عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    14-Nov-2025

هكذا أفكر لعبد الرؤوف الروابدة... خلاصة التجربة وحكمة العمل الوطني

 الدستور-شريفة محمود الشواورة

 
في عالم تضج فيه الأصوات، يظل الفكر الأصيل هو البوصلة. وكتاب دولة عبد الرؤوف الروابدة، «هكذا أفكر»، ليس مجموعة مذكرات؛ بل هو خلاصة وجدان وطن، يقدم فيه «رجل الدولة» تجربته كـ اجتهاد صادق في ملفات السياسة، والهوية الوطنية، والإصلاح الإداري، مؤكداً أن الحكمة تنبع من العمل المتجذر، لا من الترف النظري.
 
و»هكذا أفكر» ليس مجرد وثيقة سياسية، بل هو فلسفة حياة وسياسة، نتاج نصف قرن من «الاجتهاد» في خدمة الوطن، الذي أصر كاتبه ألا يدعي «الحكمة المطلقة»، بل يقدم لنا خلاصة فلسفة الممارسة في أصعب الظروف. الروابدة يقدم لنا نموذجاً لـ «رجل الدولة» الذي صنعته التفاصيل الميدانية، لا النظريات البعيدة عن الواقع.
 
إن تجربة التعامل مع قامة كهذه تُضفي على قراءة فكره بعداً إنسانياً يتجاوز التحليل.
 
لان طبيعة الحياة السياسية التي عايشها إنها حياة لم تُصنع في أبراج عاجية، بل في صميم الميدان الإداري والسياسي.
 
«هكذا أفكر» هو وثيقة «لتجربة»، وليست تنظيراً. تجربة «رجل دولة» عاش تفاصيل بناء القرار، لا «ناقد» يراه من الخارج.
 
الروابدة يضع بين أيدينا «اجتهادات» قابلة للنقد (كما أشار في المقدمة)، ولكنه يصر على أن الإرادة الوطنية هي المحرك الأصدق. وركز على أن التجربة الطويلة، برغم ثرائها، قد تكون مقيدة بمنظور «المؤسسة القائمة» التي عمل في إطارها.
 
خلاصة فكرية:
 
فالكتاب ليس مجرد مذكرات، بل هو خلاصة فكرية لتجربة سياسية وإدارية امتدت لأكثر من خمسة عقود. الكتاب يقوم على فكرة التواضع المعرفي للمؤلف، حيث وضح في المقدمة أن هذه «آراء مبثوثة، لا تدعي الحكمة المطلقة، ولا تحتكر الحقيقة، والخطأ فيها احتمال لكن الصواب هو الهدف».
 
فان هذا الإقرار يشير إلى منهجية فكرية تتجاوز الادعاء بالكمال. وإنها دعوة إلى الاجتهاد السياسي والمعرفي المستمر، حيث قيمة العمل تكمن في النية والجهد، وليس بالضرورة في الوصول للحقيقة الكاملة، آملاً في «الفوز بأجرين عن الاجتهاد» (وهو مفهوم إسلامي عميق يرفع قيمة المحاولة الصادقة).
 
ثم وضع تجربته في إطار الاجتهاد البشري القابل للخطأ والصواب؛ ما يفتح الباب أمام الحوار والنقد، ويجعل النص وثيقة فكرية للتعلم لا وثيقة تاريخية للتقديس.
 
وركز الكتاب بشكل كبير على الهوية الوطنية الأردنية وعلاقتها بـ القومية العربية، متناولًا قضايا مثل نشأة الدولة والتحديات الجغرافية والسياسية، وصولًا إلى قضايا مثل العلاقة الأردنية الفلسطينية، قدم الروابدة نموذجًا لـ «الهوية المركبة» أو «الانتماء الدائري»؛ حيث ينطلق الانتماء من الوطن الصغير (الأردن) ليصب في بوتقة الأمة الكبرى (العرب). يرى الأردن كـ «مستودع الثورة العربية الكبرى» وحامل لواء مشروعها النهضوي.
 
ويسعى لتأصيل مفهوم الدولة الحديثة التي تحافظ على العمق القومي وتتمسك في الوقت ذاته بـ الوحدة الوطنية والمواطنة الفاعلة. وجعل من الخبرة كـ «خميرة» للفكر المستقبلي
 
خميرة نصف قرن:
 
والكتاب هو تجميع لـ «محاضرات ودراسات وخطابات» ألقاها المؤلف عبر نصف قرن. يسميها الروابدة «خميرة نصف قرن من العلم والتعلم والخبرة والقراءة المعمقة».
 
