الدستور - مسجد بني أمية الكبير بدمشق، ذاكرة أمة، ومنبع نور، وتراث وفكر وحضارة وعلم وهدى، كان ولا يزال يقوم بوظيفته العلمية والحضارية، شامخا على الرغم من مرور السنوات، بحرمه وأروقته وصحنه.
الأذان الجماعي بالجامع الأموي، من العلامات المميزة، ويعرف بأذان الجوق، ويبدأ بمقام راحة الأرواح (السيكا) وينتقل بين مقامي (البيات) و(الرصد) ويستقر على مقام (الحجاز) غاية في الروعة والإبداع والتفرد والتميز، حيث يقوم بأدائه مجموعة من كبار المنشدين، وهذا الأذان الذي نسمعه اليوم قد وضع قواعده الفقيه الحنفي العارف بالله الشيخ عبد الغني النابلسي، بهدف إيصال صوت الأذان إلى أبعد مسافة ممكنة.
مئذنة العروس، التي صنعها مهندسو الوليد بن عبد الملك، وبنيت في منتصف الحائط الشمالي، المواجه لقبة النّسر، تعد أقدم مئذنة إسلامية، ومثالا على تقدم علم العمارة عند المسلمين في العصر الأموي.
ونلاحظ النجمة السداسية الموجودة على مئذنة عيسى، وهي كنعانية الأصل، وموجودة على الدينار الذي صكه صلاح الدين الأيوبي، فهي من العمارة الإسلامية. وقد اختطفها الصهاينة في مؤتمر بازل باقتراح من حاخام اسمه داود، وسميت نجمة داود الحاخام، ثم ربطوها بسيدنا داود عليه السلام، ليزعموا أن النجمة السداسية حيث وجدت فهي إشارة إلى تاريخهم، وهذه الدعوى من المغالطات التاريخية القبيحة.
ومن خلال منبر هذا المسجد كانت تحدد السياسة العالمية، وتنطلق الجنود، وترتفع رايات الدولة الإسلامية حاملة الدعوة والرحمة للناس.
أما قبة النسر فهي قبة المسجد الأموي، التي ترتفع عن 45 مترا عن صحن المسجد، ويبلغ قطرها 16 مترا. وسبب تسميتها بقبة النسر أنها تشبه رأسه، وقيل غير ذلك. وتحت هذه القبة كانت تعقد مجالس العلم والحديث ولا زالت بحمد لله حتى تاريخ اليوم، وقد درس تحتها كثير من العلماء حتى كتب الشيخ جمال الدين القاسمي كتابا بعنوان (اللف والنشر في طبقات المدرسين تحت قبة النسر) وكنت ممن أكرمهم الله تعالى بحضور دروس الحديث الشريف تحت قبة النسر بإشراف شيخنا العلامة عبد الرزاق الحلبي رحمه الله تعالى، حيث حضرت دروسه في قراءة وبيان صحيح البخاري، وسنن الترمذي، والنسائي، والموطأ.
وقد اختار الإمام الغزالي المسجد الأموي لخلوته مع ربه، ومجاهدته لنفسه، وعبادته وذكره، وإصلاح حاله، والزاوية الغزالية معروفة في المسجد الأموي.
هذا غيض من فيض عن هذا المسجد العظيم، وهكذا هي المساجد، أماكن للعبادة والصلاح والإصلاح، وبناء الإنسان وحضارته.