الغد-محمد الكيالي
تطرح المعطيات السياسية والعسكرية الراهنة، تساؤلات جوهرية حول مدى قدرة اتفاق وقف إطلاق النار بين الاحتلال وإيران برعاية أميركية، على الصمود في وجه التحديات، فبرغم أنه جاء بعد جولة تصعيدية غير مسبوقة أُطلقت فيها ضربات عسكرية نوعية، فإن التقاء المصالح الإستراتيجية للأطراف، يعزز فرضية استمراره على المدى القريب وربما المتوسط، لا بوصفه حلا نهائيا، بل كمرحلة لالتقاط الأنفاس وإعادة تموضع إقليمي.
هشاشة البدائل المتاحة
خبراء سياسيون، يرون أن ما يضمن صمود الاتفاق، ليس قوة الالتزامات بين الأطراف، بل هشاشة البدائل المتاحة لكل طرف على حدة. فالولايات المتحدة التي تتخبط في أزماتها الداخلية، وتواجه انقساما سياسيا حادا، ليست في موقع يسمح لها بخوض نزاع مفتوح مع إيران.
أما كيان الاحتلال الذي نجحت بتحقيق مكاسب أمنية واستخباراتية خاطفة خلال 12 يوما من التصعيد، فقد وجد نفسه أمام معارضة داخلية متصاعدة، وتكلفة اقتصادية متنامية ما دفعها لتفضيل التهدئة على الاستمرار في حرب استنزاف.
وفي إيران التي تلقت ضربة موجعة، استهدفت عمقها العسكري والسياسي، بدت حريصة على ضبط النفس وتفادي الانجرار لمواجهة مباشرة حفاظا على تماسكها الداخلي واستقرار نظامها.
وبينما تتكتم الأطراف على تفاصيل الاتفاق، توضح المؤشرات أن المرحلة المقبلة، ستكون محكومة بالرصد المتبادل والتحرك ضمن هوامش ضيقة، تُراعي ميزان الردع دون كسره، ما يجعل الاتفاق برغم هشاشته، قابلا للصمود بفعل منطق الضرورة أكثر من كونه تعبيرا عن توافق حقيقي أو تسوية مستدامة.
حل مرحلي
رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية د. خالد شنيكات، توقّع بأن يصمد الاتفاق الثلاثي الأخير بين الولايات المتحدة وكيان الاحتلال وإيران على المدى القصير وربما المتوسط، باعتباره حلا مرحليا يخدم مصالح الأطراف جميعا.
وأوضح شنيكات أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لا يرغب في التورط بحرب طويلة الأمد مع إيران، ويفضّل توجيه ضربات محدودة وفعالة، وهو ما تحقق – بحسب رأيه – عبر العملية العسكرية الأخيرة، التي جرت بلا تكلفة بشرية أو مادية تذكر، وربما حتى بتنسيق مسبق عبر قاعدة "العديد" الأميركية.
وقد أعلن ترامب، أن هذه الضربة نجحت بتدمير البرنامج النووي الإيراني، دون أن تنجرّ واشنطن لصراع مفتوح.
وبشأن كيان الاحتلال، الذي كان المبادر للهجوم، فقد تمكن خلال 12 يوما فقط، من تحقيق مكاسب أمنية واستخباراتية، ما كانت لتُنجز عبر القنوات الدبلوماسية، إذ استهدفت وقتلت قرابة 14 عالما نوويا إيرانيا، وألحقت ضررا بالغا بالبرنامج النووي، بخاصة في منشأة "فوردو"– برغم الغموض بشأن حجم الدمار النهائي هناك.
ووفق الكيان، فقد جرى ضرب منظومة الصواريخ الإيرانية من مخازن وقاذفات وحتى المصانع المحتملة لإنتاجها.
وأشار شنيكات، إلى أن الكيان بعد هذه النتائج، لا يجد في استمرار الحرب خيارا مجديا نظرا لما قد يسببه من استنزاف غير مرغوب به وهو ما يدفعها للاكتفاء بضربة خاطفة حاسمة ومحدودة، دون التورط في جولات طويلة.
ضربة غير مسبوقة
أما إيران، فقد كانت الضحية الأكبر في هذه المواجهة، إذ تعرضت لضربة غير مسبوقة أسفرت عن مقتل عدد من قادة هيئة أركانها، ما شكّل صدمة للنظام السياسي. ومع ذلك، يبدو أن طهران ما تزال تفضل الحلول الدبلوماسية ولم تكن راغبة أصلا في الذهاب نحو المواجهة العسكرية، حتى قبل الضربة الإسرائيلية.
وقد عبّر وزير الخارجية الإيراني، مؤخرا، عن عدم رغبة بلاده في التصعيد.
وأضاف شنيكات، أن هذه الضربة شكّلت سابقة في استهداف مراكز النفوذ داخل النظام الإيراني.
وأضاف "بينما يتكتم الكيان حتى الآن على حجم العملية وتفاصيلها، فما يزال رد إيران محدودا نسبيا في هذه المرحلة، ما يعكس رغبة ضمنية باحتواء التصعيد".