وينظر إلى الخبرة ليس كسرد للماضي، بل كـ «مادة خام» (خميرة) لتشكيل رؤية الإصلاح والتطوير للمستقبل. الفكر هنا ليس نظريًا مجردًا، بل هو نتاج العمل المتجذر في الواقع. وتطبيق عملي لمفهوم «فلسفة الممارسة» حيث تتولد الحكمة من الاحتكاك اليومي بتفاصيل الإدارة والسياسة.
 
ويدعو إلى أن تكون هذه الأفكار مرجعًا للأجيال في مواد مثل التربية الوطنية والمواطنة الإيجابية، وهذا اعتراف ضمني بقيمة التجربة العملية كـ مصدر للمنهج التعليمي. تناول الكتاب رؤى في الإصلاح الإداري، واللامركزية، والديمقراطية، وهي مواضيع تستمد قوتها من موقعه كوزير ورئيس وزراء وأمين للعاصمة.
 
والنموذج القيادي الجريء والمثقف الذي لا يخشى مواجهة التحديات. إن «هكذا أفكر» هو في جوهره تبرير لـ «موقف» أكثر منه سرد لحدث». قدم رؤية للإصلاح تنطلق من الواقعية، مع استشراف لمستقبل يواجه التحديات والتنافس العالمي.
 
«هكذا أفكر»، هو ليس مجرد أرشيف سياسي؛ إنه في حقيقته تشريح فلسفي لعملية بناء الدولة وإدارة الأزمات الكبرى. يضعنا الروابدة أمام منهجيته في التفكير، لا أمام قراراته فحسب، ليقدم مدخلاً نقدياً فريداً لدراسة عقلية القائد الأردني.
 
الإرادة حين ترفض أن تكون مجرد «رد فعل»:
 
في زمن تترنح فيه الإرادات تحت وطأة الضغوط، يأتي فكر الروابدة ليضيء مفهوم «الإرادة الوطنية» في الأردن.
 
هل هي مجرد رد فعل على أزمة اقتصادية أو ضغط إقليمي؟ قطعاً لا، الروابدة يرفعها إلى مصاف «القوة الدافعة» التي تصنع الدور ولا تتلقاه. هذا المفهوم يمجّد القرار الجريء الذي يختار المسار الأصعب، المسار الصحيح للوطن، حتى لو كان ثمنه باهظاً أو غير شعبي في حينه. فالأردن، في رؤيته، ليس كياناً عابراً، بل هو «مستودع المشروع القومي» الذي لا يتنازل عن دوره المحوري ولا يساوم على الوحدة الوطنية كصمام أمان.
 
الاجتهاد السياسي هدم جدار «اليقين المُطلق»:
 
النقطة الأكثر جاذبية في الكتاب هي جرأة المؤلف على الإقرار بأن ما طرحه هو اجتهادات لا تدعي الحكمة المطلقة. هذا الاعتراف يهدم بذكاء جدار اليقين الزائف الذي تبنيه الثقافة السياسية حول القادة.
 
وهنا يكمن سؤال المتعة الفكري إذا كان قرار مصيري، يرتب مصائر أمة، يُدار بمنطق الاجتهاد القابل للخطأ، فكيف نوازن بين ضرورة هذا الاجتهاد في الظروف المعقدة، وبين حق الأمة في المحاسبة؟ الروابدة يدعو هنا إلى النزاهة الفكرية للقيادة. القائد الذي يقر بـ «الاجتهاد» يفتح مساراً للمراجعة والتطوير، ويحرر العمل العام من وهم «العصمة». إنه يقدم تجربته الطويلة كـ «خميرة» يجب أن تُعجن بها عقول الأجيال القادمة، لا كنص نهائي لا يُنقض. في هذا السياق، يصبح «الاجتهاد السياسي» سلاح مقاومة ضد الجمود والتبعية، ونداء للقادة: امتلكوا الشجاعة لاتخاذ القرارات المخلصة دون الخوف من العواقب، طالما كان اجتهادكم نابعاً من ممارسة عميقة.
 
 قراءة «هكذا أفكر» ليست فقط في السياسة، بل هي قراءة في فلسفة رجل وطن يؤمن بالجذور. فربط الجرأة والذكاء بـ الجينات والأثر الوراثي للآباء والأجداد. هذا الإيمان يجعله يدرك أن بناء الدولة لا يتم بالاستيراد والتنظير الأجوف، بل بإحياء الإرث الصالح في النفوس والأجيال.
 
