عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    30-Nov-2021

أسطورة أن الأمم المتحدة خلقت إسرائيل*د. سمير مطاوع

 الراي 

لمن لا يتذكر تاريخ السابع والعشرين من شهر تشرين الثاني فإنه يصادف الذكرى الرابعة والسبعين لإصدار الأمم المتحدة قرارها المشؤوم رقم 181 الذي أوصى بتقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية فلسطينية ودولة يهودية. هنا تجدر الإشارة إلى أن القرار لم يقسم فلسطين ولم يمنح أي سلطة قانونية للصهاينة لإعلانهم من جانب واحد عن قيام دولة إسرائيل.
 
هناك اعتقاد شائع على نطاق واسع بأن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 «خلق» إسرائيل بناءً على فهم أن هذا القرار قسّم فلسطين أو منح السلطة القانونية أو الشرعية لإعلان وجود دولة إسرائيل. ومع ذلك، وعلى الرغم من ذلك فإن هذا الاعتقاد لا أساس له في الواقع كما أظهرت المراجعة التالية لتاريخ القرار وفحص المبادئ القانونية بشكل لا جدال فيه.
 
احتلت بريطانيا العظمى فلسطين خلال الحرب العالمية الأولى، وفي تموز 1922 أصدرت عصبة الأمم المنظمة الدولية التي أُنشئت بعد انتهاء الحرب قرار الانتداب على فلسطين والتي اعترفت بالحكومة البريطانية كقوة احتلال ومنحتها فعليا السلطة القانونية لإدارة الأراضي مؤقتًا. في 2 نيسان 1947 وفي سعيها للخروج من الصراع الذي نشب في فلسطين بين اليهود والعرب نتيجة قيام الحركة الصهيونية بإنشاء ما أسمي «وطن قومي للشعب اليهودي» في فلسطين، قدمت المملكة المتحدة رسالة إلى الأمم المتحدة طلبت فيها من الأمين العام «وضع قضية فلسطين على جدو? أعمال الجمعية العامة في دورتها السنوية العادية القادمة»، كما طلبت من الجمعية العامة تقديم توصيات بموجب المادة 10 من الميثاق بشأن حكومة فلسطين المستقبلية. ولهذه الغاية وفي 15 أيار اعتمدت الجمعية العامة القرار 106 الذي أنشأ لجنة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بفلسطين (UNSCOP) للتحقيق في «قضية فلسطين» من أجل «إعداد تقرير للجمعية العامة» بناءً على النتائج التي توصلت إليها و«تقديم المقترحات التي تراها مناسبة لحل مشكلة فلسطين».
 
في 3 أيلول أصدر مجلس الأمن الدولي تقريره إلى الجمعية العامة معلنا توصية اغلبية أعضاء المجلس بتقسيم فلسطين إلى دولتين منفصلتين يهودية وعربية. وأشارت إلى أن عدد سكان فلسطين في نهاية عام 1946 قُدِّر بنحو 1,846,000 نسمة، منهم 1,203,000 عربي (65٪) و608,000 يهودي (33٪). كان نمو السكان اليهود نتيجة للهجرة بشكل رئيسي في حين أن نمو السكان العرب كان «بالكامل تقريبا» بسبب الزيادة الطبيعية. ولاحظت أنه «لم يكن هناك فصل إقليمي واضح بين اليهود والعرب من خلال مناطق متجاورة واسعة». وحتى في منطقة يافا التي تضم تل أبيب كان ا?عرب يشكلون الأغلبية. وأظهرت إحصائيات ملكية الأراضي منذ عام 1945 أن العرب يمتلكون أراضي أكثر من اليهود في كل منطقة في فلسطين. وكانت المنطقة ذات أعلى نسبة ملكية يهودية هي يافا حيث امتلك يهود 39 في المئة من الأرض مقابل 57 في المئة يملكها عرب. في كل فلسطين في الوقت الذي أصدر فيه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تقريره ظل العرب «يمتلكون ما يقرب من 85 في المئة من الأرض» بينما كان اليهود يمتلكون أقل من 7 في المئة.
 
على الرغم من هذه الحقائق فإن اقتراح لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين (UNSCOP) كان أن تتكون الدولة العربية من 45,5٪ فقط من فلسطين بأكملها بينما سيتم منح اليهود 55,5٪ من المساحة الإجمالية لدولتهم. وقد اعترف تقرير اللجنة بذلك.
 
