عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    25-Feb-2019

”یوم الدین“... الواقعیة في السینما تجمل حیاة المنبوذین!

 المخرج أبو بكر شوقي لـ "الغد": الفیلم یحمل في طیاتھ بعدا إنسانیا عمیقا

 
إسراء الردایدة
عمان-الغد-  في فیلمھ الروائي الأول ”یوم الدین“، اختار المخرج المصري أبو بكر شوقي أن یحكي عن طبقة مھمشة منبوذة منسیة من المجتمع، وبنفس الوقت اختارھا لیعكس الطریقة التي ینظر
بھا الناس لبعضھم البعض، وكیف تكون السعادة خیارا برغم قلة مایملكھ الفرد، فالأمر یرتبطُ بالطریقة التي ینظر بھا للأشیاء.
أحداث الفیلم تدور حول رحلة على الطریق لرجل یدعى بیشاي (راضي جمال) في منتصف العمر، ترعرع داخل مستعمرة للمصابین بالجذام. وبعد وفاة زوجتھ المصابة ھى الأخرى بذات المرض، یغادر ھذه المستعمرة وینطلق برفقة صدیقھ النوبي أوباما (الطفل أحمد عبد الحافظ ) وحماره خلال رحلة عبر مصر في محاولة لمعاودة الاتصال بعائلتھ من جدید بھدف الوصول إلى قریتھ في محافظة قنا.
اختیار المخرج شوقي للحدیث عن مرضى الجذام والمستعمرة التي یسكنونھا، لم یأت من فراغ؛
كما قال في مقابلة خاصة لـ ”الغد“، بل یعود لعمل أنجزه قبل عشر سنوات حین قام بتنفیذ فیلم وثائقي بعنوان ”العودة“، وعاد لیكمل ما بدأه بعد ان اكتشف فیھ ما یجعلھ عملا سینمائیا یحمل في طیاتھ مغامرة ورحلة وبعدا إنسانیا.
لذلك جاء اختیار (راضي جمال) لیكون الممثل الرئیسي بحسب شوقي، والذي یتمیز بشخصیتھ
المرحة، فضلا عن كونھ حقیقیا، ویمتلك طاقة كبیرة ویفھم القصة ویجسد الحالة بذات الوقت.
ممثلون غیر محترفین لبعد واقعي
مؤخرا تشھد السینما العربیة ارتباطا كبیرا في السینما الواقعیة، من خلال الاعتماد على ممثلین غیر محترفین ما یشكل في أغلب الاحیان تحدیا كبیرا للمخرج وحتى یستھلك جزءا من میزانیة الفیلم. وفي ”یوم الدین“ اختار شوقي الممثل بدور بیشاي، ومنح الفیلم بعدا انسانیا سیما وانھ مستوحى من قصة حقیقیة ابطالھا حقیقیون.
بیشاي خضع بحسب شوقي، لورش تدریب في التمثیل لفترة لاتقل عن اربعة شھور، جعلتھ قادرا على التعامل مع الكامیرا وسیناریو الفیلم واضاف الكثیر لھ.
وھو لیس الفیلم الوحید فھنالك فیلم المخرج الأردني ناجي ابو نوار ”ذیب“ الذي اختار ایضا ممثلیھ من المنطقة التي صور بھا الفیلم واستغرق ذلك ستة شھور لیدربھم على التمثیل والتعامل مع الكامیرا، وفھم النص والتفاصیل الاخرى قبل ان یبدأ التصویر، وفیلم ”كفر ناحوم“ كذلك، لمخرجتھ اللبنانیة نادین لبكي، إذ كان البطل لاجئا سوریا ھو زین.
عنصر التمثیل أھم العناصر الفنیة في الفیلم، وھنا في یوم الدین تعامل شوقي مع عدید منھم ھم
أسامة عبد الله الشھیر ومحمد عبد العظیم، وشھاب إبراھیم.
شخصیة البطل بیشاي في ”یوم الدین“ الذي یعاني من الجذام وتعافى منھ، بقى یعاني من الندوب، وھذا ما أضاف لحضوره على الشاشة عمقا وواقعیة، وخرج بمستوى عال نظرا لأن الفیلم یعتمد علیھ بشكل كبیر على عنصر ”دراما الشخصیة“.
رحلة بصریة
ینتمي الفیلم لنوع ”أفلام الطریق“، كونھ یتناول رحلة بحث بیشاي عن أھلھ وانتقالھ من مكان لآخر، وھنا في ”یوم الدین“ تعددت الطرق والتي سلكھا البطل وحتى الوسیلة.
