عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    26-Nov-2024

واشنطن و"الجنائية الدولية"*محمود خطاطبة

 الغد

ما بين تهديد ورفض، واحترام وترحيب ودعم، تكمن محاور إدارة البيت الأبيض التي انتهجتها، وأصبحت ديدنا واضحا في سياستها، وخصوصًا فيما يخص قرارات المحكمة الجنائية الدولية، في صورة تؤكد ما هو مؤكد بأن المعايير الأميركية تعتمد «الازدواجية»، وباتت أسلوبًا مُتبعًا في كُل القضايا المصيرية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، أو دول العالم الأُخرى بشكل عام.
 
 
فعندما يتعلق الأمر بدولة عربية أو إسلامية أو مسؤوليها، أو دولة لا تسير على خُطى الولايات المُتحدة الأميركية، فإن الأخيرة تُرحب وتدعم تلك القرارات، وذلك ما حصل تمامًا عندما أصدرت المحكمة قرارات ضد الرئيسين السوداني الأسبق، عمر البشير، والروسي الحالي فلاديمير بوتين، قائلة إنه «يجب تنفيذ القرار» المُتعلق بكُل منهما.
 
أما عندما يتعلق الأمر بدولة الاحتلال الإسرائيلي (ربيبة أميركا)، فإن قرار «راعية الديمقراطية والحُريات» في العالم، يكون الرفض، لا بل ويصل الوضع إلى درجة التهديد والوعيد.. وذلك ما حصل تمامًا عندما أصدرت «الجنائية الدولية» مُذكرة اعتقال بحق رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ووزير حربه المطرود، يواف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب خطيرة، وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.
وتسابق أركان الإدارة الأميركية بالرفض تارة، وتوجيه التهديد لـ»الجنائية الدولية» وقضاتها تارة أُخرى، ووصل الأمر إلى حد نعت المحكمة بأن «ليس لها مصداقية»، على الرغم من أن 124 دولة في العالم تعترف بها، فضلًا عن أنها «لا تتمتع بولاية قضائية».. وبدأ بعضهم يُردد الأسطوانة المشروخة، القائمة أصلًا على الكذب والافتراء، بأن ذلك يُعتبر «مُعاداة للسامية».
صحيح بأن قرار المحكمة لا يُعيد حقًا مُغتصبًا، أو أرضًا مسلوبة، ولا طفلًا أو شيخًا أو امرأة استشهدوا، جراء همجية العدوان الصهيوني وبربريته، التي لم يسبق لها مثيل، إلا أنه نستطيع القول بأنه يُشكل علامة مُميزة في مجال العدالة والمساءلة، وقد يكون سببًا رئيسًا لرفع الغطاء عن رئيس العصابة الصهيونية، نتنياهو، أو بداية لذلك.
ومن شأن مُذكرة الاعتقال تلك، أن تضع العالم الغربي (المُتحضر)، الذي يصف نفسه بأنه أب للحُريات والديمقراطية والعدالة، في حرج، خصوصًا أنه يواصل دعم الاحتلال الإسرائيلي بما يرتكبه من إبادة جماعية بحق العزل في قطاع غزة، وكذلك لبنان.. وأعتقد أن ذلك العالم «المُتحضر» الآن بين خيارين، أحلاهما مر، فإما أن يسرف ويمُعن بمواصلة الدعم والمساعدة لكيان وحشي غاصب، أو ينسلّ رويدًا رويدًا من ذلك الدعم، خصوصًا أن هامش المُراوغة بدأ يضيق.
وقد يكون قرار «الجنائية الدولية» في المُستقبل، أكان قريبًا أم بعيدًا، سببًا رئيسًا لأن يأتي الدور على الإرهابيين الأصلاء في العالم، فمهما نسي الناس، أو خانتهم ذاكرتهم، فإنهم سيبقون يتذكرون مجازر ارتكبت، بدم بارد، وتكبر وعنجهية، وهو ما حصل في العراق وأفغانستان، ومن قبله في العامرية وسجن أبو غريب، وقديمًا في ناجازاكي وهيروشيما، وكذلك أفريقيا.
المُجتمع الدولي الآن مُطالب بالتحرك الفعلي لتفعيل أو تطبيق قرار «الجنائية الدولية»، بُغية مُحاسبة المسؤولين عن الجرائم المُرتكبة بحق الفلسطينيين، وضمان حمايتهم، حتى وإن كانت هُناك دول عُظمى أو مُهمة صرّحت بأنها غير معنية بتنفيذ قرار المحكمة ذلك، ونأمل أن يكون ذلك مُقدمة لأن يصحى ضمير الإنسانية.