فيما يتعلق بمبدأ حق تقرير المصير وعلى الرغم من أن الاعتراف الدولي قد امتد إلى هذا المبدأ في نهاية الحرب العالمية الأولى وتم الالتزام به فيما يتعلق بالأراضي العربية الأخرى في وقت إنشاء الانتداب من فئة «أ» لم يتم تطبيقه على فلسطين. من الواضح بسبب النية لجعل إنشاء الوطن القومي اليهودي ممكنا هناك. في الواقع يمكن القول إن الوطن القومي اليهودي والانتداب الفريد من نوعه لفلسطين يتعارضان مع هذا المبدأ.
 
بعبارة أخرى، أقر التقرير صراحة أن حرمان الفلسطينيين من الاستقلال من أجل تحقيق هدف إقامة دولة يهودية يشكل رفضا لحق الأغلبية العربية في تقرير المصير. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا الاعتراف فقد قبلت اللجنة الخاصة (UNSCOP) هذا الرفض للحقوق العربية باعتباره ضمن حدود إطار شرعي ومعقول للحل.
 
بعد صدور تقرير لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين (UNSCOP) أصدرت المملكة المتحدة بيانًا أعلنت فيه موافقتها على توصيات التقرير، لكنها أضافت أنه «إذا أوصت الجمعية العامة بسياسة غير مقبولة لكل من اليهود والعرب فلن تشعر حكومة المملكة المتحدة بأنها قادرة على تنفيذ ذلك. كان موقف العرب واضحا منذ البداية، لكن الهيئة العربية العليا لفلسطين (التي كانت شبه حكومة لإدارة الشؤون المدنية والدينية للفلسطينيين) أصدرت بياناً في 29 أيلول أكدت فيه أن «عرب فلسطين مصممون بكل الوسائل المتاحة لهم على معارضة أي مخطط ينص على الفصل أو التقسيم أو من شأنه أن يمنح الأقلية وضعا خاصا وتفضيليا»? وبدلاً من ذلك، دعا البيان إلى الحرية والاستقلال وإقامة دولة عربية في كل فلسطين تحترم حقوق الإنسان والحريات الأساسية والمساواة بين جميع الأشخاص أمام القانون وتحمي الحقوق والمصالح المشروعة لجميع الأقليات مع ضمان حرية العبادة والوصول إلى الأماكن المقدسة.
 
ثم أصدرت المملكة المتحدة بياناً كررت فيه «أن حكومة جلالة الملك لا يمكنها أن تلعب دورا رئيسيا في تنفيذ مخطط غير مقبول لكل من العرب واليهود» لكنها أضافت مع ذلك «أنها لن تعمل على إعاقة تنفيذ» توصية وافقت عليها الجمعية العامة».
 
تم إنشاء اللجنة المؤقتة بشأن القضية الفلسطينية من قبل الجمعية العامة بعد وقت قصير من إصدار تقرير لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين من أجل مواصلة دراسة المشكلة وتقديم التوصيات. تم تشكيل لجنة فرعية منبثقة عنها مهمتها فحص القضايا القانونية المتعلقة بالوضع في فلسطين، وأصدرت تقريرا بالنتائج في 11 تشرين الثاني. ولاحظت أن التقرير قد قبل فرضية أساسية «بأن ادعاءات العرب واليهود بفلسطين على حد سواء لها صلاحية»، وهي «غير مدعومة بأي أسباب مقنعة وتتعارض بشكل واضح مع جميع الأدلة المتاحة». مع نهاية الانتداب والانسحاب الب?يطاني، «لم تعد توجد أي عقبة أخرى أمام تحويل فلسطين إلى دولة مستقلة»، والتي «ستكون تتويجا منطقيا لأهداف الانتداب» وميثاق عصبة الأمم. ووجدت اللجنة أن «الجمعية العامة ليست مختصة بالتوصية، ناهيك عن تطبيق أي حل بخلاف الاعتراف باستقلال فلسطين، وأن قيام حكومة فلسطين المستقبلية هي مسألة تخص شعب فلسطين فقط.
 
