عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    04-Jan-2020

حكم الفرد - ألون بن دافيد

 

معاريف
 
مشكوك جدا أن يؤدي الاحتكاك المتصاعد بين الولايات المتحدة وإيران إلى مواجهة مباشرة بينهما ايضا. ولكن الرئيس الاميركي دخل إلى سنته الرابعة في المنصب مع وجع رأس يبدأ في كوريا الشمالية وينتهي في إيران. فالكوريون والإيرانيون يشخصون ضعفه حين يدخل إلى سنة الانتخابات وهو يرغب بشكل عام في الخروج من الشرق الأوسط. اما مكانه في المنطقة فيحتله من احتفل هذا الأسبوع بعشرين سنة منذ دخوله إلى الكرملين. ومن الآن فصاعدا فان إسرائيل ملزمة بان تراعي في كل تخطيط عسكري لها التواجد القريب للقوة العظمى غير الودية حقا.
في العشرين سنة التي وقف فيها فلاديمير بوتين على رأس دولة متعفنة مع اقتصاد متعثر وعدد سكان متناقص، نجح في أن يجعل روسيا مرة اخرى قوة عظمى عالمية. في دولة كبرى من الصعب ان نجد حداثة تكنولوجية والتي هي القوة التي تحرك اليوم الاقتصادات، كما أن المساهمة الروسية في الثقافة العالمية اصبحت في العقود الاخيرة في حدها الادنى. ولا يزال، مثل لاعب قمار لا يتشوش بيد ضعيفة، ينجح بوتين بقوة جسارته في أن يثبت روسيا كلاعب عالمي متصدر، لاعب يبادر ويحل النزاعات على حد سواء. حكم الفرد لديه اصبح نموذجا للاقتداء بالنسبة لكثير من زعماء العالم.
موقفه من إسرائيل متضارب: من جهة يرى فينا حديثا وثيقا للولايات المتحدة. ومن جهة اخرى “دولة ناطقة بالروسية”، كما وصف إسرائيل قبل بضعة اشهر. فمع مليون ونصف المليون من الناطقين بالروسية في إسرائيل، يعترف بالصلة الثقافية بين الدولتين بل وبدأ يدفع التقاعدات لقدامى الجيش الأحمر ممن يسكنون في البلاد. كل هذا لا يمنعه من التنكيل بنوعاما يسسخار ويسيء بوحشية شروطها الاعتقالية.
بالذات في القناة الأمنية – العسكرية يحرص رجاله على الابقاء على علاقات عمل سليمة. وفي الأسابيع القادمة من المتوقع لجهاز التنسيق بين سلاحي الجو الإسرائيلي والروسي ان يجتاز رفعا للمستوى: فقد وافقت إسرائيل على ان توفر اخطارا مبكرا أكثر للروس قبل الهجمات في سورية، ومن المتوقع للتنسيق ان يصبح وثيقا أكثر. واضح لإسرائيل بانه إذا اصيب مرة اخرى جنود روس كنتيجة لهجوم إسرائيلي – ستكون النهاية بحرية عملنا في سورية.
صحيح أن بوتين يتجلد على الهجمات الإسرائيلية في سورية، ولكن محظور علينا الوقوع في الخطأ: فليس مريحا له ان تفعل إسرائيل في سورية كما تشاء. في تشرين الثاني دمر سلاح الجو بطارية صواريخ متطورة من انتاج روسي، استخدمها الاسد لاطلاق النار نحو طائراتنا.
كما كان هذا هو السبب في انه رغم الإعلانات الاحتفالية، تواصل روسيا تأخير تسليم منظومة اس 300 لاياد سورية. فقبل أكثر من سنة نقلت روسيا بطارية دفاع جوي لجيش الاسد ومنذئذ لا تتوقف عن “تأهيل” رجال الأسد على تشغيل البطارية، ولكنها لا تعطيهم إمكانية التحكم بها. واضح للروس انه في اللحظة التي يترك فيها آخر جندي لهم البطارية – ستضربها إسرائيل وتصفي احدى العلامات التجارية التصديرية القليلة لدى روسيا. أحد في العالم لن يشتري اس 300 اذا ثبت ان طائرة أميركية باياد اسرائيلية قادرة على تدميرها.
هدية لعيد الميلاد
