هذا ناقوس للخطر يفزع كل أحبتك وجندك يا مولاي ، ووزير استقال بكل خلق المسؤولية لحظة ان زار المستشفى بمبادرة الرجال المحترمين ، كان من الظلم ان نربك الاردنيين بحزورة الاستقالة ، أمر ملكي مرة ؟! وأمر رئاسي مرة !؟ والاردنيون شاهدوه يرفع استقالته لجلالتكم فور وقوع الحدث.
المواجهات الكبرى يا مولاي تحتاج الى نساء ورجال كبار ، تُشبهك وتُشبهنا.
سنمضي من خلفك يا صاحب الجلالة مؤمنين بوعدك الذي قطعته لنا بالأمس.
نصراً حاسما على الوباء ، ومعركة محسومة ضد كل قبيح وضد كل ردية، وسيأتي الرابع والعشرون من أذار وسيمضي ، ويظل الاردن على بهاءه وعزته وسيظل الاردنيون والاردنيات أبناء وبنات خنادق للعز في الدفاع عن الوطن ووحدته ومليكه، وسنهتف جميعاً (هبت رياح الجنة) ، نحن مع الملك ونحن مع الوطن ونحن مع الشهداء ، ولانامت أعين الجبناء .