عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    12-Nov-2025

"تحت شمس خفيفة".. مقالات نقدية وتأملية للشاعر أبو لوز

 الغد-عزيزة علي

 صدر عن دار "الآن ناشرون وموزعون"، للشاعر يوسف أبو لوز، كتاب بعنوان "تحت شمس خفيفة.. مقاربات في الشعر والحياة"، يضم أكثر من ثلاثين مقالة نقدية وتأملية كتبها الشاعر خلال مسيرته الممتدة بين الشعر والصحافة والثقافة العربية.
 
تتوزع مقالات الكتاب بين قراءات في الشعر العربي الحديث، وتأملات في تحولات القصيدة، واستحضارات لرموز شعرية عربية أسهمت في تشكيل الوعي الجمالي العربي.
في هذا الكتاب، يطل علينا الشاعر والناقد يوسف أبو لوز بمختاراته الجديدة "تحت شمس خفيفة"، ليعيد للقصيدة حضورها وروحها، ويمنح القارئ نافذة يرى من خلالها الشعر من الداخل، كما يراه الشاعر نفسه، في رحلة بين الفكر والوجدان، بين التجربة الإنسانية والمتعة الجمالية، حيث يظل الشعر متنفسا للخيال ومرآة للحياة.
وجاء على غلاف الكتاب ما كتبه الشاعر زهير أبو شايب: "حين تبحث عن الشاعر في (بيت شعره) فقط، فإنك لن تتعرف إلا على جانب محدود من ذاته الرحبة، وهذا يعني أنك لن تتمكن من التعرف جيدا حتى على شعره ذاته، الذي هو بيت كينونته كلها. ويوسف أبو لوز، كأي شاعر فذ، اشتغل منذ البداية على توسيع بيت كينونته، ليتيح للمتلقي أن يطل عليه من شرفات أخرى تتكامل مع القصيدة وتضيء عليها".
في هذا الكتاب، نرى الشاعر، ونرى الموضوعات التي تنعكس ذاته في مراياها العميقة، وزوايا النظر التي تتحكم في رؤيته للعالم وللأشياء، ونرى بالذات محصول الضوء الذي جناه من معانقة العالم والانغماس الذي فيه، وهو المحصول الذي خبأه لنا في هذا الكتاب.
في شعره، كان يوسف أبو لوز يأخذ قارئه إلى مسرات غير مسبوقة، وها هو اليوم يواصل الأمر ذاته بصفته قارئا يتبعه الغاوون.
يشير أبو لوز إلى أنه نشر قبل أعوام في ملحق "الخليج الثقافي"، مادة مطولة حاول فيها مقاربة الشعر بالشعر، أي الكشف عن كيفية تعريف الشعراء للشعر من داخل قصائدهم، من دون اللجوء إلى التنظير أو المماحكة النقدية. ومن هذه المادة ولدت "المختارات" التي يقدمها اليوم للقارئ، في زمن تغلب فيه ثقافة المادة والتكنولوجيا على روح الإنسان والشعر معا.
يشير أبو لوز إلى أن اختياره للمقالات لم يكن عشوائيا، فقد أمضى أكثر من عام في قراءة نحو أربعين كتابا بحثا عن علاقات ثقافية ومعرفية وجمالية تربط الشعر بالفكر والفلسفة والموسيقا والصوفية والعلم والطبيعة والميتافيزيقا والتراجيديا والقلق واللذة والكآبة.
ويعترف بأن هذه المختارات ما تزال ناقصة، مؤكدا عزمه استكمالها بقراءات أخرى تتناول علاقة الشعر بالحب والموت والقوة والحرب والسلام والخوف والجنون وغيرها، لتبقى "مختارات مفتوحة" بطبيعتها، كما هو الشعر نفسه: نص مفتوح على الحياة والأفكار والأشياء إلى ما لا نهاية.
ويشير إلى أن العالم اليوم يغرق في قيم وأحداث عنيفة، أشبه بـ"حفلات دم"، من ارتفاع منسوب الموت في الحروب إلى مشاهد الإعدامات العلنية التي تصدم من يعتاد "رومانسية الحداثة"، فيرى الموت في أقصى بشاعته، حتى أمام الأطفال، من دون مراعاة لطفولة البشرية المفترض أن تتجدد بالحداثة.
ويتساءل: كيف يراقب الشعر كل هذه المستجدات، وكيف يمتصها ليحولها إلى "كلام"؟ ويضيف أن هذا السؤال يتفرع منه مستقبل الشعر والعلاقات الجديدة التي سيقترحها الشعراء القادمون، ولذلك تعتبر هذه المختارات "اجتهادات مفتوحة"، فالعالم لن يتوقف عن إنجاب الشعراء وتجديد الشعر.
يشير أبو لوز إلى أن المادة لا تقتصر على العلاقات السابقة فحسب، بل تتضمن أفكارا نقدية أعمق، أبرزها ما يقدمه الناقد د. كامل أبو ديب في عرضه المطول لمفهوم "الشعرية"، فهو يفرق بين الشعرية والشاعرية، موضحا أن الأولى "حركة استقطابية" تنتزع من سديم التجربة واللغة مادة غير متجانسة، بينما تبقى الثانية ضمن حدود الانفعال أو الحس الجمالي البسيط.
كما تتناول المادة قضايا متصلة بالشعر والنظم، والشعر والنثر، واجتماعية الشعر، والتخييل، والإيقاع، والصورة الشعرية. ويؤكد أبو لوز أنه اختار نخبة من النقاد والكتاب العرب المرموقين الذين بذلوا جهدا معرفيا وجماليا كبيرا في كشف جوهر الشعر، ليقدم خلاصة هذا الجهد في "مختارات" موجهة، كما يقول ساخرا، إلى من لا يتعبون أنفسهم حتى في القراءة، فضلا عن البحث أو الكتابة.
يوضح يوسف أبو لوز أن الكتاب والنقاد الذين اجتمعوا لقراءة معنى الشعر ومفهومه تباينت آراؤهم بين اتفاق واختلاف، وهو أمر طبيعي وصحي، فالشعر في جوهره إبداع لا تقليد، ومساحته تقوم على الاختلاف والتجدد، لا على النتائج الجاهزة، وهذا ما يمنحه سر مجده وخلوده.
ويستشهد بقول المتنبي: "أنام ملء جفوني عن شواردها / ويسهر الناس جرّاها ويختصم". ليؤكد أن الشعر دائم الجدل والتأويل، وأن من بين الآراء اللافتة أو "الناتئة" آراء نازك الملائكة، التي تثير خلافا حتى لدى مفكرين ونقاد كبار، مثل إلياس خوري وكمال أبو ديب.
كما يتوقف عند د. جابر عصفور الذي اهتم في كتابه "مفهوم الشعر"، بما يسميه "علم الشعر"، مستندا إلى مفاهيم حازم القرطاجني، وموسعا دائرة البحث لتشمل علاقة الشعر بالفلسفة والموسيقا. فيما تعيدنا د. ألفت كمال الروبي، إلى نظرية الشعر عند الفلاسفة المسلمين كالفارابي وابن سينا وابن رشد وإخوان الصفا، حيث يقترن الشعر بالموسيقا وبقوة المتخيلة التي تعد "القوة الباطنة الثالثة في التجويف الأوسط من الدماغ"، ما يجعل الخطاب الفلسفي يلامس الشعر في حدوده الجمالية والعلمية معا.