عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    22-Feb-2021

المثقف وفوضى التحوّل*رندا حتاملة

 الدستور

لم تعد مقولة غوبلز قادرة على أداء دلالتها بتقديم ريبة وخوف السياسي من المثقف، ولم يعد تحسّس المسدّس واجباً في ظل تراجع صوت المثقف وتخاذله وموته وانطفاء جذوته، ففي ظل عولمة متغوّلة وحركة سريعة غير واضحة للأحداث والوقائع والمواقف، بات من الصعب تحديد رؤية واضحة يستند إليها المثقف لينطلق منها، لقد اختلطت فوضى السياسة بفقر المجتمعات بوباء كورونا وضجيج الإقتتال بجعجعة الوطنية، بحمّى الولاء بانفجارات الثورات بنزعة الحركات الجهادية، لم يعد الأمر بالوضوح والسلاسة والبطء الذي يمنح المتابع صورة فهمٍ جليّ، وبهذا تشوّشت رؤية المثقف وتداخلت مواقفه وخسر رهاناته أمام البحث عن ولاء ثابت يستند على قيمة صدق وحقّ. 
 
يغلي العالم تحت سعار نار الإمبريالية فيما تقابله محاولات يائسة عكسية لردع سياسته، وتتداخل الأحداث السياسية بضيق مصالحها بين الدول فتحصد الشعوب الموت والجوع والخوف واللاأمن واللااستقرار، شاهدنا ذلك في العراق ومصر وليبيا وسوريا واليمن والسودان وغيرها من بلاد العرب التي انتصرت فيها مصالح حكومات وهيئات ومنظمات على مصالح وأقوات الشعوب، ووقفت حاجات الدول الكبرى عائقا أمام الدول الصغرى، وفي هذا الخلط الرهيب وجد المثقف نفسه في حيرة بالغة، واضطراب لا يفصح عن جواب مهم لسؤال أهم وهو : أين الحقيقة؟
 
نعم أين الحقيقة في عالم تغوّل فيه كل شيء وسقطت منه كل قيمة وتراجعت عنه آمال الإنسانية المرجوة وبات اهتمامه بمادياته وأشيائه أكثر من اهتمامه بمعنوياته وقيمه؟
 
أين سيقف المثقف ومن يسائل وكيف ومتى؟ وعلى من يعوّل في فضاء يزخر بالتحوّل السريع في أحداثه السياسية والاجتماعية والثقافية والصحية والأمنية والغذائية وغير ذلك؟ ثم
 
ثم لمن يلجأ المثقف؛ أعني لأيّ صحيفة أو مؤسسة أو هيئة حتى يسند ظهره، ومن ثمّ تسند رؤاه التي يطلقها؟ 
 
أسئلة كثيرة في فضاء وواقع تجرّدا من إمكانية إطلاق صوت المثقف والثقافة كي تصلح وتغيّر وتبني وترهب وترعب في عالم لم يعد يهتم إلاّ لضيق مصالحه وسرعة سلب ونهب غنائمه. 
 
وهكذا فقد أصبحت مقولة جوزيف غوبلز وزير دعاية هتلر « كلما سمعتُ كلمة مثقف أو ثقافة تحسّستُ مسدّسي « من إرث الماضي، نعم لم يعد المثقف يُرعب ويُرهب مثل زمان، ولم يعد العسكري ولا حتى السياسي يتحسّس أحدهما أو معا مسدّسهما كلما وقعت كلمة مثقّف أو ثقافة على مسمعهما، لم يعد شيء من ذلك يحدث في ظل تسارع أفضى إلى تكوين مثقف - ونخصّ هنا بطبيعة الكتابة المثقف العربي – حائر مفتقد لأدوات معرفية ثابتة ولو لبرهة من الزمن، ينظر كغيره من العوام إلى حركة الحياة والتاريخ الهادرة وهي تتحرّك بسرعة قطار تي جي في. 
 
لا يملك أن يدلي بدلوه أو يقدّم رأيه أو يصحّح مسار حركة خاطئة. 
 
لقد حدث ما حدث في العشريتين الأخيرتين من حروب واستلاب أرض وتقسيم شعوب وتفتيت دول وهروب رؤساء وتداخل سياسات وتصفية حسابات واهتزاز مرافئ وتراجع قوى وتصاعد أخرى من دون أن يكون للمثقف صوته وحضوره وسط جعجعة الحروب وأشلاء الضحايا وتنمّر السياسات. 
 
لم يعد سوى مثقف السلطة، ذلك المثقف المهادن الذي يعيش تحت أجنحة السُلط التي تملي عليه رؤاه وأقواله وتستخدمه كبيدق شطرنج يكسب لها على رقعة السياسة المشتعلة سريعة الإحتراق والتغيّر.