عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    09-Apr-2021

مختصون يدعون لاستراتيجية تحد من التنمر بين الطلبة

 الغد-آلاء مظهر

“مفكرة حالك حلوة.. أنت شكلك مثل السحلية”، “يا غبية انا ما بهتم اذا فرطي عياط مثل البيبي”. هذا جزء من رسائل تلقتها طالبة في الصف الثالث من زميلة لها في الصف نفسه، على ايقونة الدردشة الخاصة بمنصة مدرستها.
يقول والد الطفلة بعد أن وجد تلك العبارات على شاشة جهاز التابلت الخاص بابنته، وطلب عدم الافصاح عن هويته، إنه فوجئ برسائل الكراهية والتنمر هذه، الموجهة لابنته، ما دفع بالأم للتواصل مع الطفلة المتنمرة لمعرفة السبب، لكن كان رد المتنمرة، صادما للأم، عندما أجابت “ما بنحب بنتك، وما بدنا نحكي ونلعب معها”.
دفعت هذه الحادثة بالأب لمراجعة المدرسة، لكنه فوجئ بأن هذه ليست المرة الأولى التي تسجل فيها حالات تنمر الكتروني بين الطلبة، باستخدام المنصة او البريد الإلكتروني.
يقول، “أعرف التنمر الإلكتروني، لكني كنت اتصور بأن توفر المنصة المدرسية مكانا آمنا لطفلتي للتعلم”، مضيفا “أعلمتني المدرسة بان الحصص المباشرة تكون عبر تطبيق تيمز، بالتالي يصعب السيطرة على ما يجري تداوله بين الطلبة”.
وبين أن المدرسة تعهدت بمتابعة الحالة مع اهل الطفلة الأخرى، لضمان عدم تكرار فعلها، لافتا الى أن هذه ليست حالة فردية او استثنائية، بل تكررت مع عدد من الطلبة خلال التحول للتعلم الإلكتروني قبل اكثر من عام.
سهام لديها تجربة مشابهة مع ابنها في الصف الثاني، الذي يستخدم بريده الالكتروني التابع للمدرسة، والمخصص لمتابعة الواجبات لإرسال دعوات الى تطبيق آخر.
وأوضحت سهام، أنه جرت دعوة نحو 10 اطفال من الصف للتطبيق، قائلة “سمحت لابني، التسجيل فيه، كوسيلة للتواصل مع اصدقائه، خصوصا في ظل عدم ذهاب الأولاد للمدرسة، واغلاق اماكن الاطفال الترفيهية”.
وأضافت “قمت بوضع التطبيق على هاتفي، لمتابعة الدردشات بين المجموعة، لكنني صدمت بحجم التنمر واستخدام الالفاظ البذيئة”، موضحة أنه “التنمر على طفل واحد في المجموعة كان واضحا، عبر لغة متنمرة، فقدمت شكوى للمدرسة”.
المستشارة والخبيرة في الطفولة المبكرة سهى طبال، رأت ان الظروف الراهنة قادت للتعليم الالكتروني، فزاد الوقت الذي يمضيه الطفل أمام شاشات الاجهزة الالكترونية، وزادت صعوبة ضبط وقت الشاشة بالنسبة للأسر.
وأفصحت طبال في تصريح لـ”الغد”، ان التنمر، لم يقتصر على الطلبة وبينهم فقط، بل وصل للمعلمين من طلبتهم، ما يؤكد ضرورة وجود مدونة سلوك، تنظم العلاقة بين الطلبة من جهة، ومعلميهم من جهة أخرى خلال التعليم الالكتروني.
وأضافت ان الطلبة يتعرضون للتنمر في الحصص الدراسية، وهو يتفاوت في شدته، ما بين التشويش أثناء الحصة الدراسية، إلى التهكم واستخدام الألفاظ القاسية والشتائم عبر غرف الدردشة، وقد يصل لمُشاركة بعض أفراد أسرة المُتنمّر عبر التهديد والتخويف والتحقير، وأحيانا اختراق الحسابات.
أما أثره على الطلبة، وفق الطبال، فلا يقل خطرا عن بقية أنواع التنمُّر، إذ إن الأذى النفسي الذي قد يُسببه للآخرين، ربما يقود لضعف دافعية التعلُّم أو المشاركة في الحصص الالكترونية، أو فقدان الثقة بالنفس، وربما تتولد لديهم الرغبة بالانتقام، ان لم تقدم المُساندة للطفل مبكرا وحل المشكلة.
وشددت على اهمية تشجيع الوالدين لابنهما على اخبارها بما يجري معه، تماما كما يحدث في التعليم الوجاهي، فاستفسار أفراد الأسرة عن أي مُضايقة، يتعرّض لها الطفل وردة الفعل المطمئنة، ستُشجّعه على اخبارهما، ومن ثم التواصل مع المدرسة لوضع حد للتنمُّر على ابنهم، للمحافظة على دافعيته للتعلم، فالأمان النفسي من أهم متطلبات التعلُّم.
وأشارت لوجود أسباب تدفع الطفل للتنمر، كغياب الرقابة، ووجود وقت فراغ كبير متاح للأولاد على أجهزة التواصل، أو تعرُّض الطفل للتجاهل من المُعلّم، وعدم السماح له بالمشاركة، ما يجعله يفرّغ مشاعره السلبية بطريقة غير مناسبة، تجاه زُملائه الأكثر مُشاركة، بالتنمر الالكتروني، وقد تقود إلى تنمر عكسي من الطالب على معلمه، تماما كما يحدث أحيانا في المدرسة، لذا يجب أن يحرص المعلمون على أن يكونوا قدوة للأولاد، بمحافظتهم على جو إيجابي، وإتاحة فرص المشاركة للجميع، وتشجيعهم عليها دون تحيز لأحد.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف”، اظهرت في مسح اجرته مؤخرا، بأن نحو 64 % من الأطفال، تعرضوا للتنمر او الاساءة عبر الانترنت، وان 66 % ممن تعرضوا للتنمر الالكتروني تأثروا نفسيا، في حين أن 16 % اوقفوا استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لفترات محددة بعد تعرضهم له.
أستاذ علم النفس والإرشاد النفسي بجامعة فيلادلفيا عدنان الطوباسي، قال ان هذه الظاهرة، تفاقمت مع انتشار التكنولوجيا، لافتا الى ان التنوع بوسائلها المستخدمة، زاد من حدتها عبر خاصية المحاورة بين الطلبة.
وبين ان هناك اربعة محاور للتعامل مع ظاهرة التنمر: الطالب، والأهل، والزملاء، والمدرسة، ولكل دوره، فالأهل تقع عليهم مسؤولية كبيرة في هذا الأمر، بدءا من أساليب تربية ابنائهم وانتهاء بطريقة إبعادهم عن هذه الظاهرة، ويجب عدم السكوت على من يمارسونها على أقرانهم بحسم.
واوضح ان الطالب الذي يمارس التنمر، تجب توعيته بآثاره السلبية لفعله، وفي حال تكراره، فيجب ردعه بالعقاب، مؤكدا أهمية دور المعلم والمرشد التربوي هنا.
أستاذ عمل النفس بالجامعة الهاشمية جلال ضمرة، أكد ان التنمر سلوك عدواني حديث، جاء نتيجة تطوير وسائل الاتصال والانترنت، وإتقان الطلبة في التعامل معها، بالاضافة إلى أنه استقواء طرف على آخر، دون وجود توازن بالسلطة، يرتبط بتدني مفهوم الذات وأعراض اكتئابية وسلوك انسحابي (عزلة اجتماعية).
وشدد ضمره على اتخاذ استراتيجية وطنية مضادة للتنمر الالكتروني، لتطبق في المدارس، كما هو معمول به عدة دول كبريطانيا واميركا، منوها بأهمية أن تنجز وزارة التربية مثلها، وتطبقها.
واكد ان للمرشد التربوي المدرسي، دور بالغ الأهمية بالحد من التنمر، بخاصة وان كثيرا من المعلمين، لا يدركون بأن بعض السلوكيات الطلبة تصنف بأنها تنمر، ويجب ان تكون هناك دورات توعوية وتدريبية لمواجهتها، باعتباره سلوك يؤذي الآخرين.
وبين ضمره أن التنمر، قد يحدث أمام عدة طلبة او منفردا، بارسال رسالة او وضع صورة كائن على صورة زميل، او الاستهزاء به أمام بقية الزملاء، وغيرها، مؤكدا انه يقع على إدارة المدرسة، دور كبير بتوعية الطلبة وذويهم حول التنمر، وبإمكانهم مقاومته وطلب المساعدة.
واشار الى ان الطالبين المتنمر والمتنمر عليه، يحتاجان لمساعدة ارشادية، فهناك طلبة لا يحضرون حصصهم الإلكترونية، لخوفهم من التنمر، لذا فالمطلوب من الإرشاد التربوي المدرسي في مثل هذه الحالات، وضع سياسة داخلية للمدرسة لمواجهته، وتوعية المعلمين بخطورته، وضبطه قبل وقوعه بالتوجيه فورا الى الإرشاد النفسي في المدرسة.
وبين ضمرة، أن كثيرا من ادارات المدارس والمرشدين يأخذون التنمر بالاعتبار، الا في حالة كان عدوانا جسديا، فيهتمون به على نحو خاص، مشيرا الى ان التنمر لا يسبب مشكلة جسدية، لكنه يؤثر على الصحة النفسية، لذلك علينا عدم اغفاله، سواء جسدي او لفظي او الالكتروني، ويخلق اضرارا نفسية واكاديمية، وهناك أساليب يمكن تعليمها للطلبة للتعامل مع التنمر.
وبين أن التنمر، لا يمكن منعه، وعلى إدارة المدرسة ان تكون حاسمة تجاهه، فأي طالب سيمارسه تجب معاقبته وفقا لتعليمات الانضباط المدرسي، وانه على أولياء الأمور، عدم تقبله من ابنائهم، وعند ملاحظة اي سلوك كعدم الرغبة بحضور الحصص أو المزاجية وغيرها، فعليهم بفتح حوار مع ابنهم، وفي حال كان هناك تنمر، فسيظهر.
وشدد على أهمية بناء علاقة نوعية آمنة بين الطلبة وذويهم، لانها جوهر معالجة المشاكل، مبينا أن الطلبة المتنمر عليهم، يعانون بصمت ولديهم جروح خفية، ومن هنا تأتي أهمية بناء علاقة وطيدة مع ذويهم للكشف عما ما يحدث معهم.
ونوه ضمره الى ان التنمر قبل عملية التعلم عن بعد، كان موجودا، لكنه تفاقم خلال تعليق دوام المدارس واللجوء للتعليم الالكتروني، لذلك يجب أن تخصص المدارس حصة إرشادية أسبوعية للطلبة في هذا الشأن.