عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    05-Feb-2020

إدلب تضع التحالف الروسي التركي على المحك - تسفي برئيل

 

هآرتس
 
“دماء جنودنا لن تذهب سدى”، هذا ما أعلنه أول من أمس وزير الخارجية التركي، مبلوط تشاوتشولو، بعد قتل ستة جنود أتراك ومواطن مدني يعمل في الجيش بنار قوات الجيش السوري. وبعد فترة قصيرة تحول هذا الإعلان إلى أكثر من مجرد اقوال. قوات تركية هاجمت عدة مواقع للجيش السورية وتسببت بقتل 30 جنديا، حسب تقارير تركية. ربما كانت هذه هي المواجهة الأكثر عنفا في الفترة الاخيرة بين القوات التركية والقوات السوري، والتي يمكن أن تتوسع إذا لم تنجح روسيا وتركيا في تطبيق التفاهمات التي تم التوصل اليها فيما بينهما، وتم تثبيت وقف اطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه في 12 الشهر الماضي.
مركز المواجهة كان (وما زال) في محافظة إدلب التي يوجد فيها 50 – 70 ألف من رجال المليشيات الذين جاءوا اليها من أرجاء سورية. معظم المقاتلون ينتمون لتنظيمات اسلامية راديكالية، مثل جبهة تحرير الشام (احفاد جبهة النصرة) ومقاتلون جاءوا من دول اجنبية، بالذات من القوقاز. بالنسبة للاسد هذه المحافظة تعتبر العائق الأكبر الأخير أمام سيطرته على جميع أراضي الدولة. ولكن لا يوجد لأي طرف من الاطراف المشاركة في الحرب في سورية أي حل قابل للتطبيق يؤدي الى ابعاد المسلحين.
في خلفية كل ذلك يقف الاتفاق الذي وقع في ايلول (سبتمبر) 2018 بين روسيا وتركيا الذي بحسبه أخذت أنقرة المسؤولية عن تجريد هذه المليشيات من سلاحها، في حين أن روسيا وسورية امتنعتا حتى ذلك الحين عن القيام بعملية عسكرية شاملة يمكن أن تتسبب بموجة لاجئين جماعية في المحافظة التي يعيش فيها 3 ملايين نسمة. تركيا، كما كان واضح من البداية، لم تنجح في تنفيذ هذه المهمة في المهلة الزمنية التي تم تحديدها، وتمت اطالتها مرة تلو الاخرى. ورغم التحذيرات الروسية والضغط الدبلوماسي على أنقرة، لا يمكنها اقناع المليشيات بالتخلي عن سلاحها أو المغادرة الى دول اخرى. الضغط الدبلوماسي الروسي تحول مؤخرا الى ضغط عسكري موجه، عندما بدأت قوات روسية وسورية بمهاجمة واحتلال بلدات وقرى في محافظة إدلب. وفي الأسبوع الماضي سيطرت على أحد المحاور الرئيسية وعلى مدينة معرة النعمان في المحافظة التي كانت تحت سيطرة المتمردين منذ العام 2012. الهجوم العسكري أدى كما هو متوقع الى هرب المدنيين نحو الحدود مع تركيا. وحسب تقارير منظمات الاغاثة فان نحو 110 آلاف شخص وصلوا قرب الحدود التركية، والضغط سيزداد كلما استمر الهجوم.
تركيا التي قدرت بأنه يمكنها صد الهجوم وموجة اللاجئين، ظهرت كمن فقد السيطرة على العمليات العسكرية والسياسية. وهي الآن تضع محل اختبار شديد علاقتها مع روسيا. في تصريح غير مسبوق (على الاقل منذ عادت العلاقة بين الدولتين الى سابق عهدها في 2016)، قال الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، بأن “روسيا تقول لنا إنها تحارب الإرهابيين. من هم هؤلاء الإرهابيون؟ إنهم مواطنون يحاولون الدفاع عن بيوتهم”. بعد ذلك، اتهم اردوغان روسيا بأنها لا تفي بالتزاماتها حسب اتفاق الاستانة واتفاق سوتشي: الاتفاق على المناطق الآمنة واتفاق على عدم مهاجمة محافظة إدلب. “لقد انتظرنا حتى الآن. ولكن من الآن سنعمل بصورة مستقلة”، قال. “هذا ليس تهديدا، لكننا ننتظر أن تقوم روسيا بنقل التحذير المناسب للنظام السوري”.
اردوغان ذهب أبعد ذلك ووضع موسكو أمام تهديد انذاري: “إذا كنا شركاء مخلصين فيجب على روسيا توضيح سياستها بشكل واضح. إما أن تتبع سياسة مختلفة تجاه سورية أو تجاه تركيا. لا يوجد خيار آخر. لقد نفد صبرنا”. المشكلة هي أن تركيا دولة بقيت بدون خيارات. وهي لا تستطيع السماح لنفسها بأن تضر بعلاقتها مع روسيا، حليفتها القوية الوحيدة التي بقيت لها بعد الشرخ في علاقاتها مع الولايات المتحدة. وهي ايضا تدرك بأن عملية عسكرية ضد القوات السورية يمكن أن تضعها على مسار تصادم عنيف مع الكرملين. وفي المقابل، لا يوجد لها أي نفوذ حقيقي على مقاتلي المليشيات في إدلب، ولا يوجد لها أي حل لمئات آلاف اللاجئين الذين يمكن أن يجتازوا الحدود الى داخل اراضيها. تركيا هي أسيرة السياسة التي بلورتها لنفسها، ومن المشكوك فيه أن تكون تحذيراتها الموجهة لروسيا والاقوال الفظة لاردوغان ستوقف العملية العسكرية التي بدأتها دمشق وموسكو باتجاه محافظة ادلب.
بعد احتلال مدينة عفرين وعدد من المحافظات في غرب الفرات كجزء من المعركة التي تديرها ضد القوات الكردية في سورية، ستضطر تركيا الى التقرير هل تورطها العسكري في دولة لا يجرها عميقا جدا الى داخل ساحة يمكن أن تكون هي نفسها فيها هدفا للهجوم. وحتى الآن روسيا تتعامل مع اقوال اردوغان بتهذيب بارد وتستمر في الحديث عن الحرب ضد الارهاب. تركيا ما تزال حليفة مهمة، خاصة في المعركة السياسية التي تديرها روسيا ضد الولايات المتحدة. ولكن موسكو تطمح ايضا الى أن تنهي بسرعة الحرب في سورية وتقليص تكلفتها وأن تنقل للاسد السيطرة الكاملة على سورية. واذا اعتبرت تركيا في نظرها عائقا أمام تحقيق أهدافها فان التحالف بينهما يمكن أن يعصف به صقيع الشتاء الخطير.