التجربة البصریة ھنا ارتبطت بالمواقع التي صور بھا الفیلم، بالتفاصیل التي حملت مشاھد بیشاي وھو یجر عربتھ بجانب نھر النیل، بالحیاة الریفیة البسیطة وبذات الوقت في النظرة التي یوجھھا الناس لمن ھم مثلھ.
نظرة لا تخلو من الخوف وعدم الفھم بدءا من قرار والد بیشاي بتركھ على باب المستمعرة وھو
صغیر وصولا للطریقة التي ینظر بھا الناس لوجھھ، نظرات الخوف وحتى الاشمئزاز أحیانا، فھنا الثقافة الشعبیة التي تكونت عن مرض الجذام وعدم فھم تفاصیلھ بانھ بعد الشفاء منھ لا یعود معدیا لكن ندوبھ غیر قابلة للعلاج.
المحیط الذي انطلق من المشھد الافتتاحي لبیشاي في مكب للنفایات على حافة الصحراء بالقرب
من المستعمرة التي یعیش بھا؛ یبرز العزلة التي یعیشھا من ھم مثلھ، او مختلفون عن البقیة، وصولا للخطاب نفسھ في الجمل الحورایة الذي كتب السیناریو لھ أیضا ابو بكر شوقي، فكانت تدلل بمعناھا بأن من ھم مثل بیشاي ”مختلفون“ ومریضون وأقل شأنا.
ویبین شوقي أن التقاط واقع الحیاة التي یعیشیھا بیشاي، وتحویلھا لفیلم لم یكن بالأمر السھل بل
استغرق تطویره فترة زمنیة طویلة إلا أنھ استحق العناء، وبات الیوم بیشاي شخصیة منفتحة ومحبوبة یدیر عملا خاصا بھ، كما وسافر لعدة دول عربیة وكون صداقات مع الجمیع.
وھنا الفیلم یرتبط بشكل أكبر بالعلاقة الأبویة التي نشأت بین بیشاي والطفل أوباما في رحلتھما للبحث عن ذاتھما التي عثرا علیھا في المستعمرة ومع بعضھما بعیدا عن العالم الخارجي.
وان لم یخل الفیلم من لحظات میلودرامیة كما في مشاھد ركوبھما في عربة القطار، واخرى في خوف بیشاي من مواجھة اھلھ والحوار الذي كاد یخلو من المشاعر عندما التقى بأخیھ، فالواقعیة ھنا ارتبطت بانطباعات واحلام بیشاي بأن یجد ترحیبا من أھلھ وینتمي الیھم، لكن الواقع الحقیقي اصعب من ذلك بكثیر وربما أكثر قساوة أیضا.
وعن التحدیات في صنع مثل ھذا النوع من الأفلام لفت شوقي إلى أن العمل استغرق وقتا في التصویر للحصول على تمویل سیما وأنھ فیلمھ الأول، والقصة بحد ذاتھا لم تكن سھلة، ولكنھا جریئة، فھو فیلم ینتمي لأفلام الطریق وایضا فیلم اجنبي (غیر ناطق بالانجلیزیة).
”یوم الدین“ الذي عرض في عمان بتنظیم من استدیوھات ابو لغد والھیئة الملكیة للأفلام وفیلم كلینك، یحمل رؤیة بصریة فنیة للمشاھد الباحث عن السینما غیر التقلیدیة، وھو ما جعلھ ینال جوائز عالمیة بدءا جائزة ”فرانسوا شالیھ“ للأعمال التي تكرس قیم الحیاة والصحافة بمھرجان كان السینمائي الدولي في دورتھ الـ 71 ، وجائزة ”سینما من أجل الإنسانیة“ وافضل فیلم عربي في الجونة، فضلا عن التانیت الفضي في ایام قرطاج السینمائیة.
تركیز شوقي كان أكبر على المشاھد التي تثیر العواطف بین الأشخاص، بشاعریة وانسانیة تمتزج فیھا مفاھیم الصداقة من جھة وتعاطف مؤلف الفیلم ابو بكر شوقي مع البطل، فالكامیرا دائما تقف قریبة من بیشاي وملامحھ القاسیة التي جعلت البعض یلقبونھ ب ”الوحش“، وطریقة امساكھ للأشیاء، فھو شخصیة قویة تحدت وضعھا وثابرت لتعیش.
الصورة في ”یوم الدین ھي الوسیلة واللغة الأبلغ بعیدا عن الحوار في رسم تفاصیل الرحلة، مسلطة الضوء على محیط المدن والقرى المصریة بجمالھا وقساوتھا، لیقطع بیشاي الطریق من الشمال للج؛نوب بحثا عن منزل لم ینتم إلیھ قط. المخرج أبو بكر شوقي – ا ف ب