الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة
دانيال بايمان - (مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية) 2/11/2024
بالإضافة إلى المخاطر على المدى القصير، تبدو خطة إسرائيل طويلة الأجل للبنان غير واضحة. لن يكون احتلال لبنان بداية صالحة، ويمكن لقوات "حزب الله" أن تتراجع أعمق وأعمق في البلد إذا احتاجت إلى الحد من خسائرها. وفي الواقع، قد تحاول قوات "حزب الله" إطالة أمد الحرب، وإنهاك إسرائيل التي تقاتل على جبهات متعددة.
بينما تدخل القوات الإسرائيلية إلى لبنان لتنفيذ ما أسماه مسؤولوها "غارات محدودة ومحلية ومستهدفة" ضد مواقع "حزب الله" على طول الحدود، سيكون من الأفضل لها أن تتذكر –وأن تتعلم من- المشاكل التي واجهتها في آخر عملية كبرى لها هناك في العام 2006. وقد شكل إرث الحرب الإسرائيلية الأخيرة في لبنان نهج كل من "حزب الله" وإسرائيل على حد سواء في الصراع. وتشير الضربات الإسرائيلية المؤثرة ضد "حزب الله" في الأشهر الأخيرة إلى أنه من غير المرجح أن تكرر الكوارث التكتيكية التي تعرضت لها في العام 2006، لكنّ حل المعضلات الاستراتيجية الأوسع نطاقا التي يفرضها "حزب الله" سيكون أصعب بكثير.
في تموز (يوليو) 2006، بعد أسبوعين من القصف العنيف لمواقع "حزب الله"، أرسلت إسرائيل آلاف الجنود إلى لبنان كجزء من "عملية تغيير الاتجاه"، على افتراض أن هؤلاء الجنود سيكتسحون المدافعين وينحوهم جانبًا. لكن ما تلا ذلك كان كارثة بعد كارثة. قتلت ضربة صاروخية محظوظة لـ"حزب الله" 12 مظليا من جنود الاحتياط في كفر جلعادي، داخل إسرائيل. وقاتلت قوات "حزب الله" في لبنان من الأنفاق، واختبأت من القوات الإسرائيلية لتظهر في بعض الأحيان وتنصب لها الكمائن المميتة. ونصب "حزب الله" كمينًا لرتل مدرع إسرائيلي في وادي السلوقي، حيث أغلق الطريق أمام وخلف الرتل ثم أطلق وابلا تلو الآخر من الصواريخ المضادة للدبابات على القوات الإسرائيلية العالقة بلا حول ولا قوة، والتي كانت تفتقر إلى دعم المدفعية والمشاة. وكما أشار تيمور غوكسل، الذي كان يقدم المشورة لقوات الأمم المتحدة في لبنان: "لا ينبغي لأي شخص غبي بما يكفي لدفع رتل من الدبابات عبر وادي السلوقي أن يكون قائد لواء مدرع. يجب أن يكون طباخًا".
وحتى بينما كان الجنود الإسرائيليون يتعثرون في داخل لبنان، أمطر "حزب الله" المنازل وأماكن العمل الإسرائيلية بالصواريخ طوال 34 يومًا من الحرب. كما تضررت سمعة إسرائيل الدولية، حيث انتقدتها جماعات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام الدولية لقصفها منشآت "حزب الله" في الأحياء المدنية. وعلى الرغم من أن "حزب الله" خسر العديد من مقاتليه في العام 2006، إلا أن تحديه الناجح لإسرائيل أثار حماس الجماهير العربية، وجعل شعبية المجموعة تحلّق.
على الرغم من أن الحرب انتهت بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي حظر اقتراب قوات "حزب الله" من الحدود الإسرائيلية وعزز وجود قوات حفظ السلام هناك، سرعان ما علِم "حزب الله" أن قوات حفظ السلام هذه لن تقف في طريقه. وعاد مقاتلو الحزب إلى المنطقة -أحيانًا تحت غطاء المنظمة البيئية المزيفة "أخضر بلا حدود".
اتبعت استثمارات "حزب الله" في الأسلحة بعد العام 2006 منطق الحرب. وجادل حسن نصر الله، زعيم "حزب الله" حتى اغتياله بغارة إسرائيلية في الآونة الأخيرة، منذ فترة طويلة بأن إسرائيل هي "بيت عنكبوت"، تبدو قوية من بعيد فقط في حين يمكن تحييدها بسهولة. وسلطت الفعالية السياسية لضرب إسرائيل بالصواريخ والقذائف خلال الحرب الضوء على حساسية البلد من حيث الخسائر: كان "حزب الله"، على عكس إسرائيل، مستعدًا للتضحية.
وهكذا، وسعت المجموعة بشكل كبير ترساناتها الكبيرة مسبقًا من الصواريخ المختلفة، ليرتفع العدد الإجمالي لهذه الصواريخ إلى ما بين 120.000 و200.000. وضمت هذه الترسانة بعضًا من أنظمة الصواريخ الموجهة بدقة، بالإضافة إلى العديد من الأنظمة بعيدة المدى التي يمكن أن تضرب كل أنحاء إسرائيل. كما واصل "حزب الله" نشر الأسلحة والقوات العسكرية في المناطق المدنية، وتدريب قواته البرية لصد أي غزو إسرائيلي محتمل، بما في ذلك عن طريق توسيع شبكة أنفاقه.