تواضع وإخلاص:
 
تجربته هي تجربة القائد الذي لم ينسَ طريق العودة إلى الجذور (كحديثه عن دوافعه في فعل الخير بعيداً عن الشهرة). هذا يؤكد أن الإرادة الوطنية الحقيقية تُصنع في رحم التواضع والإخلاص الصامت، لا في أروقة البروتوكولات الباردة.
 
«هكذا أفكر»، هو أبعد من كونه سيرة ذاتية أو تجميعاً لخطابات. إنه بيان فلسفي في بناء الدولة وإدارة الأزمة، يضع أمام القارئ لا قراراته فحسب، بل منهجيته في التفكير؛ وهو ما يُعد مدخلاً نقدياً فريداً لدراسة عقلية القائد الأردني. الروابدة، عبر مسيرته، يرفض أن تكون الإرادة الوطنية مجرد رد فعل على الضغوط الإقليمية أو الأزمات الاقتصادية. بل يرفعها إلى مستوى «القوة الدافعة» التي تمنح الدولة قدرة على صياغة دورها بجرأة، حتى في أوقات التحدي.
 
هذا المفهوم يُعلي من شأن القرار الجريء الذي يختار المسار الصحيح للوطن، حتى لو كان ثمنه غالياً أو غير شعبي في حينه. فالأردن، في فكر الروابدة، ليس كياناً عابراً، بل هو «مستودع المشروع القومي» الذي يصر على دوره المحوري. إنها إرادة لا تساوم على الهوية الجامعة ولا تتراجع عن الوحدة الوطنية كصمام أمان.
 
والنقطة الأكثر عمقاً وجرأة في الكتاب هي إقرار المؤلف بأن ما طرحه هو «اجتهادات لا تدعي الحكمة المطلقة». هذا الإقرار هو في جوهره نقد بنيوي للثقافة السياسية التي تتوقع من القائد الحديث أن يتحدث بلهجة اليقين والكمال المطلق.
 
فكتاب دولة الرئيس الأسبق، عبد الرؤوف الروابدة، «هكذا أفكر»، هو ليس مجرد أرشيف سياسي؛ إنه في حقيقته تشريح فلسفي لعملية بناء الدولة وإدارة الأزمات الكبرى. وضعنا أمام منهجيته في التفكير، لا أمام قراراته فحسب، ليقدم مدخلاً نقدياً فريداً لدراسة عقلية القائد الأردني.
 
في زمن تترنح فيه الإرادات تحت وطأة الضغوط، يأتي فكر الروابدة ليضيء مفهوم «الإرادة الوطنية» في الأردن.
 
هل هي مجرد رد فعل على أزمة اقتصادية أو ضغط إقليمي؟ قطعاً لا!
 
الروابدة يرفعها إلى مصاف «القوة الدافعة» التي تصنع الدور ولا تتلقاه. هذا المفهوم يمجّد القرار الجريء الذي يختار المسار الأصعب، المسار الصحيح للوطن، حتى لو كان ثمنه باهظاً أو غير شعبي في حينه. فالأردن، في رؤيته، ليس كياناً عابراً، بل هو «مستودع المشروع القومي» الذي لا يتنازل عن دوره المحوري ولا يساوم على الوحدة الوطنية كصمام أمان.
 
النقطة الأكثر جاذبية في الكتاب هي جرأة المؤلف على الإقرار بأن ما طرحه هو اجتهادات لا تدعي الحكمة المطلقة. هذا الاعتراف يهدم بذكاء جدار اليقين الزائف الذي تبنيه الثقافة السياسية حول القادة.
 
وهنا يكمن سؤال المتعة الفكري وإذا كان قرارا مصيريا، يرتب مصائر أمة، يُدار بمنطق الاجتهاد القابل للخطأ، فكيف نوازن بين ضرورة هذا الاجتهاد في الظروف المعقدة، وبين حق الأمة في المحاسبة؟ الروابدة يدعو هنا إلى النزاهة الفكرية للقيادة. القائد الذي يقر بـ «الاجتهاد» يفتح مساراً للمراجعة والتطوير، ويحرر العمل العام من وهم «العصمة». إنه يقدم تجربته الطويلة كـ «خميرة» يجب أن تُعجن بها عقول الأجيال القادمة، لا كنص نهائي لا يُنقض. في هذا السياق، يصبح «الاجتهاد السياسي» سلاح مقاومة ضد الجمود والتبعية، ونداء للقادة: امتلكوا الشجاعة لاتخاذ القرارات المخلصة دون الخوف من العواقب، طالما كان اجتهادكم نابعاً من ممارسة عميقة.
 
