وأد فرصة تجسيد الدولة الفلسطينية*د. محمد كامل القرعان
الراي
طالما نظر الفلسطينيون، لقضية اللاجئين ووكالة أونروا باعتبارهما التعبير الملموس عن رفضهم ما حدث في عام 1948 (النكبة والتشريد)؛ ولذا فتفكيك «أونروا» وتصفية ظاهرة اللجوء هما بمثابة مؤشر إلى بدء إسرائيل العمل للمرة الأولى ضد نيات الفلسطينيين (بحق العودة) وليس فقط ضد قدراتهم. وهي جزء من محاولة قديمة–متجدّدة، ترمي إلى القضاء على فكرة (حق العودة) واختصارها على قضية (اللاجئين). وبغضّ النظر عمّن سيحكم قطاع غزة، في «اليوم التالي» للحرب، فإسرائيل تتمسّك بألّا يوجد في غزّة لاجئ فلسطيني واحد، ولا مخيمات لاجئين، ولا وكا?ة إغاثة وبتحرّيض بشكل علني من وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير على ضم الضفة، تحت شعار وأد فرصة تجسيد الدولة الفلسطينية على الأرض.
ولجوء إسرائيل لهذه الأفعال العدوانية لضم القطاع وأجزاء أساسية منه تمهيدا للاستعمار فيه، ما يهدد بشكل جدي بتهجير المواطنين بعد حشرهم في منطقة ضيقة وقطع كل السيل أمامهم لعبور المساعدات الأغاثية والغذائية والطبية وتمدير المدارس والمستشفيات والمساجد بالإضافة تجنيد جميع أدواتها وإمكانياتها لتفجير الأوضاع في الضفة، بهدف تسهيل ضمها والإطاحة بالسلطة الوطنية الفلسطينية؛ في حين أن هناك إجماعًا أسرائيليا حزبيا على رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم الذي هجروا عنه عنوة تطبيقًا لحقّ العودة، بموازاة إجماع على أنّ «?لحلّ الأوحد» لقضية هؤلاء اللاجئين هو التوطين بالنسبة لأسرائيل.
وتركز أسرائيل الان: كيف لها الأنتصار في هذه المعركة بغض النظر عن حجم الخسائر العسكرية والمادية التي منيت بها على أيادي المقاومة الفلسطينية، تحقيقا لهذا الغرض وفرض واقع جديد يقبل به الفلسطينيون والمجتمع الدولي وحل قضية اللاجئين من خلال توطينهم بحسب قوانين كل دولة، وهو ما سيخوّل أسرائيل أن تمارس حقّ النقض ضد دخول سكان فلسطينيين إلى إسرائيل.
وما يوفر لحكومة الاحتلال الوقت اللازم لتنفيذ مخططاتها في الضفة وغزة، ويشجعها على التمادي في ضرب مرتكزات الدولة الفلسطينية وتصفيتها و الفشل الدولي في وقف حرب الإبادة والتهجير، التي يجب أن تواجه مثل هذه الاعمال غير قانونية دوليا وأنسانيا بفرض عقوبات دولية رادعة على دولة الاحتلال كمدخل لإجبارها على وقف العدوان واحترام قرارات الشرعية الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية، وبدعم أمريكي مطلق.
ولعلّ الأمر الأهم هو الدلالة الكامنة في هذه المواقف، والتي تحيل إلى حقيقة أن جميع الدعوات والمبادرات والذرائع بهذا الشأن مشدودة برباط وثيق إلى جذر أساسي واحد، هو رفض (حقّ العودة).
عند هذه المرحلة، سواء طال أمد العدوان على القطاع أشهرًا أم انتهى اليوم، وبغض النظر عن وضع القدرات القتالية لحركات المقاومة الفلسطينية في نهاية الحرب، فإن هذا هو وقت التساؤلات حول نهاية العدوان: وما إذا كانت الكارثة الإنسانية ستؤدي إلى تدفق ضخم للغزيين خارج القطاع، بحسب ما خططت الحملة الوحشية الإسرائيلية منذ البداية، رغم رفض دول المنطقة المعلن لتهجير الفلسطينيين. وحتى إن أصر الغزيون على البقاء في المناطق المتكدسة بالجنوب والمدمرة تماما بالشمال والعيش في خيم الإيواء انتظارا لجهود إعادة الإعمار التي ستطول لا ?حالة، فهل نستبعد أن تمضي حكومة الاحتلال اليمينية قدما في زرع كتل استيطانية داخل القطاع في الأحياء التي أخلتها من ساكنيها أو هدمت منازلها فوق رؤوسهم؟