هآرتس
إن من يقصف بيوت من طائرة في منتصف الليل دون فحص من يوجد فيها هو مجرم حرب. ومن يقول إنه لم يكن ينوي قتل تسعة اشخاص من ابناء عائلة السواركة يحاول التضليل وغسل يديه من هذه الجريمة: يده غير نظيفة، هي ملطخة بدماء الأبرياء. ربما لم يتعمد قتل تسعة اشخاص اثناء نومهم، من بينهم خمسة اولاد وطفلان. ولكن هو بالتأكيد لم يبذل كل ما في وسعه لعدم المس بهم. إن أي مبرر لن يجدي هنا مع الجيش الاسرائيلي ولن يفيد الاستخبارات، وبالطبع الطيارين في سلاح الجو.
ايضا التصريح الوقح لقائد المنطقة الجنوبية، هرتسي هليفي، هو نموذج على الانغلاق وفقدان الانسانية. “هذه الامور يمكن أن تحدث”، قال بسذاجة وكأنه يقلد مقولة دان حلوتس “ضربة خفيفة في الجناح”. لا توجد أي كلمة عن الشعور بالذنب. ولا توجد أي جملة عن الندم. ولا أي تحمل للمسؤولية أو أي اعتذار. عن التعويض ايضا لا يوجد ما يقال. لماذا؟ من الذي مات؟ الجيش الاسرائيلي هو الجيش الاكثر اخلاقية في العالم وحماس والجهاد الاسلامي هي تنظيمات. ومن يقوم بقتل تسعة مدنيين أبرياء اثناء نومهم ما هو بالتحديد؟.
ما الذي يجب أن يحدث ايضا من اجل أن يبدأ الاسرائيليون في فهم أن الجيش الاسرائيلي المحبب عليهم هو جيش قاس فقد الانضباط. وأن غزة ليست بنكا للاهداف. وأن الجيش الذي يخترع مطلوبا وهميا من اجل تبرير قتل عائلة هو جيش مصاب بالمرض. وأنه لا يمكن مهاجمة غزة بالطائرات دون قتل ابرياء. وأنه لا يوجد في غزة المكتظة أي مكان غير مأهول بالمدنيين. وأنه لا يوجد فيها أي ملجأ للنجاة، سواء جيش أحمر أو قبة حديدية. وأن غزة ليست وكر مجانين وقواعد ارهابيين. غزة هي قبل أي شيء البيت المكتظ بشكل فظيع، الذي يعيش فيه بؤساء الاحتلال الاسرائيلي الذي لم ينته فيها في أي يوم. اللاجئون من الجيل الرابع والخامس بصنع ايدي اسرائيل، الذين حبستهم قبل 13 سنة في القفص الاكبر في العالم وهي تتوقع منهم الجلوس بهدوء. أن يستسلموا ويرشوا الأرز على الطائرات التي تقصفهم وعلى الجدار الذي يحبسهم.
إن الاكتشافات التي تقض مضاجع ينيف كوفوفيتش الآن تنضم الى ما كشفته “هآرتس” في 15 الشهر الحالي وترسم الصورة الكاملة لاحداث دير البلح: واقع مدهش لجيش يقوم بقصف اهداف دون فحصها، وبالاساس فحص من يوجد فيها. الآن الحديث لا يدور عن خطأ، بل يتبين الآن أن هذا روتين. لا يقومون بالفحص. انتبهوا للصيغة التي تثير القشعريرة في اقوال المتحدث بلسان الجيش “تجريم البيت”. وكأن البيت يمكن أن يتم تجريمه”. “سريان التجريم”، وكأن الامر يتعلق بتذكرة متعددة السفرات. وبالطبع “بنك الاهداف”. من ينظر الى مكان اصيب بكارثة “بنك اهداف”، لا يمكنه ألا يقتل اطفالا اثناء نومهم. الاستخبارات التي تعرف ما هو لون الملابس الداخلية لأي عالم ذرة ايراني في بوردو، لا يمكنها معرفة ماذا يوجد في كوخ من الصفيح في دير البلح قبل قصفه؟ هذا بالطبع مخجل. لو أن الجيش أراد لكان يمكنه معرفة ماذا يوجد في الكوخ بالضبط، في كوخ الصفيح البائس. ولكن هذا ببساطة لم يكن أمر مهم بما فيه الكفاية بالنسبة للجيش. في البداية يقصفون وبعد ذلك يفحصون. قنبلة “جي.دي.إي.ام” من طائرة بطريقة “اطلق وانس”.
صحيح أن هذا تبين أنه حادث منسي وغير مهم ولا يعني أحد. اغلبية الاسرائيليين لم يسمعوا عما حدث باسمهم في دير البلح. فهذا ايضا لا يهمهم ولا يعنيهم. وباستثناء “هآرتس” وسائل الاعلام الاسرائيلية تقريبا لم تكتب عما حدث في اليوم التالي للهجوم (يوم الخميس في الساعة الواحدة والنصف فجرا). قراء “اسرائيل اليوم” لم يسمعوا أن الجيش قتل تسعة اشخاص. وقراء “يديعوت احرونوت” كان يجب أن يبذلوا الجهود من اجل العثور على الخبر. هذه المذبحة لا تستحق أن تكون في العناوين الرئيسية في صحيفة الدولة السابقة. في الواقع، المراسلون العسكريون ايضا، الذين هم في معظمهم من اسوأ المراسلين في اسرائيل كانوا منشغلين بوصف بطولة الجيش في القتال.
“هذا كان هدفا صغيرا، لم يكن على المدنيين التواجد فيه”، هكذا برر جهاز دعاية الجيش. ومرة اخرى العرب هم المذنبون في موتهم. هم لم يكن يجب عليهم التواجد هناك. أين سيكونون اذا؟ في البحر؟ في الجو؟. “نحن نتصرف بدقة”، قال قائد المنطقة وكأنه يعطي اسما سيئا للكذب. “حزام اسود” اطلقوا على العملية، لا مثيل لها في الجرأة، علم اسود يرفرف فوقها.
ما الذي سيحدث مع نريمان؟ من الذي تعنيه نريمان؟ نريمان السواركة هي طفلة اكواخ صفيح، عمرها عشر سنوات، لم يكن لها حاضر ولن يكون لها مستقبل ايضا. في ليلة 14 تشرين الثاني قتل طيارو سلاح الجو والدتها ووالدها واخوتها الثلاثة وعمها وعمتها واثنين من ابناء عمها الصغار. نريمان بقيت وحيدة في العالم. قائد المنطقة قال إن امورا كهذه يمكن أن تحدث. امور كهذه كان يجب أن تصل الى لاهاي.