عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    09-Jul-2020

التنمر والإساءة الإلكترونية يقودان لـ”منطقة حيادية” تحد من تشكيل رأي عام

 53 % من الشباب تعرضوا للإهانة اللفظية وما نسبته 22 % تعرضوا لانتهاك بالخصوصية

 تغريد السعايدة
 عمان- الغد-  يتجنب عبد الله، الشاب الجامعي أحيانا الكثير من الحوارات على مواقع التواصل الاجتماعي، بالكثير من القضايا التي يهتم بها، لخوفه من التعرض للإساءة أو التنمر، ومواجهة رأيه بشكل عنيف من الطرف الآخر، قد يكون سبباً في تردده في أن يبدي رأيه، كونه يقع ضمن مجتمع يراقب ويتبادل فيما بعد تلك العبارات التي وجهت له.
تجارب كثيرة عايشها عبد الله، في كونه عبر عن رأيه “المُخالف للبعض” أحياناً في قضايا جدلية على منصات التواصل، تعرض فيها “للشتم أو نعته بصفات غير أخلاقية”، حيث باتت تلك القضية تظهر بشكل كبير في مختلف المجتمعات على اختلافها، عند طرح كل قضية جدلية، يختلف فيها كثيرون ويتفق آخرون.
نهاية حزيران، من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي لمواقع التواصل الاجتماعي، والذي يصادف في الثلاثين من حزيران من كل عام، ويدعو إلى “نشر المعرفة حول الشبكات الاجتماعية وترشيد استخدامها بالشكل الأمثل”، وتحول العالم الافتراضي إلى واقع ذي تأثير على مجريات الأحداث، ومساحة للتعبير عن الرأي، والذي من خلاله يمكن تشكيل رأي عام حول أي قضية.
ومع زيادة رقعة التعبير وتبادل وجهات النظر في العالم الافتراضي، يظهر كذلك الاختلاف في الرأي، ومن ثم يتحول هذا التبادل إلى التراشق والانتقادات الجارحة، ويصل الحوار إلى الإساءة والتنمر أمام الملأ، لذا، يتجنب كثيرون من طرح أفكارهم وآرائهم حول قضيةٍ ما، حيث يغيب حق “المُتنمر عليه”، ويزداد المتنمر سوءًا في عالم افتراضي، يمكن أن يحوي آلاف الحسابات الوهمية.
خلال هذا العام، قامت منظمة اليونيسيف، بعمل إحصائيات ودراسات حول التنمر الرقمي الذي قد يتعرض له الشباب في المجتمع الاردني، ليتبين أن هناك ما نسبته 53 % من الشباب تعرضوا للإهانة والإساءة اللفظية على مواقع التواصل الاجتماعي، وما نسبته 22 % منهم تعرضوا لانتهاك بالخصوصية.
هذه الزيادة في الأرقام قد تتسبب بعدم حصول المجتمع على وجهة نظر واقعية او تشكيل رأي عام حول القضايا المطروحة، والتي يرى الأخصائي الاجتماعي الدكتور محمد جريبيع أن التعبير عن الرأي بات موضوعاً مؤرقاً للكثيرين ممن يتجنبون الحديث عن أنفسهم وطرح آرائهم، التي قد لا تستهوي الآخرين، وهذا السبب الأول للثقافة المجتمعية والنمط السائد، إذ يخشى الفرد من التعبير عن رأيه الذي قد يخالف فيه محيطه المجتمعي.
“أقرأ المنشورات وأتابع التعليقات في العديد من القضايا وأحاول ان أعلق بشكل متوازن ومحايد حتى لا أرى تعليقاً مسيئاً لي”، هذا رأي ناديا ناصر، التي تتابع الكثير من الصفحات والمجموعات النسائية على مواقع التواصل الاجتماعي، كونها ربة أسرة ولديها فضول في قراءة القضايا الحوارية.
واحياناً لا تُعلق ناديا ابدا على بعض المواضيع، “اضغط على نفسي لعدم الرد”، تقول ناديا، كونها ترى إساءة وإهانة من بعض السيدات على أخريات، علقن، بآراء مخالفة لهن إلى الحد الذي قد تصل فيه الإهانة إلى التشكيك في الأخلاق والنعت بكلمات غير لائقة.
ولكونها تدخل من خلال حساب خاص باسمها، تخشى ناديا أن يرى أحد من عائلتها او صديقاتها أي نوع من الإساءة لها، كون بعض الردود تحمل إساءة لفظية للشخص نفسه ولعائلته أحياناً، وربما معتقده، لذا تبتعد نادبا عن الحوار الممتد، الذي يحميها من التنمر والإساءة من قِبل الآخرين.
هذا الأمر ينطبق كذلك على المساحة التعبيرية على مواقع التواصل التي لم تعد عالما افتراضيا بقدر ما هي محرك ومؤثر رئيسي، بحسب جريبيع، الذي يرجع السبب كذلك إلى أن التنشئة لها دور كبير “العيب والحرام والممنوع”، التي تقف عائقاً في إفساح المجال للفرد للتعبير عن رأيه، وينطبق كذلك على سوء الفهم في تفسير آرائهم لبعض القضايا.