وخلصت اللجنة إلى أنه «لا يبدو أن أي مناقشة أخرى لمشكلة فلسطين ضرورية أو مناسبة، وينبغي شطب هذا البند من جدول أعمال الجمعية العامة»، ولكن إذا كان هناك خلاف حول هذه النقطة «فسيكون من الضروري الحصول على رأي استشاري من محكمة العدل الدولية حول هذه القضية»، كما كان قد طلب بالفعل من قبل العديد من الدول العربية. وخلصت كذلك إلى أن خطة التقسيم كانت «مخالفة لمبادئ الميثاق وليس للأمم المتحدة سلطة لتنفيذها. لم تستطع الأمم المتحدة حرمان غالبية شعب فلسطين من أراضيهم ونقلها إلى الاستخدام الحصري لأقلية في البلاد... كما أن ?نظمة الأمم المتحدة لا تملك سلطة إنشاء دولة جديدة. مثل هذا القرار لا يمكن اتخاذه إلا بالإرادة الحرة لشعوب المناطق المعنية. وهذا الشرط لم يتم الوفاء به في حالة اقتراح الأغلبية لأنه ينطوي على إقامة دولة يهودية في تجاهل تام لرغبات ومصالح عرب فلسطين.
 
ومع ذلك، أقرت الجمعية العامة القرار 181 في 29 تشرين الثاني بأغلبية 33 صوتًا مقابل 13 صوتًا ضده، وامتناع 10 أعضاء عن التصويت.
 
نص القرار المذكور على ما يلي:
 
إن الجمعية العامة:
 
توصي المملكة المتحدة بصفتها سلطة الانتداب على فلسطين وجميع أعضاء الأمم المتحدة الآخرين باعتماد وتنفيذ خطة التقسيم مع الاتحاد الاقتصادي المبينة أدناه فيما يتعلق بالحكومة المستقبلية لفلسطين؛
 
وتطلب ما يلي:
 
(أ) أن يتخذ مجلس الأمن الإجراء اللازم على النحو المنصوص عليه في الخطة من أجل تنفيذها؛
 
(ب) ينظر مجلس الأمن إذا اقتضت الظروف خلال الفترة الانتقالية مثل هذا النظر ما إذا كان الوضع في فلسطين يشكل تهديدا للسلم. إذا قرر وجود مثل هذا التهديد ومن أجل الحفاظ على السلم والأمن الدوليين ينبغي لمجلس الأمن أن يكمل الإذن الصادر عن الجمعية العامة من خلال اتخاذ تدابير بموجب المادتين 39 و41 من الميثاق لتمكين لجنة الأمم المتحدة على النحو المنصوص عليه في هذا القرار أن تمارس في فلسطين المهام الموكولة إليها بموجب هذا القرار.
 
(ج) يقرر مجلس الأمن وفقا للمادة 39 من الميثاق أن أي محاولة لتغيير التسوية المتوقعة في هذا القرار تمثل تهديدا للسلم أو خرقًا للسلام أو عملًا عدوانيًا؛
 
(د) إبلاغ مجلس الوصاية بالمسؤوليات المتوقعة له في هذه الخطة؛
 
يدعو سكان فلسطين إلى اتخاذ الخطوات اللازمة من جانبهم لتنفيذ هذه الخطة.
 
يناشد جميع الحكومات والشعوب الامتناع عن اتخاذ إجراءات من شأنها أن تعرقل أو تؤخر تنفيذ هذه التوصيات...
 
قراءة بسيطة للنص كافية لإظهار أن القرار لم يقسّم فلسطين أو يقدم أي أساس قانوني للقيام بذلك. لقد أوصت فقط بتنفيذ خطة التقسيم وطلبت من مجلس الأمن تناول الأمر من هناك. ودعت سكان فلسطين إلى قبول الخطة لكنهم بالتأكيد ليسوا ملزمين بالقيام بذلك.
 
خطة لم يتم تنفيذها:
 
وهكذا تم تناول هذه المسألة من قبل مجلس الأمن، حيث لاحظ مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة فارس الخوري، في 9 كانون الأول أن «الجمعية العامة ليست حكومة عالمية يمكنها إملاء الأوامر أو تقسيم الدول أو فرض الدساتير والقواعد واللوائح والمعاهدات المتعلقة بالأشخاص دون موافقتهم». عندما صرح الممثل السوفييتي أندريه غروميكو برأي حكومته المعارض بأن «قرار الجمعية العامة يجب أن ينفذ» من قبل مجلس الأمن، رد الخوري بالإشارة إلى ما يلي:
 
تحال بعض فقرات قرار الجمعية العامة المتعلقة بمجلس الأمن إلى المجلس، وهي الفقرات (أ) و(ب) و(ج) التي تحدد مهام مجلس الأمن في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. إن جميع أعضاء مجلس الأمن على دراية بوظائف المجلس المحددة بشكل جيد والمنصوص عليها بوضوح في ميثاق الأمم المتحدة. ولا أعتقد أن قرار الجمعية العامة يمكن أن يضيف أو يحذف من هذه الوظائف. ومن المعروف أن توصيات الجمعية العامة هي توصيات، والدول الأعضاء ليست ملزمة بالقوة بقبولها. يجوز للدول الأعضاء قبولها وقد لا تقبلها، وينطبق الشيء نفسه على مجلس الأمن.
 
في 6 شباط 1948 أبلغت اللجنة العربية العليا لفلسطين مرة أخرى الأمين العام للأمم المتحدة بموقفها بأن خطة التقسيم «تتعارض مع نص وروح ميثاق الأمم المتحدة». إن الأمم المتحدة «ليس لها ولاية قضائية على الأمر أو التوصية بتقسيم فلسطين. لا يوجد في الميثاق ما يبرر مثل هذه السلطة وبالتالي فإن التوصية بالتقسيم تعد تجاوزا للسلطة وبالتالي فهي لاغية وباطلة». بالإضافة إلى ذلك، لاحظت اللجنة العربية العليا أن: الوفود العربية قدمت مقترحات في اللجنة المخصصة لإحالة القضية القانونية برمتها إلى محكمة العدل الدولية للبت فيها.
 
لم تطرح المقترحات المذكورة للتصويت من قبل الرئيس في الجمعية العامة للأمم على اعتبار أن الأمم المتحدة هيئة دولية مكلفة بمهمة فرض السلام والعدالة في الشؤون الدولية. فكيف ستكون هناك أية ثقة في مثل هذه الهيئة إذا رفضت بشكل صريح وغير معقول إحالة مثل هذا النزاع إلى محكمة العدل الدولية؟
 
كما أعلنت اللجنة العربية العليا أن «عرب فلسطين لن يعترفوا أبدًا بصحة توصيات التقسيم أو سلطة الأمم المتحدة في تقديمها»، وسوف «يعتبرون أن أي محاولة من قبل اليهود أو أي قوة أو جماعة تملك صلاحيات إقامة دولة يهودية على الأراضي العربية باعتبار ذّلك عملا عدوانيا يُقاوم دفاعا عن النفس بالقوة».
 
في 16 شباط أصدرت لجنة فلسطين التابعة للأمم المتحدة التي كلفتها الجمعية العامة للتحضير لنقل السلطة من سلطة الانتداب إلى الحكومات التي ستخلفه بموجب خطة التقسيم، تقريرها الأول إلى مجلس الأمن. وخلصت على أساس الرفض العربي إلى أنها «تجد نفسها في مواجهة محاولة إفساد مقاصدها وإلغاء قرار الجمعية العمومية». ودعت مجلس الأمن إلى توفير قوة مسلحة «من شأنها وحدها أن تمكن المفوضية للاضطلاع بمسؤولياتها عند إنهاء الانتداب». أي في الواقع قررت لجنة فلسطين أنه يجب تنفيذ خطة التقسيم بالقوة ضد إرادة غالبية سكان فلسطين.
 
ردا على هذا الاقتراح قدمت كولومبيا مشروع قرار لمجلس الأمن يشير إلى أن ميثاق الأمم المتحدة «لا يأذن لمجلس الأمن بإنشاء قوات خاصة للأغراض التي حددتها لجنة الأمم المتحدة لفلسطين». وصرح مندوب الولايات المتحدة بالمثل في نفس الجلسة بأن:
 
مجلس الأمن مفوض في اتخاذ إجراءات حازمة في ما يتعلق بفلسطين لإزالة أي تهديد للسلم الدولي. إن ميثاق الأمم المتحدة لا يخول مجلس الأمن إنفاذ تسوية سياسية سواء أكان ذلك بناء على توصية من الجمعية العامة أو من مجلس الأمن نفسه. ما يعنيه هذا هو ما يلي: يمكن لمجلس الأمن بموجب الميثاق أن يتخذ إجراءات لمنع العدوان على فلسطين من الخارج. ويمكن لمجلس الأمن بهذه الصلاحيات نفسها أن يتخذ إجراءات لمنع تهديد السلم والأمن الدوليين من داخل فلسطين. لكن هذا العمل يجب أن يكون موجهاً فقط لصون السلم الدولي. وبعبارة أخرى فإن عمل مجلس?الأمن موجه لحفظ السلام وليس فرض التقسيم.
 
