عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    01-Aug-2020

الكاظمي: وعود لم تحقق - مزهر جبر الساعدي

 

القدس العربي - رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، يكاد يكون الوحيد من بين جميع من سبقوه، أحيط به وبشخصيته ومرجعيته، الكثير من الشكوك والتأويلات والأسئلة، وعن ارتباطاته الإقليمية والدولية، فمن كانوا قبله على رأس السلطة، واضحي المرجعية والانتماء. وقد هلل قسم كبير من العراقيين لوجوده على رأس حكومة ستقوم بإجراء إصلاحات، حتى أن البعض ذهب إلى أبعد في الاعتقاد بأن الإصلاحات لن تكون سطحية، بل بنيوية وجذرية، وبأنهاء مرحلة اللادولة، وحصر السلاح بيد الدولة.
في الوقت ذاته اعتبره آخرون رجل أمريكا في العراق، وأنه سينفذ أجندة امريكا، وذلك بمحاربة الوجود الإيراني فيه. الكاظمي من جهته وفي كل مناسبة وبدونها كان يؤكد على أن من أهم مهماته، هو استعادة هيبة الدولة وحصر السلاح بيدها، إضافة إلى إعادة الحياة إلى الصناعة والزراعة، لتوفير فرص العمل للعاطلين، والتهيئة للانتخابات المبكرة.
على هذا المسار، وضع الفريق الأول الركن عبد الوهاب الساعدي، على رأس جهاز مكافحة الإرهاب، وكان السيد عادل عبد المهدي رئيس الوزراء السابق، الذي استقال لاحقا بضغط الشارع العراقي المنتفض، بتهمة تردده على السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء، قد أقال الساعدي من منصبه. كما عيِنَ قاسم الأعرجي من كتلة الفتح على رأس مركز الأمن الوطني، إضافة إلى عبد الغني الأسدي، وقام بالسيطرة على المنافذ الحدودية، وهي عملية مهمة بل مهمة جدا، لكنها لم تكتمل بعد، وربما لا تكتمل لأسباب قد تكون خارج قدرته وإمكانياته. الكاظمي براغماتي يحاول الإمساك بعصى السلطة من المنتصف، فهو لا يريد إغضاب أصحاب القرار الفعلي، من ذوي التأثير المنتج للفعل على صعيد الواقع، ومن الجهة الثانية، يؤكد بالأقوال التي تداعب رغبات وهموم الناس، على أنه سوف يقوم بالإجراءات التي تلبي طموح الشعب بالتغيير نحو حياة أفضل، من قبيل استعادة هيبة الدولة والقضاء على اللادولة، إلى إعادة الحياة إلى الصناعة والزراعة، إلى التهيئة للانتخابات المبكرة، إلى محاسبة قتلة المتظاهرين. الكاظمي حتى الآن، لم يقم بأي إجراء فعال على طريق الأهداف سابقة الذكر، ونقصد هنا الإجراءات الحاسمة والفعالة، بقدرة وكفاءة عاليتين، تثبت وجودها في مسار الأحداث، التي تقود إلى إحداث تحول جدي وجذري، على طريق الإصلاح، بل العكس تماما، هو الصحيح، فقد بدأ يتراجع لاحقا عن كل إجراء يقوم به بتخريج سياسي يغطي على هذا التراجع، أو إجراء يبدو جديدا على طريق الإصلاح، بينما الحقيقة غير هذا الطريق تماما، تغيير مسؤولي مركز الأمن الوطني مثلا.
 
