الغد
وفقًا للسياقات التاريخية فإن الباعث الرئيس لإنشاء البرلمانات كان لغايات مالية بحتة وهو الأمر الذي قد يستغربه الكثيرون؛ فقد كان الهدف من إنشاء البرلمان هو إقرار مشروع قانون الموازنة العامة، والذي تكتسب الحكومة بموجبه شرعية تحصيل الضرائب والرسوم.
وانطلاقاً من أهمية قانون الموازنة نجد أن النظام البرلماني الإنجليزي الذي يُعتبر من أعرق الديمقراطيات الحديثة، إذ نشأ عن طريق أعرافٍ وتقاليدٍ على مدى عدة قرونٍ من الزمن، قد حصر بمجلس العموم صلاحية إقرار مثل هذه التشريعات دون مجلس الشيوخ (اللوردات)، الذي فقد اختصاصه في الشؤون المالية كافةً في العام 1911.
في الأردن، نقف على أعتاب إقرار مشروع قانون الموازنة العامة كما هو الحال في كل عام، والذي يعد الناظم لسير الحياة المالية والمكنة اللازمة لتنفيذ السياسات الاقتصادية، كما أنه يكشف عن توجهات الدولة وأولوياتها من خلال حجم الإنفاق وتوزيعه.
وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أن أي موازنة تطرح ويبتغى منها أن تحدث التغيير المأمول على أرض الواقع، لا بد وأن تكون موازنة حساسة لحقوق الإنسان، هذه الموازنات التي تعمل على تلبية احتياجات وأدوار الشرائح كافة، والقادرة أيضًا على ردم الفجوة أو على أقل تقدير تقليصها بين فئات المجتمع، والتي تنطلق أيضًا من دراسة مواطن الخلل وأوجه القصور في الإنفاق التي أدت إلى عدم تعزيز حقوق الإنسان في جانب ما أو أدت إلى التأثير على مفهوم الحماية والفعالية في التطبيق للحقوق على أرض الواقع.
جاءت أهداف التنمية المستدامة 2030 والتي يعمل الأردن جاهدًا على تحقيقها تحت شعار حتى لا يبق أحد في الخلف، لتؤسس لمرحلة جديدة تجعل من عدم التهميش أو الإقصاء لأي فئة كانت مطلبًا وهدفًا تسعى له دول العالم، ولا يمكن الخروج من حالة التهميش والإقصاء في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة دون وضع آليات وخطط وسياسات تؤدي إلى الوصول إلى هذه النتيجة، ومن أهم وأبرز هذه الآليات وجود موازنات قائمة على نهج حقوق الإنسان تعمل على النهوض بالبنى التحتية وتساهم في تقليص الفجوات الاجتماعية وتلبية احتياجات الأدوار المختلفة بين أفراد المجتمع وتعزيز حقوق الفئات المهمشة، وتضمن عدم تركز الإنفاق في أحد الجوانب بصورة تؤثر على الاعتبارات والحقوق القائمة الأخرى أو تغفلها او تجعل الانفاق عليها مسألة ثانوية وفي أدنى الحدود.
ما نريد قانون موازنةٍ عامةٍ قادر على أن يكون رافعةً لعملية التنمية المستدامة التي تشمل بطبيعتها فئات وافراد المجتمع كافة، وتنطلق من اعتبارات حقوقية ونهج يضع نصب عينيه مبادئ العدالة والإنصاف.