سيناريو احتلال غزة.. هو الأخطر*نادية سعدالدين
الغد
رغم أنه احتمالٌ مستبعد التوقع؛ إلا أن ادّعاء الكيان الصهيوني بالاستعداد لاحتلال قطاع غزة بالكامل، وتنفيذ أهدافه التي فشل في تحقيقها طوال أشهر حرب الإبادة الجماعية، منذ 7 أكتوبر 2023، بالقضاء على حركة «حماس» ونزع سلاحها وإنهاء وجود المقاومة الفلسطينية، يعد السيناريو الأكثر قتامة.
ولأن «بنيامين نتنياهو» يدرك خطورة خروجه مهزوماً بلا شيء، لمستقبله السياسي وللشارع الداخلي ولمكانة الكيان الصهيوني في المنطقة، فإنه قد يجازف بخيار عودة احتلال القطاع بالكامل أسوة بالفترة من العام 1967 حتى 2005 حينما انسحب الاحتلال منه مُجبراً إثر ضربات المقاومة الموجعة، بما يجعل عودته محفوفة بمخاطر تعزيزها مجدداً وحدوث الانقسامات الداخلية الصهيونية على خلفية التكلفة العالية المرجح أن يتحملها حال توليه إدارة القطاع.
كما ستظهر أمامه معضلة ارتهان تحقيق أهدافه بالحرب الطويلة الأمد، في ظل صمود الشعب الفلسطيني وصلابة المقاومة، وإزاء تحدياتها الوازنة لجهة إنهاك اقتصاد الاحتلال واستنزافه، وكلفتها الكبيرة ليس للاحتلال فقط، بل لمكانة أميركا ونفوذها بالمنطقة، وتأجيج الغضب العربي والعالمي بدرجة أكبر، وفتح جبهات الإسناد المتعددة مرة أخرى بشكل أكثر اتسّاعاً لنصرة قطاع غزة.
ومع ذلك؛ فإن هذا السيناريو الخطير سيؤدي إلى؛
أولاً: سيعمل «نتنياهو» على الاحتفاء بخروجه من الحرب منتصراً للتغطية على ما فشل في تحقيقه سابقاً، وستتم ترجمة ذلك لجهة تشديد قبضة اليمين الصهيوني المتطرف على مقاليد الحكم داخل الكيان المحتل في الانتخابات المقبلة.
ثانياً: اشتداد خطر مخطط تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه ووطنه، ليس فقط في قطاع غزة، وإنما في الضفة الغربية أيضاً.
ثالثاً: سيفرض الاحتلال شروطه في أي عملية سياسية قد يتم إحياؤها، ولن يقبل بدولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، مقابل العمل بشكل متسارع على تنفيذ بنود «صفقة القرن» بالقوة، وذلك بضم غور الأردن والمستوطنات في الضفة الغربية، التي تستحوذ على أكثر من 43 % من أراضي الضفة الغربية، للكيان الصهيوني، وإقامة حكم ذاتي فلسطيني ضمن «كنتونات» جغرافية غير متصلة، معني بالشؤون الحياتية والمدنية للسكان، من دون الأمن الموكول للاحتلال، مع الشروع بسياسة التهجير القسري التدريجي.
وقد يقود ذلك لإضعاف أي فرصة لاندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة في الضفة الغربية، والذهاب إلى الخطة الأهم لدى اليمين الصهيوني المتطرف بالتقسيمين الزماني والمكاني للمسجد الأقصى المبارك وتسريع خطة سيطرته وتهويد مدينة القدس المحتلة.
رابعاً: قد يكون تسليم غزة للسلطة الفلسطينية الخيار المريح في الغالب بالنسبة للاحتلال، وهناك إمكانية للبحث في خيارات سياسية من دون أن تملك إمكانية النجاح، وفي هذه الحالة، قد يُعوّل الكيان المحتل على تغيير «حماس»؛ حيث قد تتكيف مع الوضع الجديد، ويمكن أن تكون لاعباً مهماً يؤثر في القرار الفلسطيني والمؤسسة الفلسطينية لكن من خارجها؛ أي تشارك في تشكيل الحكومة من دون أن تمثل فيها مباشرة؛ لأن اشتراكها سيمنع أو يحد من إمكانية إعادة الإعمار، أو الأصح إعادة بناء مساحات كبيرة تم تدميرها بالكامل، وفق المنظور الصهيوني.
خامساً: إن تحقق هذا السيناريو سيؤدي إلى تراجع نفوذ إيران و»محور الممانعة» معها، وتمدد نفوذ الولايات المتحدة بالمنطقة، بما سيعطي الكيان الصهيوني أدواراً إقليمية أكبر، أقلها أن يكون ضابط الإيقاع في المنطقة، فضلاً عن تمدد نفوذ تركيا، وتقدم عجلة التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني.
إن مرحلة «ما بعد» حرب غزة ليست كما قبلها، وستترك تأثيراتها الوازنة في المشهد الفلسطيني الداخلي، بكل مكونات وقوى الشعب الفلسطيني ومؤسساته الوطنية، والذي بيده تقرير مصيره من خلال الوحدة والتوافق الوطني، لمجابهة الخطط الصهيونية الأميركية التي تستهدف النيل من الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة.