أنفقت الدول خلال العقد الماضي ما يزيد على 21.9 تريليون دولار على التسلّح وتطوير القدرات العسكرية، في وقت لا يزال فيه أكثر من 735 مليون إنسان يواجهون الجوع الحاد.
هذه الأرقام تعكس اختلالًا واضحًا في توزيع الموارد، إذ يُمنح الأمن العسكري ميزانيات هائلة بينما يُهمَل أمن الإنسان الأساسي المتمثل في الغذاء والحق في الحياة.
وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن القضاء على الجوع بحلول عام 2030 لا يحتاج سوى إلى 93 مليار دولار سنويًا أي أقل من واحد في المئة مما يُصرف عالميًا على الجيوش، وهو مبلغ كفيل بإنهاء معاناة الملايين لو توافرت الإرادة السياسية.
وتُبرز هذه الفجوة العميقة بين الإنفاق على الحرب والإنفاق على الإنسان حقيقة خطيرة، ليست نقص التمويل، بل في طريقة ترتيب الأولويات دوليًا، حيث تستحوذ الصراعات والتنافسات الجيوسياسية على الموارد، بينما تُترك قضايا الأمن الغذائي في أسفل الاهتمامات.
ومع اقتراب العالم من الموعد النهائي لأهداف التنمية المستدامة لعام 2030، يبدو واضحًا أن إعادة توجيه حتى جزء بسيط من الإنفاق العسكري نحو محاربة الجوع يمكن أن يغيّر مستقبل البشرية جذريًا. فالسؤال الجوهري الذي يطرحه هذا التناقض هو: كيف يمكن لعالم يملك تريليونات للحرب أن يعجز عن توفير جزء يسير منها لإنقاذ حياة الإنسان؟
وكانت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد من أن العلاقة المتفاقمة بين الجوع والنزاع تشكل "تهديدا استراتيجيا ووجوديا" للأمن الدولي، وأكدت على ضرورة التعامل مع هذه الأزمة على هذا النحو.
وقالت خلال مناقشة مفتوحة لمجلس الأمن حول انعدام الأمن الغذائي المرتبط بالنزاعات، عقدت في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، أن "الحرب والجوع غالبا ما يكونان وجهين لأزمة واحدة ".
واعتبرت أمينة محمد أن النزاع المسلح هو الدافع لانعدام الأمن الغذائي الحاد في 14 من أصل 16 بؤرة جوع في جميع أنحاء العالم، حيث واجه 295 مليون شخص الجوع الحاد في العام الماضي 2024 بزيادة قدرها 14 مليونا عن العام السابق. كما تضاعف عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع الكارثي إلى 1.9 مليون شخص.
وأشارت الى أن السودان يواجه أكبر أزمة جوع عالمية، حيث يُديم العنف المجاعة في دارفور وكردفان. والوضع في غزة ليس أفضل حيث أصبح الغذاء نفسه سلاحاً من خلال تكتيكات التجويع المتعمد. وفي مناطق أخرى، لا يزال الملايين محاصرين في الحلقة المفرغة ذاتها في هايتي واليمن ومنطقة الساحل وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وفي عام 2024 ازداد انعدام الأمن الغذائي الحاد وسوء تغذية الأطفال للعام السادس على التوالي، مما دفع بملايين الأشخاص إلى شفير الهاوية، وذلك في بعض أكثر مناطق العالم عرضة للمخاطر، وفقًا للتقرير العالمي عن الأزمات الغذائية .
ويشير التقرير إلى أنّ النزاعات والصدمات الاقتصادية والأحوال المناخية القصوى والنزوح القسري استمرت في تأجيج انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية في مختلف أنحاء العالم، وانطوى ذلك على آثار كارثية طالت العديد من المناطق التي تعاني بالفعل من الهشاشة.
وفي عام 2024، واجه أكثر من 295 مليون شخص في 53 بلدًا وإقليمًا مستويات حادة من الجوع - أي بزيادة قدرها 13.7 ملايين شخص مقارنة بعام 2023- كما ازداد عدد الأشخاص الذين يواجهون الجوع الكارثي بمقدار الضعف خلال الفترة نفسها ليصل إلى 1.9 ملايين شخص وقد بلغ سوء التغذية، خاصة لدى الأطفال، مستويات عالية للغاية، بما في ذلك في السودان وقطاع غزة ومالي واليمن. وعانى ما يقارب 38 مليون طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية... موضحا أن الاستجابة السياساتية العالمية لجائحة كوفيد-19، التي اتسمت بتدخلات مالية ونقدية واسعة النطاق، إلى جانب تأثيرات الحرب في أوكرانيا والأحداث المناخية القصوى، ساهمت في الضغوط التضخمية الأخيرة.