يريد بوتين ان يثبت الاستقرار في دولته المرعية الجديدة في سورية. فقد منحته منذ الآن بناء في المياه الدافئة ومطارا وجعلته لاعبا في شرقي البحر المتوسط. وهو يضرب عينيه الآن الى الميزانيات الطائلة التي سيحتاجها ترميم الدولة المدمرة والذي يقدر بـ 300 مليار دولار. هذا المال سيأتي اساسا من دول الخليج وربما ايضا من اوروبا والولايات المتحدة. غير أن دول الخليج لن تستثمر في سورية طالما كان الإيرانيون هناك، وعليه فان بوتين هو الاخر لن يذرف دمعة حين يترك الإيرانيون سورية. ينجح سلاح الجو حتى الآن في تأخير تموضعهم، ولكن خروج الإيرانيين المطلق لن يتحقق الا باتفاق بين القوى العظمى.
من الصعب في هذه اللحظة ان نتصور ترامب يتفرغ على الاطلاق للانشغال بسورية. فالصور التي وصلت هذا الاسبوع من بغداد ذكرته فقط كم هو هش التواجد الأميركي في الشرق الاوسط ولماذا يريد أن ينصرف من هنا. واضطر لان يبعث بـ 750 جندي آخر الى العراق ويستعد لارسال 4 آلاف جندي آخر لتعزيز قواته هناك خوفا من استمرار الاحتكاك مع الميليشيات الشيعية.
لقد جاء الهجوم الساحق الذي اطلقه ضد الميليشيات لترسيم خط احمر هام امام الايرانيين وبعث عن حق الرضى في اسرائيل. غير أن عندنا، مثلما هو الحال دوما، يجري كل شيء بالقفز، والكل يسارع الى الاعلان والتهنئة. وبالغ في ذلك وزير الخارجية اسرائيل كاتس الذي استغل الحدث لاطلاق تهديدات ضد إيران وكأن ترامب انتظر فقط الحصول على حزام الدفاع من كاتس. وحتى في فترة الانتخابات (ولا سيما عندما لا تنتهي) من الافضل لنا ألا نقفز رأسا الى كل نزاع عكر في المنطقة.
لقد كان الهجوم الأميركي على الميليشيات بعيدا عن أن يكون رقيقا او جراحيا. فقد تسبب بغير قليل من “الضرر للمحيط”. ولكن الإيرانيين انتعشوا بسرعة وانتهزوا الفرصة لحرف الاحتجاج الذي كان موجها حتى الآن ضدهم الى انتفاضة مناهضة لأميركا. وهم سيفعلون كل شيء كي يدحروا الولايات المتحدة خارج العراق، ولكن مشكوك ان ينجحوا. ورغم كل انعدام رغبة ترامب في الغرق في العراق فانه لا يمكنه أن يسمح لنفسه لان يركل من هناك في سنة الانتخابات.
في الخلفية تنتظره هدية عيد الميلاد المتأخرة التي وعد بها كيم الكوري في صورة “سلاح استراتيجي جديد”. سواء كان الحديث يدور عن صاروخ عابر للقارات ام رأس متفجر يمكنه أن يحمل قنبلة نووية – فان كيم هو الاخر يفهم بان ترامب هش في هذه السنة، مع انتخابات في الخلفية وسحابة عزل فوق رأسه. اطلاقه المتوقع سيكون الاشارة الاوضح لفشل سياسة ترامب التصالحية تجاه كوريا الشمالية.
ينظر بوتين باستمتاع وهو واقف جانبا الى الضعف الامريكي ويبحث عن الفريسة التالية التي سيخلفونها وراءهم. ومؤخرا بدأ يغمز ايضا نحو لبنان ويلاطف آبار الغاز التي اكتشفت هناك تحت البحر. وسيسر الروس ان يستغلوا كل مواجهة بيننا وبين حزب الله كي يكونوا القوة العظمى التي تصيغ آلية الانهاء للحرب وهكذا يفتحوا لانفسهم بابا للدولة اللبنانية ايضا. ان اسرائيل ملزمة بان تفترض بان من الآن فصاعدا سيكون تدخلا روسيا في كل مواجهة لنا ذات مغزى، وان تتذكر بان ليس لروسيا اي مصلحة في أن ترى اسرائيل تخرج معززة من المعركة. فبوتين يحب جيرانه ضعفاء.