وأكد شنيكات أن ما بعد الاتفاق، سيكون مرحلة جديدة من الرصد والمتابعة، بخاصة أن تفاصيل الاتفاق لم تُكشف بعد، سواء فيما إذا كانت تشمل فقط الملف النووي أم تمتد لتطال البرنامج الصاروخي وسلوك إيران الإقليمي.
ورجّح أن يلجأ الكيان في هذه المرحلة لأدوات استخباراتية، وربما يسعى لتحريك الشارع الإيراني بدعم احتجاجات داخلية، في محاولة لإضعاف النظام من الداخل، دون الدخول في مواجهة مباشرة جديدة.
الكيان يحتاج لوقف الاستنزاف
من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الألمانية الأردنية د. بدر الماضي، إن المؤشرات الحالية كافة، تدل على أن الاتفاق الأخير لوقف إطلاق النار قد أُبرم ليصمد لفترة طويلة، استنادا على اعتبارات تهم جميع الأطراف، بخاصة الجانبين الرئيسين في هذا الصراع: إيران والكيان.
وأوضح الماضي، أن الكيان بات بحاجة ماسة لتجنب الاستنزاف العسكري والاقتصادي، فيما تسعى إيران من جهتها للحفاظ على استقرار نظامها السياسي. وقال "كلما تصاعدت هجمات الاحتلال ضد طهران، زادت معها احتمالية تفكك الجبهة الداخلية الإيرانية، التي تعاني أصلا من هشاشة واضحة نتيجة التعدد الإثني والسياسي والديني داخل البلاد".
وأشار إلى أن كيان الاحتلال، بدورها، لا تستطيع الاستمرار بخوض حروب متزامنة خاصة في ظل تنامي المعارضة الداخلية التي ترفض استمرار الحرب، وتعارض تشتيت الجهود الوطنية. وقد انعكس هذا الرفض الشعبي في تراجع مؤشرات الاقتصاد والسياحة والقطاع المالي، ما خلق إرباكا داخل دوائر حكم الكيان، ودفع باتجاه التركيز مجددا على جبهة غزة والتخفيف من التصعيد تجاه إيران.
وعلى صعيد السياسة الدولية، أشار الماضي إلى أن الولايات المتحدة التي ترعى هذا الاتفاق، تعيش هي الأخرى أزمة داخلية مركبة، بخاصة في ظل إدارة ترامب، الذي يواجه ضغوطا اقتصادية وأزمات في قطاع الطاقة، إلى جانب أزمة تتعلق بشرعيته أمام قاعدته الاجتماعية الواسعة.
كما أن الانقسام السياسي في الكونغرس، والذي طال حتى صفوف الحزب الجمهوري الداعم التقليدي لترامب ساهم بتعقيد المشهد الأميركي. مبينا أن تقاطع المصالح الإستراتيجية بين الدول الثلاث – إيران والكيان والولايات المتحدة – شكل أرضية صلبة لولادة هذا الاتفاق، ومن شأن هذه التوازنات أن تضمن، استمرارية وقف إطلاق النار وصموده في المرحلة المقبلة.
طوق نجاة لإيران
من جانبه، أوضح الخبير العسكري نضال أبو زيد، أن اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وكيان الاحتلال لم يكن وليد اللحظة، بل يبدو أنه جرى التفاهم عليه خلال زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى موسكو، ثم جرت بلورته وتطبيقه فعليا، عبر قنوات التنسيق في واشنطن.
واعتبر أن هذا الاتفاق، مثّل مخرجا عاجلا للطرفين، إذ أنقذ الكيان من نزيف الخسائر والاستنزاف العسكري، وفي الوقت ذاته شكّل طوق نجاة لإيران من التآكل المتسارع في بنيتها السياسية والعسكرية.
وأوضح أبو زيد، أن مؤشرات نجاح الاتفاق تبدو أكثر ترجيحا من احتمالات فشله، مستندا في ذلك على سلسلة مؤشرات ميدانية وسياسية، من بينها قرار قيادة الاحتلال بتخفيف القيود الأمنية عن الجبهة الداخلية، وتخفيض مستوى التأهب العسكري، فضلا عن تصريحات ترامب التي شدّد فيها على ضرورة التزام الكيان بالاتفاق، ما يعكس وجود إرادة سياسية لتثبيت التهدئة.
وأشار إلى أن إيران، ما كانت لتوافق على وقف إطلاق النار لو بقيت المعادلة صفرية، أي دون مكاسب تُذكر، مرجّحا أن قصف قاعدة "العديد" الأميركية في قطر، مثّل بالنسبة لطهران رصيدا معنويا مهما، وليس إنجازا عسكريا بحتا، ما قد يفسّر القبول السريع والعلني من جانبها لقرار التهدئة، برغم الخسائر الكبرى التي تكبّدتها.
وأشار إلى أن أهم الدروس التي يمكن استخلاصها من العمليات العسكرية بين إيران والاحتلال، أن الاحتلال على ما يبدو، بعيدا عن حروب الجيل السادس، بنى عقيدته القتالية على مجابهة الفصائل المسلّحة والمجموعات الصغيرة، أو ما يعرف بـ"اللاعب خارج إطار الدولة".