من الواضح أن إيران قبلت بالكاظمي على مضض بفعل قربه من دوائر صناعة القرار في الولايات المتحدة
 
من الواضح أن إيران قبلت بالكاظمي على مضض بفعل قربه من دوائر صناعة القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، لكنها وفي الوقت ذاته، تعرف أنها قادرة على تطويعه بدرجة أو بأخرى، لاحقا تبين أن وجوده على رأس الحكومة، ذو فائدة لها، بعد أن اتضحت لها طريقته في الإدارة، ووقوفه على مسافة قريبة منها.. مع قربه الواضح والمعلن من الإدارة الأمريكية. الإيرانيون يديرون مفاوضات سرية مع الولايات المتحدة، المفاوضات، ينفيها الجانبان، الإيراني والأمريكي، لكنها حاصلة فعلا، وهذا النفي لا يغير من حقيقة الأمر شيئا، عبر وسطاء من سلطنة عُمان أو غيرها، وحتى الكاظمي نفسه، كحامل رسائل من الجانبين لبعضهما بعضا. إن ما يؤكدها، هو هذا الهدوء في العلاقة بينهما، بالإضافة إلى تبادل السجناء بين الجانبين في الأشهر الماضية، على الرغم من التفجيرات الأخيرة التي حدثت في إيران، فهي، أي هذه التفجيرات، لا تنفيها بل تؤكدها، وهذه التفجيرات رسائل ضغط، تدخل في صلب المفاوضات، التي ستستمر لفترة طويلة من دون التوصل إلى قاعدة مشتركة تنتج الحل، إلا بعد الانتخابات الأمريكية التي يعول الإيرانيون على نتيجتها كثيرا، لذا يلعبون بالوقت بدراية وحنكة مشهود لهم فيهما. الكاظمي الذي زار يوم الثلاثاء الماضي إيران، التقى بالمرشد الإيراني، ووزير المالية، قبل أن يلتقي لاحقا بالرئيس روحاني. الناطق باسم الرئاسة الإيرانية، أكد على أن زيارة الكاظمي مهمة في إيجاد منطقة آمنة ومحاربة الإرهاب.. في خضم تدافع الأحداث في المنطقة والعالم، يُبرز قادة إيران، حدة صراعهم مع الولايات المتحدة الأمريكية، بتأكيدهم على أنهم قادرون على كسر الإرادة الأمريكية، وإجبار الأخيرة على الاعتراف بدورهم الإقليمي في المنطقة.
المرشد الإيراني وفي لقائه مع الكاظمي، أكد للأخير، أن إيران ستوجه ضربة قوية للولايات المتحدة. الإيرانيون يحرصون أشد الحرص على استدامة العلاقة مع العراق وبالذات العلاقات الاقتصادية والتجارية معه التي تصل تقريبا، إلى عشرين مليار دولار سنويا، جميعها لصالح إيران، فالعراق لا يصدر إلى إيران أي شيء، وفي اللقاء الصحافي مع الكاظمي، أكد روحاني على أهمية العلاقات التجارية بين إيران والعراق.
من اللافت وقبل اكثر من سنتين من الآن، كان المرشد الإيراني، وفي لقاء له مع الزعامة الإيرانية، قال لهم موضحا وموجها، لقد نجحنا في الجانب السياسي والعسكري في العراق، لكننا لم نحقق المستوى ذاته من النجاح في الجانب الاقتصادي والتجاري، في حينها كانت قد بدأت في التو، العقوبات الأمريكية على إيران بعد انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الصفقة النووية. في السياق نفسه بحث الجانبان في زيارة الكاظمي لإيران، العملة التي ستدفع كأثمان للبضائع الإيرانية الموردة للعراق، الجانب الإيراني يريد أن تكون على الأقل نصفها بالعملة الصعبة، أي بالدولار. لذا يعتبر العراق بمثابة الأوكسجين، يتنفس به الاقتصاد الإيراني في ظل العقوبات الأمريكية الخانقة له في الوقت الحاضر.
يبقى السؤال المهم هنا، بل الأكثر أهمية من جميع ما تمت الإشارة له في أعلاه، هو الوجود الامريكي طويل الأجل في العراق، هل يكون موضوع مقايضة على مائدة المساومات؟ نترك الإجابة لما ستتمخض عنها زيارة الكاظمي لواشنطن في المقبل من الايام..
كاتب عراقي