هذه الحالة من الخوف من التعبير عن الرأي خوفاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تخلق “أشخاصاً مأزومين”، كما يصفهم جريبيع، والتي ينتج عنها حالة من التعبير عن الرأي بطريقة عنيفة و”فجة”، خاصة في القضايا التي يوجد فيها عدة آراء متناقضة، وقد يؤدي كذلك إلى وجود فئة “محايدة” تخشى التعبير عن رأيها خوفاً من الصنف العنيف والمُتنمر.
ويؤكد جريبيع ان الحياد، هو أمر غير جيد بالنسبة للمختصين والمراقبين، كونهم بحاجة إلى تشكيل رأي عام على قضية ما، سواء سلبية أو إيجابية، خاصة عندما يكون هذا الرأي انطلاقا من “التشابك الإيجابي”، على حد تعبير جريبيع. ويردف جريبيع بالقول إلى أن نسبة من المجتمع لم تصل إلى مرحلة النضوج والثقة بالنفس وتقدير الذات للتعبير عن الرأي بشكل مباشر، من دون التفكير في نظرة الآخرين لذلك تبقى بالمنطقة الرمادية، مشددا على أن المجتمع بحاجة الى الكثير من التعليم وإعادة النظر بالتنشئة الاجتماعية وتعليم الأبناء التعبير من دون تجريح.
الأخصائي والاستشاري النفسي الدكتور رأفت شهير يتحدث عن ظاهرة الحياد والتردد في التعبير عن الآراء، بأنها تدخل ضمن سياق علم النفس الاجتماعي، وهناك الكثير ممن يدافعون عن قضايا معينة حتى وإن كانت جدلية ويتحدثون عنها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهناك عدة محددات تجعل الفرد يتجنب فيها التعبير عن مشاعره وآرائه حتى لا يتعرض للإساءة النفسية.
ويبين شهير أن عدم تلاؤم بعض الأفكار مع منظومتنا الطبيعية قد يكون سبباً بتجنب التواجه في الأفكار، والخوف، إذ يتفق مع جريبيع على ان الهوية الاجتماعية والتي فيها نمطية ورأي موحد، وتجعل الإنسان يتساءل “لماذا انا هنا في هذا المجتمع الذي قد يختلف عن آرائي”، لذا يخشى الدفاع عن القضايا الجدلية لوجود تركيبات اجتماعية وثقافية. ويبين شهير أن الأفراد مهما كان توجههم لا يخرجون خارج الجماعة التي ينتمون إليها، ومن يخالفهم في الرأي في أفكارهم هم لهم كذلك جماعة، وهي التي تحدد افكارهم وتوجهاتهم.
هذه الجماعات على اختلافها، هي من تفرض على الفرد قيودها في طرح الآراء والأفكار، بل ان الفرد نفسه يقبل ان يكون ضمن المجتمع الذي يحكمه بالأفكار والتوجهات. ويضيف “نحن كبشر نحب أن ننظر لأنفسنا أننا إيجابيون ونخشى نظرة الجماعة لنا لذلك لا نخالفهم الرأي، ونحرص على الظهور بشكل مثالي وهو ما نشاهده عبر التعبير عن الرأي والدفاع عنه في الواقع الافتراضي لتحقيق الهوية الاجتماعية”.
وعن التعصب الاجتماعي الذي قد يمنع الإنسان من التعبير عن نفسه، يرى شهير أنه نوع من أنواع الأمراض الموجودة وسببه اضطرابات داخلية نفسية، وكلما كان الإنسان قريب من المجموعة التي ينتمي لها، وحازت تعليقاته واراؤه على إعجاب الناس يكون راضيا عنه نفسه، كما أن التصنيف المُسبق الجاهز يؤدي إلى أمر غاية في الخطورة كونه يؤدي إلى التعميم في الحكم على الآخرين، ولا يقبل الفرد فيها نقاشا أو حوارا أو رأيا آخر.
هذا التردد الذي سببه التنمر، كما يرى شهير، يخرج من إنسان يعاني من مشاكل نفسية قد يكون ضمن مجموعة لديها أفكار نمطية وتصنيف ذات وهوية مجتمعية وكل من يتعرض لهذه المجموعة كأنه تعرض له شخصيا ويعتقد أن من حقه ان يدافع عن ذاته ومجتمعه، وتدفعه لإخراج الأفكار المكبوتة بالتنمر أو التعصب ضد الآخرين.
كما أن “عدم القدرة على التعبير أحيانا قد يؤدي إلى حدوث التنمر فيما أن الاتصال المباشر بين الجماعات قد يؤدي إلى تقليل التعصب الوجداني، كما يبين شهير أن الخوف والتوتر الشديدين قد يؤديان إلى العدوان اللفظي الجارح، خاصة اذا أدى لمشاكل أسرية وتعرض الشخص للعنف من أسرته.