ومع ذلك قدمت الولايات المتحدة مسودة النص الخاصة بها بشكل أكثر غموضًا حيث وافقت على طلبات لجنة فلسطين «الخاضعة لسلطة مجلس الأمن بموجب الميثاق». واعترض فارس الخوري على مشروع القرار الأمريكي على أساس أنه «قبل قبول هذه الطلبات الثلاثة من واجبنا التأكد مما إذا كانت ضمن إطار مجلس الأمن أم لا على النحو المحدد في الميثاق. وإذا تبين أنها ليست كذلك، يجب أن نرفض قبولها». وأشار إلى بيان أوستن – مندوب الولايات المتحدة–الخاص بشأن الافتقار إلى سلطة مجلس الأمن قائلاً: «سيترتب على هذه الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن أي توص?ة بشأن تسوية سياسية لا يمكن تنفيذها إلا إذا قبلتها الأطراف المعنية طواعية ونفذتها». علاوة على ذلك فإن «خطة التقسيم نفسها تشكل تهديدًا للسلام ومرفوضة علانية من قبل كل من كان من المقرر تنفيذها على حسابهم».
 
أوضح أوستن بدوره القصد من المسودة الأميركية القائلة بقبولها للقرار 181 أنه لا يخضع لمحدودية عدم إمكانية استخدام القوة المسلحة لتنفيذه، لأن الميثاق يقصر استخدام قوة الأمم المتحدة صراحة على التهديدات والانتهاكات. السلام والعدوان فقط يؤثران على السلم الدولي. لذلك، يجب أن نفسر قرار الجمعية العامة على أنه يعني أن تدابير الأمم المتحدة لتنفيذ هذا القرار هي تدابير سلمية.
 
علاوة على ذلك أوضح أوستن أن المسودة الأميركية (للقرار) لا تصرح باستخدام الإنفاذ بموجب المادتين 39 و41 من الميثاق لتمكين مفوضية الأمم المتحدة من ممارسة الوظائف الموكلة إليها بموجب القرار في فلسطين، لأن الميثاق لا يخول الجمعية العامة أو مجلس الأمن فعل أي شيء من هذا القبيل.
 
عندما تبنى مجلس الأمن القرار في 5 آذار قام فقط بتدوين ملاحظة مفادها «بعد تلقيه قرار الجمعية العامة رقم 181» والتقرير الشهري الأول للجنة فلسطين قرر:
 
دعوة الأعضاء الدائمين في المجلس للتشاور وإبلاغ مجلس الأمن بالوضع في ما يتعلق بفلسطين وتقديم توصيات نتيجة لهذه المشاورات بشأن التوجيهات والتعليمات التي قد يقدمها المجلس بشكل مفيد إلى لجنة فلسطين بهدف تنفيذ قرار الجمعية العامة.
 
خلال مناقشات أخرى في مجلس الأمن حول كيفية المضي قدما لاحظ أوستن أنه أصبح «من الواضح أن مجلس الأمن غير مستعد للمضي قدمًا في الجهود المبذولة لتنفيذ هذه الخطة في الوضع الحالي». في الوقت نفسه كان من الواضح أن إعلان إنهاء المملكة المتحدة للانتداب في 15 أيار «سيؤدي، في ضوء المعلومات المتاحة الآن، إلى حالة من الفوضى والقتال العنيف وخسائر كبيرة في الأرواح في فلسطين». وقال إن الأمم المتحدة لا يمكنها السماح بذلك، ومجلس الأمن لديه المسؤولية والسلطة بموجب الميثاق للعمل على منع مثل هذا التهديد للسلام. ثم اقترحت الولايا? المتحدة أيضا إنشاء وصاية على فلسطين لإعطاء المزيد من الفرص لليهود والعرب للتوصل إلى اتفاق ريثما يتم عقد جلسة خاصة للجمعية العامة لهذا الغرض. وأضاف «نعتقد أن مجلس الأمن يجب أن يأمر لجنة فلسطين بتعليق جهودها لتنفيذ خطة التقسيم المقترحة».
 