ومن جهتها، استعدت إسرائيل أيضًا لجولة أخرى من الحرب، وهذه المرة، لم تفترض ببالٍ خال أن بإمكانها إزاحة "حزب الله" بسهولة. كان تفجير أجهزة الاستدعاء واللاسلكي التي يستخدمها الحزب، والاغتيالات المتكررة لكبار قادته، ومقتل نصر الله، كلها نجاحات استخباراتية إسرائيلية مذهلة.
كما تدرب الجيش الإسرائيلي بانتظام في السنوات الماضية استعدادًا لحرب مع "حزب الله" -وكما أشار مسؤول أمني إسرائيلي خلال زيارة إلى الحدود الشمالية في العام الماضي: "نحن قلقون بشأن إيران، ونتدرب ضد "حزب الله"، ونقاتل الفلسطينيين".
كما توضح حرب إسرائيل في غزة والأسابيع الأخيرة في لبنان، أصبحت عقيدة إسرائيل في استخدام القوة أكثر تدميرًا -وهو أيضًا درس من دروس حرب العام 2006. وكان قائد الجيش الإسرائيلي في الشمال، اللواء غادي آيزنكوت، قد حذر بعد حرب العام 2006 من أن إسرائيل ستدمِّر في المرة القادمة "كل قرية يتم منها إطلاق النار على إسرائيل"، لجعل "حزب الله" يدفع ثمنا باهظًا لأفعاله. وربما أصبحت إسرائيل الآن أقل اهتمامًا بإلحاق الضرر بسمعتها الدولية مما كانت عليه في العام 2006: بعد قتل عشرات الآلاف من المدنيين في غزة، من غير المرجح أن يؤدي قتل المزيد في لبنان إلى جعل الأمور أسوأ.
كان "حزب الله"، الذي يدرك الخطر الذي ينطوي عليه نشوب حرب أكثر تدميرًا، مترددًا في التصعيد إلى حرب شاملة حتى الآن، في ما يرجع جزئيًا إلى أنه يخشى إثارة غضب اللبنانيين الآخرين. فقد عانى البلد من أزمة سياسية واقتصادية متعددة السنوات، ومن شأن نشوب صراع أكبر أن يجعل الوضع السيئ أكثر سوءًا بما لا يُقاس.
مع ذلك، تبقى الحرب مع "حزب الله" أشبه برمي حجر نرد، على الرغم من أن العمليات الإسرائيلية الأخيرة تميل لصالح القدس. وكما يوحي الهجوم الصاروخي الذي شنه "حزب الله" على كفر جلعادي في العام 2006، يمكن أن تتحول العملية من نجاح ظاهري إلى فشل دموي في غمضة عين. وإذا أطلق "حزب الله" العنان لترسانته الصاروخية المتنوعة الهائلة، يمكن أن تكون هذه الحرب أسوأ بكثير من العام 2006، بالنظر إلى حجم قواته الأكبر والمدى الذي تستطيع أن تصله العديد من أنظمته الصاروخية. ومع ذلك، ما يزال من غير الواضح ما إذا كان "حزب الله" يرغب في –أو حتى يستطيع- إطلاق العنان لجزء كبير من ترسانته الضخمة نظرًا للضربات الإسرائيلية على أفراده، وقاذفاته، والانقطاعات في اتصالاته، ومخاوفه من اندلاع حرب شاملة.
بالإضافة إلى المخاطر على المدى القصير، تبدو خطة إسرائيل طويلة الأجل للبنان غير واضحة. لن يكون احتلال لبنان بداية صالحة، ويمكن لقوات "حزب الله" أن تتراجع أعمق وأعمق في البلد إذا احتاجت إلى الحد من خسائرها. وفي الواقع، قد تحاول قوات "حزب الله" إطالة أمد الحرب، وإنهاك إسرائيل التي تقاتل على جبهات متعددة.
قد تسعى إسرائيل إلى إقامة منطقة عازلة على طول حدودها، ولكن ليس من الواضح من هو الذي سيضبطها. كان هذا هدفًا في العام 2006، وتمكن "حزب الله" من الالتفاف عليه. وبعد كل شيء، يبقى "حزب الله" أقوى منظمة في لبنان، ولم توقف قوات الأمم المتحدة ولا الجيش في البلد المجموعة. ربما يجعل الحجم التدميري الأكبر للحملة الإسرائيلية "حزب الله" أكثر حذرًا هذه المرة، خاصة إذا دعمته بضربات مستمرة ردًا على الانتهاكات في المنطقة العازلة. ومع ذلك، سيكون الحفاظ استمرارية هذا الإجراء بمرور الوقت مهمة صعبة.
لعل أفضل أمل لإسرائيل هو أن تتمكن من دفع "حزب الله" إلى الوراء وأن تتمكن الولايات المتحدة من التفاوض على وقف لإطلاق النار. عندئذٍ قد يلعق "حزب الله" جراحه العديدة. وفي المقابل، تعود إسرائيل مرة أخرى إلى إبقاء الحزب مردوعًا، بينما يعكف كلا الجانبين على الاستعداد للقتال في يوم آخر.
*دانيال بايمان Daniel Byman: زميل أقدم في برنامج الأمن الدولي في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" في واشنطن العاصمة، وأستاذ في جامعة جورج تاون.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Lessons from Israels Last War in Lebanon