في المقابل، وصل الإنفاق العسكري العالمي في عام 2024 إلى حوالي 2.72 تريليون دولار، مسجّلًا ارتفاعًا بنسبة 9.4% مقارنة بعام 2023. وذلك وفق معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام هذا هو أعلى مستوى إنفاق مسجّل منذ نهاية الحرب الباردة
وبقيت الولايات المتحدة أكبر منفق عسكري في العالم، حيث بلغ إنفاقها حوالي 997 مليار دولار في 2024. فيما ارتفع الإنفاق العسكري لصالح أوروبا بما في ذلك روسيا بنسبة 17% في 2024 ، بينما انفقت ألمانيا 88.5 مليار دولار بزيادة قدرها 28 % . أما روسيا فقد أنفقت نحو 149 مليار دولار في 2024 (+38% عن العام السابق).
ووصل إجمالي الإنفاق العسكري في الشرق الأوسط الى حوالي 243 مليار دولار في 2024، بزيادة 15% على أساس سنوي.
وشهدت إسرائيل أكبر قفزة، حيث ارتفع إنفاقها بنسبة 65% ليصل إلى 46.5 مليار دولار، مما يجعل عبء الإنفاق العسكري (Military burden) عندها حوالي 8.8٪ من الناتج المحلي
وبين عامي 2015- 2024 ، ارتفع الإنفاق العسكري العالمي بنسبة 37 % وزاد في جميع المناطق الجغرافية الخمس. وسُجِّلت أكبر زيادة في أوروبا (+83٪)، تليها آسيا وأوقيانوسيا (+46٪)، والأمريكتان (+19٪)، والشرق الأوسط (+19٪)، وأفريقيا (+11%.
وظلت الولايات المتحدة، وبفارق كبير، أكبر مُنفق عسكري في العالم. إذ بلغ إنفاقها 997 مليار دولار أمريكي في عام 2024، أي ما يزيد بمقدار 3.2 مرة عن ثاني أكبر مُنفق، الصين.
وبحسب البيانات الصادرة عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، قامت جميع الدول الخمس عشرة الأكثر إنفاقًا على الدفاع بزيادة موازناتها العسكرية خلال عام 2024 مقارنة بعام 2023، مع تسجيل معدلات نمو سريعة وملحوظة في كلٍّ من أوروبا والشرق الأوسط.
وفي هذا السياق، أنفقت الدول الخمس الكبرى، وهي الولايات المتحدة، الصين، روسيا، ألمانيا، والهند، ما مجموعه 1.635 تريليون دولار أمريكي (1.437 تريليون يورو)، أي ما يعادل نحو 60% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي.
وعلاوة على ذلك، أظهرت الدراسة أن الإنفاق العسكري العالمي، بعد احتساب التضخم والتغيرات في الأسعار، سجل ارتفاعًا بنسبة 9.4% على أساس سنوي، ليصل إلى 2.718 تريليون دولار (2.389 تريليون يورو).
ومع اقتراب الموعد النهائي لأهداف التنمية المستدامة 2030، يصبح من الضروري إعادة النظر في هذه الأولويات، وتحويل جزء من الإنفاق العسكري الهائل نحو ضمان حياة كريمة وآمنة لكل إنسان. فالقدرة على الحرب لا تعني بالضرورة القدرة على حماية الإنسان، والعالم الذي يملك تريليونات للحرب يمكنه بلا شك توفير الموارد الكافية لإنقاذ الأرواح وإنهاء الجوع.
المصادر والتقارير المعتمدة
معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)
تقرير “SIPRI Yearbook 2025 – Military Expenditure” قسم الإنفاق العسكري.
ورقة حقائق (Fact Sheet) من SIPRI – “Military Expenditure 2024” توضح الأرقام حسب المناطق والدول.
ملخّص التقرير السنوي 2025 من SIPRI (Yearbook Summary) يتضمن بيانات الإنفاق حسب المنطقة.
تقارير إعلامية موثوقة بناءً على بيانات SIPRI
PEACE RESEARCH INSTITUTE STOCKHOLM INTERNATIONAL
https://www.sipri.org/
defense news
https://www.defensenews.com/
الأمم المتحدة: الجوع والنزاع "وجهان لأزمة واحدة" ويهددان الأمن العالمي
https://news.un.org/ar/story/2025/11/1143739
ارتفاع انعدام الأمن الغذائي الحاد وسوء التغذية للعام السادس على التوالي في أكثر مناطق العالم هشاشة - تقرير https://www.fao.org/newsroom/detail/acute-food-insecurity-and-malnutrition-rise-for-sixth-consecutive-year-in-world-s-most-fragile-regions---new-report/ar?utm_source=chatgpt.com
تقرير للأمم المتحدة: الجوع ينخفض على المستوى العالمي ولكنه يرتفع في أفريقيا وآسيا الغربية
https://www.who.int/ar/news/item/03-02-1447-global-hunger-declines-but-rises-in-africa-and-western-asia-un-report?utm_source=chatgpt.com