ورد رئيس مجلس الأمن متحدثا بصفته ممثلا عن الصين قائلا: «لقد أُنشئت الأمم المتحدة بشكل رئيسي للحفاظ على السلام الدولي. وسيكون من المأساوي حقا أن تكون الأمم المتحدة سببا للحرب بينما تحاول إيجاد تسوية سياسية. لهذه الأسباب يؤيد وفدي المبادئ العامة لاقتراح وفد الولايات المتحدة». في اجتماع آخر لمجلس الأمن، ذكر المندوب الكندي أن خطة التقسيم تستند إلى عدد من الافتراضات المهمة»، أولها كان «من المفترض أن يتعاون الجانبان في فلسطين في وضع حيز التنفيذ لحل مشكلة فلسطين الذي أوصت به الجمعية العامة». بينما رفض المندوب الف?نسي الموافقة على اقتراح الولايات المتحدة أو رفضه ولاحظ أنه سيسمح بأي عدد من الحلول البديلة من خطة التقسيم بما في ذلك «دولة واحدة مع ضمانات كافية للأقليات». ثم قرأ ممثل الوكالة اليهودية لفلسطين بيانا يرفض رفضا قاطعا «أي خطة لإقامة نظام وصاية على فلسطين» الأمر الذي «يستلزم بالضرورة إنكار حق اليهود في الاستقلال الوطني».
 
وإدراكا منها لتفاقم الوضع في فلسطين، ورغبة منها في تجنب المزيد من النقاش، اقترحت الولايات المتحدة مشروع قرار آخر يدعو إلى هدنة بين الجماعات المسلحة اليهودية والعربية والتي أشار أوستن إلى أنها «لن تخل بمزاعم أي من المجموعتين» والتي لا تذكر الوصاية. تم اعتماد القرار باعتباره القرار 43 في 1 نيسان. كما تم تمرير القرار 44 في نفس اليوم الذي يطلب من «الأمين العام وفقًا للمادة 20 من ميثاق الأمم المتحدة عقد جلسة خاصة للجمعية العامة للنظر في مسألة حكومة فلسطين المستقبلية». كما كرر القرار 46 دعوة مجلس الأمن لوقف الأع?ال العدائية في فلسطين. وأنشأ القرار 48 «لجنة الهدنة» لتعزيز هدف تنفيذ قراراته الداعية إلى إنهاء العنف». في 14 أيار أعلنت القيادة الصهيونية من جانب واحد قيام دولة إسرائيل مستندة إلى قرار 181 باعتباره «اعترافا من الأمم المتحدة بحق الشعب اليهودي في إقامة دولته». وكما كان متوقعا، اندلعت الحرب.
 
سلطة الأمم المتحدة إزاء التقسيم:
 
يحدد الفصل 1 المادة 1 من ميثاق الأمم المتحدة أهدافه ومبادئه والتي تتمثل في «الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وتنمية العلاقات الودية بين الدول على أساس احترام مبدأ المساواة في الحقوق وتقرير المصير للشعوب، وتحقيق التعاون الدولي في مختلف القضايا وتعزيز وتشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع».
 
ترد وظائف وسلطات الجمعية العامة في الفصل الرابع في المواد من 10 إلى 17، وهي مكلفة بإجراء دراسات وتقديم توصيات لتعزيز التعاون الدولي وتطوير القانون الدولي وتلقي التقارير من مجلس الأمن والأجهزة الأخرى التابعة للأمم المتحدة، وكذلك النظر في ميزانية المنظمة والموافقة عليها. وهي مكلفة أيضا بأداء وظائف في ظل نظام الوصاية الدولي. وتقتصر سلطتها بخلاف ذلك على النظر في الأمور التي تدخل في نطاق الميثاق ومناقشتها وتقديم توصيات إلى الدول الأعضاء أو مجلس الأمن أو لفت انتباه مجلس الأمن إلى هذه الأمور.
 
كما تحدد المواد من 24 إلى 26 من الفصل الخامس وظائف وسلطات مجلس الأمن. وهي الحفاظ على السلام والأمن وفقًا لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة. والسلطات المحددة الممنوحة لمجلس الأمن مذكورة في الفصول السادس والسابع والثامن والثاني عشر. بموجب الفصل السادس، يجوز لمجلس الأمن أن يدعو الأطراف إلى تسوية النزاعات بالوسائل السلمية، والتحقيق والبت في ما إذا كان النزاع أو الوضع يشكل تهديدًا للسلام والأمن. وقد يوصي بإجراءات مناسبة لحل النزاعات، مع الأخذ في الاعتبار أن «النزاعات القانونية ينبغي كقاعدة عامة أن يحيلها الأطراف إلى ?حكمة العدل الدولية». وبموجب الفصل السابع يجوز لمجلس الأمن تحديد وجود تهديد للسلام وتقديم توصيات أو تحديد التدابير التي يتعين اتخاذها للحفاظ على السلام والأمن أو استعادتهما. وله أن يدعو الأطراف المعنية إلى اتخاذ تدابير مؤقتة «دون المساس بحقوق أو مطالبات أو مواقف الأطراف المعنية. وقد تدعو الدول الأعضاء إلى استخدام «تدابير لا تنطوي على استخدام القوة المسلحة لتطبيق مثل هذه التدابير. وإذا كانت هذه التدابير غير كافية، فقد تسمح باستخدام القوات المسلحة لحفظ أو استعادة السلم والأمن الدوليين». وينص الفصل الثامن على ?ن مجلس الأمن «يجب أن يشجع تطوير التسويات السلمية للنزاعات المحلية من خلال الترتيبات أو الوكالات الإقليمية ويستخدمها لفرض الإجراءات الواقعة تحت سلطته».
 