 قراءة «هكذا أفكر» ليست فقط في السياسة، بل هي قراءة في فلسفة رجل وطن يؤمن بالجذور. فربط الجرأة والذكاء بـ الجينات والأثر الوراثي للآباء والأجداد. هذا الإيمان يجعله يدرك أن بناء الدولة لا يتم بالاستيراد والتنظير الأجوف، بل بإحياء الإرث الصالح في النفوس والأجيال.
 
تجربته هي تجربة القائد الذي لم ينسَ طريق العودة إلى الجذور (كحديثه عن دوافعه في فعل الخير بعيداً عن الشهرة). هذا يؤكد أن الإرادة الوطنية الحقيقية تُصنع في رحم التواضع والإخلاص الصامت، لا في أروقة البروتوكولات الباردة.
 
«هكذا أفكر»، هو أبعد من كونه سيرة ذاتية أو تجميعاً لخطابات. إنه بيان فلسفي في بناء الدولة وإدارة الأزمة، يضع أمام القارئ لا قراراته فحسب، بل منهجيته في التفكير؛ وهو ما يُعد مدخلاً نقدياً فريداً لدراسة عقلية القائد الأردني.
 
قوة الإرادة:
 
يُمكن قراءة الكتاب كإضاءة إبداعية على مفهوم «الإرادة الوطنية» في الأردن. الروابدة، عبر مسيرته، يرفض أن تكون الإرادة الوطنية مجرد رد فعل على الضغوط الإقليمية أو الأزمات الاقتصادية. بل يرفعها إلى مستوى «القوة الدافعة» التي تمنح الدولة قدرة على صياغة دورها بجرأة، حتى في أوقات التحدي.
 
هذا المفهوم يُعلي من شأن القرار الجريء الذي يختار المسار الصحيح للوطن، حتى لو كان ثمنه غالياً أو غير شعبي في حينه. فالأردن، في فكر الروابدة، ليس كياناً عابراً، بل هو «مستودع المشروع القومي» الذي يصر على دوره المحوري. إنها إرادة لا تساوم على الهوية الجامعة ولا تتراجع عن الوحدة الوطنية كصمام أمان.
 
والنقطة الأكثر عمقاً وجرأة في الكتاب هي إقرار المؤلف بأن ما طرحه هو «اجتهادات لا تدعي الحكمة المطلقة». هذا الإقرار هو في جوهره نقد بنيوي للثقافة السياسية التي تتوقع من القائد الحديث أن يتحدث بلهجة اليقين والكمال المطلق.
 
إذا كان القرار السياسي، الذي ترتبت عليه مصائر أمة، يُدار بمنطق «الاجتهاد القابل للخطأ»، فكيف نوازن بين ضرورة هذا الاجتهاد في ظل الظروف المعقدة، وبين حق الأمة في محاسبة النتائج؟
 
الروابدة، عبر هذا الاعتراف، يدعو إلى النزاهة الفكرية في القيادة. القائد الذي يعترف بأن قراره كان اجتهاداً، هو قائد يفتح المجال للمراجعة والتطوير، ويحرر العمل العام من وهم «العصمة». إنه يرى في التجربة الطويلة «الخميرة» التي يجب أن تغذي العقل المستقبلي، وليس الحكم النهائي الذي لا يُنقض.
 
واخيرا يمكن القول إن كتاب «هكذا أفكر» هو محاولة لتقديم مفهوم الدولة الأردنية كـ مشروع فكري مستدام، مستنداً إلى الحكمة العملية المتولدة من تجربة طويلة، وداعياً إلى مواطنة إيجابية تدرك جدلية الهوية والانتماء.
 
وتعامل مع تحديات الوطن بإخلاص وحكمة، مع إدراك أن العمل السياسي هو فن الممكن، وليس فن المطلق. واكد أن إرث الروابدة يكمن في إصراره على أن السياسة ليست غاية، بل أداة لخدمة الوطن.
 
«هكذا أفكر» هو دعوة صادقة للقارئ بأن يشارك في عملية التفكير، وأن يرى في تجربة القائد الأردني مثالاً على أن العظمة لا تكمن في تجنب الفشل، بل في صدق المحاولة واستمرار الإرادة التي لا تلين.