يتم سرد وظائف وصلاحيات نظام الوصاية الدولي في الفصل الثاني عشر عبر المواد 75 إلى 85. والغرض من النظام هو الإدارة والإشراف على الأقاليم الموضوعة فيه بالاتفاق بهدف «التنمية نحو الحكم الذاتي أو الاستقلال كما قد يكون مناسبا مع الظروف الخاصة بكل إقليم وشعوبه والرغبات التي تعرب عنها الشعوب المعنية بحرية. ويجب أن يعمل النظام وفقا لمقاصد الأمم المتحدة المنصوص عليها في المادة 1 بما في ذلك احترام حق تقرير المصير. إن الجمعية العامة مكلفة بجميع المهام «غير المحددة على أنها استراتيجية» والتي تم تحديدها لمجلس الأمن. ويت? إنشاء مجلس وصاية لمساعدة الجمعية العامة ومجلس الأمن على أداء وظائفهما في ظل النظام.
 
تنص المادة 87 من الفصل الثالث عشر على وظائف وسلطات مجلس الوصاية التي تتقاسمها مع الجمعية العامة. تُمنح السلطة للنظر في التقارير وقبول الالتماسات وفحصها وتوفير زيارات للمناطق المشمولة بالوصاية و«اتخاذ هذه الإجراءات وغيرها وفقًا لشروط اتفاقيات الوصاية». القسم الآخر ذو الصلة هو الفصل الحادي عشر وعنوانه «إعلان بشأن الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي» الذي ينص على أن:
 
يعترف أعضاء الأمم المتحدة الذين لديهم أو يتحملون مسؤوليات إدارة الأراضي التي لم تحصل شعوبها بعد على قدر كامل من الحكم الذاتي بمبدأ أن مصالح سكان هذه الأقاليم لها الأولوية ويقبلون كأمانة مقدسة الالتزام بالعمل إلى أقصى حد في إطار نظام السلم والأمن الدوليين المنصوص عليهما في هذا الميثاق وعلى تعزيز رفاه سكان هذه الأراضي.
 
وتحقيقا لهذه الغاية، يتعين على الدول الأعضاء «تطوير الحكم الذاتي ومراعاة التطلعات السياسية للشعوب ومساعدتها في التطوير التدريجي لمؤسساتها السياسية الحرة».
 
الخلاصة:
 
سعت خطة التقسيم التي وضعتها لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين إلى إنشاء دولة يهودية داخل فلسطين على عكس الإرادة الصريحة لغالبية سكانها. وعلى الرغم من أنهم شكلوا ثلث السكان فقط وامتلكوا أقل من 7 في المئة من الأرض، فقد سعت اللجنة إلى منحهم أكثر من نصف فلسطين لغرض إقامة تلك الدولة اليهودية. بعبارة أخرى ستأخذ الأرض من العرب وتعطيها لليهود.
 
يقف الظلم المتأصل في خطة التقسيم في تناقض صارخ مع الخطة البديلة التي اقترحها العرب وهي دولة فلسطين المستقلة التي يتم فيها الاعتراف بحقوق الأقلية اليهودية واحترامها والتي من شأنها أن توفر للسكان اليهود تمثيلاً شعبيا في حكومة ديمقراطية. كانت خطة التقسيم مضرة بشكل صارخ بحقوق غالبية السكان العرب إذ كانت تقوم على رفض حقهم في تقرير المصير.
 
هذا الأمر لا جدال فيه بقدر ما أقر تقرير لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين نفسه صراحة بأن اقتراح إنشاء دولة يهودية في فلسطين يتعارض مع مبدأ حق تقرير المصير. كما استندت الخطة إلى الافتراض الخاطئ بأن العرب سيقبلون ببساطة بسلب أراضيهم منهم والتنازل طواعية عن حقوق الأغلبية بما في ذلك حقهم في تقرير المصير.
 
قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 لم يقسم فلسطين بشكل قانوني ولم يمنح القيادة الصهيونية أي سلطة قانونية للإعلان من جانب واحد عن قيام دولة إسرائيل اليهودية. لقد أوصى فقط بقبول خطة التقسيم الصادرة عن لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين وتنفيذها من قبل الأطراف المعنية. بطبيعة الحال للحصول على أي وزن قانوني للقرار يجب أن يتم الاتفاق رسميا على الخطة، مثل أي عقد، من قبل الطرفين وهو ما لم يحدث. كما لم يكن بإمكان الجمعية العامة تقسيم فلسطين بشكل قانوني أو منح القيادة الصهيونية سلطة قانونية لإنشاء إسرائيل لأن?ا ببساطة لا تملك مثل هذه السلطة لمنحها.
 
عندما نظر مجلس الأمن في الموضوع الذي أحالته إليه الجمعية العامة لم يتوصل إلى توافق في الآراء حول كيفية المضي في تنفيذ خطة التقسيم. ولما كان من الواضح أن الخطة لا يمكن تنفيذها بالوسائل السلمية فقد رفض أعضاء مجلس الأمن اقتراح تنفيذها بالقوة. الحقيقة البسيطة هي أن الخطة لم تنفذ قط. وقد توصل العديد من المندوبين من الدول الأعضاء، بما في ذلك الولايات المتحدة، إلى استنتاج مفاده أن الخطة كانت غير عملية، علاوة على ذلك فإن مجلس الأمن ليس لديه سلطة لتنفيذ مثل هذه الخطة إلا بموافقة الأطراف المعنية والتي كانت غائبة في ?ذه الحالة.
 
كانت الولايات المتحدة وسوريا ودول أعضاء أخرى محقة في ملاحظاتها بانه بينما كان لمجلس الأمن سلطة إعلان تهديد للسلام والسماح باستخدام القوة للتعامل مع ذلك والحفاظ على السلام والأمن أو استعادتهما، إلا أنه لم يكن لديه أي سلطة لكي ينفذ بالقوة خطة لتقسيم فلسطين خلافا لإرادة معظم سكانها. وأي محاولة لاغتصاب هذه السلطة سواء من قبل الجمعية العامة أو مجلس الأمن كانت ستشكل انتهاكا واضحا للمبدأ التأسيسي للميثاق باحترام حق جميع الشعوب في تقرير المصير وبالتالي فهي لاغية وباطلة بموجب القانون الدولي.
 
باختصار، الادعاء الشائع بأن الأمم المتحدة «أنشأت» إسرائيل هي أسطورة.. وادعاء إسرائيل في وثيقتها التأسيسية أن قرار الأمم المتحدة رقم 181 يشكل سلطة قانونية لإنشاء إسرائيل أو يشكل «اعترافا» من قبل الأمم المتحدة بـ «أحقية» قيام اليهود الصهاينة بمصادرة الأراضي العربية لأنفسهم وحرمان غالبية السكان العرب من حقهم في تقرير المصير هو محض احتيال كمن يدعي امتلاك براءة اختراع ليست من حقه.
 
يمكن استخلاص نتائج طبيعية أخرى، الكارثة التي حلت بفلسطين لم تكن حتمية، لقد تم إنشاء الأمم المتحدة لغرض منع مثل هذه الكوارث. ومع ذلك فقد فشلت فشلاً ذريعاً في القيام بذلك عبر اعتبارات عديدة، وأخفقت الأمم المتحدة في واجبها بإحالة المسائل القانونية المتعلقة بمطالبات فلسطين إلى محكمة العدل الدولية على الرغم من طلبات الدول الأعضاء للقيام بذلك.
 
كما فشلت في استخدام جميع الوسائل المتاحة في نطاق سلطتها بما في ذلك استخدام القوات المسلحة للحفاظ على السلام ومنع الحرب التي كان من المتوقع حدوثها عند إنهاء الانتداب. والأهم من ذلك وبعيدا عن التمسك بمبادئها التأسيسية، عملت الأمم المتحدة بفعالية لمنع إنشاء دولة فلسطين المستقلة والديمقراطية في انتهاك مباشر لمبادئ ميثاقها.
 
لا يزال العالم اليوم يشهد على عواقب هذه الإخفاقات وغيرها، إن الاعتراف بالظلم الجسيم المرتكب ضد الشعب الفلسطيني في هذا الصدد وتبديد هذه الأساطير التاريخية أمر ضروري لإيجاد سبيل للمضي قدما نحو السلام والمصالحة.