عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    07-Mar-2020

إعادة احتساب المسار - يوسي بيلين

 

إسرائيل هيوم
 
نتائج جولة الانتخابات الثالثة ليست وثيقة ذات صلة من ناحية محكمة العدل العليا. حتى لو قررت المحكمة بان بنيامين نتنياهو يمكنه أن ينتخب لرئاسة الوزراء – إذا توفرت له أغلبية في الكنيست – فهذا لن يكون لان الليكود تفوق على أزرق أبيض ببضعة مقاعد.
كان من حقه ان يترأس قائمة الليكود، وكان من حق المقترعين ان يؤيدوا قائمة برئاسته، اقل من ثلث الناخبين أيدوا الليكود، وفي دولة القانون ليس في هذا ما يعفي شخصا موجهة إليه ثلاثة اتهامات جسيمة من المحاكمة.
من حيث الجوهر – لما كان التمييز الذي أجراه المشرعون بين الوزير وبين رئيس الوزراء بشأن الاستحقاق لمواصلة أداء مهام المنصب لم ينبع الا من الرغبة في عدم خلق صدمة سلطوية كنتيجة لاستقالة الحكومة في اعقاب استقالة رئيسها ولما كان الوضع الحالي لا يرتقي إلى أي صدمة، لان الحكومة هي حكومة انتقالية، وعلى أي حال ينبغي تشكيل حكومة جديدة، فمشكوك جدا أن تجد محكمة العدل العليا سببا قانونيا ما لمنح نتنياهو الامكانية لمواصلة تولي المنصب الاهم والاكثر حساسية في اسرائيل بينما يتعين عليه أن يمتثل لمحاكمته.
قيم وليس أطرا
ان النتيجة المتواضعة التي حققتها القائمة المشتركة للعمل، غيشر وميرتس تحزن، بالطبع، الموقع اعلاه ولكن بقدر ما يتعلق الأمر بالاطر فانه يصعب علي أن أحس بالحنين. فالفكرة أهم بكثير، والفكرة حية ترزق عندنا وفي العالم ايضا. الكثير من الافكار التي وضعها العمل وميرتس قبلها الجمهور الغفير كامور مسلم بها: في المجال الاقتصادي الاجتماعي يدور الحديث عن دولة الرفاه، التي تأخذ الضرائب من الجمهور وتقدم الخدمات للجميع والمخصصات للجميع. المساعدة للضعيف في المجتمع لا تتم انطلاقا من الرأفة والرحمة بل لان القانون يلزم بذلك، وهذا مفهوم اجتماعي ديمقراطي حتى اليمين تبناه.
في المجال السياسي اصبح حل الدولتين حجر الزاوية حتى في خطة ترامب، التي تبناها اليمين بل واجزاء في اليمين العميق بحماية شديدة. فالفهم بان من يعارض تقسيم البلاد يؤدي الى الابتعاد عن تعريف اسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية مقبول اليوم من الجميع تقريبا.
فهل يدور الحديث عن نهاية هذه الاحزاب؟ لا يمكن أن نعرف حتى الان. مؤيدوها لم يتبخروا، والوسط – اليسار لن ينهار، بل يوقف عربته في أزرق أبيض وفي قسمه الصغير – في القائمة المشتركة.
يحتمل جدا أنه اذا جرت الانتخابات التالية بعد أربع سنوات، فاننا سنرى انتشارا مختلفا في الجانب الليبرالي من الخريطة. يحتمل الا ينجح أزرق أبيض في الوجود بسبب التناقضات الكثيرة التي بين عناصره، وهؤلاء سيعودون “الى الديار”، الى احزابهم السابقة. ويحتمل أيضا أن يحصل العكس، ويقوم حزب وسط – يسار صهيوني كبير تحت جناحي أزرق أبيض. على اي حال فان الصوت الذي يصر على حقوق الانسان، والصوت الذي يدعو الى السلام مع الفلسطينيين، سيسمع بصوت جلي وعال في الكنيست الـ 23 ايضا.
وبالنسبة لنجاح القائمة المشتركة: تصويت العرب مواطني إسرائيل كان – ضمن امور اخرى – تعبيرا عن اعترافهم بنجاعة الديمقراطية الإسرائيلية، بان لتصويتهم يوجد معنى، وبانه مع كل غضبهم على المؤسسة الرسمية وعلى التمييز، وعلى التاريخ الاليم، فليس الجميع متشابهين. يوجد فرق بين اليمين المحافظ، الذي يتباهى بالتشريع التمييزي، وبين المعسكر الليبرالي، على الوانه، البعيد عن أن يكون كامل الأوصاف، وعلى الرغم من ذلك يرى فيهم من هم جديرون بحقوق متساوية.
ان حقيقة أن ائتلافا بين أحزاب صهيونية وبين القائمة المشتركة لم يكن عمليا في اي واحدة من الجولات الثلاثة، لا تنبع فقط من ظاهرة التجمع الديمقراطي، بل وايضا بسبب الفكر الاشكالي لاناس يؤمنون بحل الدولتين، يؤمنون بالتعاون اليهودي العربي والقاسم المشترك بينهم وبين معسكر السلام الصهيوني والعلماني واسع جدا. لقد كان رئيس القائمة المشتركة، ايمن عودة هو الذي وجد من الصواب ان يعلن عشية الانتخابات الأخيرة بان “الأغلبية اليهودية هي مفهوم عنصري”. إذا كانت الأغلبية هي مفهوم عنصري، فان الدولة اليهودية هي الأخرى مفهوم عنصري، والصهيونية ايضا هي عنصرية. فهل هذا ما يعتقده هذا الرجل المنطقي والبراغماتي، الذي اصبح في السنوات الاخيرة وجه الجماعة التي تشكل خُمس مواطني إسرائيل؟
النقيض للعنصرية
لست مستعدا لان أقبل بان هذه هي اقوال تقال قبل الانتخابات. فممثلو الجمهور يفترض أن يكونوا مربي الجمهور، قبل الانتخابات وبعد الانتخابات، وعليهم أن يحذروا في اقوالهم. بودي أن اصدق بان عودة يعرف جيدا بان مبدأ الأغلبية اليهودية هو النقيض للعنصرية، وان الفكرة تأتي لاستبعاد امكانية الدولة اليهودية حتى بدون اغلبية يهودية. اذا كان يعرف هذا، فانه قوله خطير على نحو خاص.
لقد جاءت الفكرة الصهيونية في السنوات التي كان فيها استعمار في ذروته، رغم انه لم يكن شيء بينها وبين الاستعمار، باستثناء الخطة لاستغلال حقيقة أن القوى العظمى الاوروبية كانت تسيطر على الاراضي في اجزاء اخرى من العالم، وكان بوسعها أن تعرض على الشعب اليهودي المضطهد والمظلوم قطعة بلاد يمكنه ان يعيش حياته فيها. كان واضحا منذ البداية ان قطعة البلاد هذه، كائنا ما كان مكانها ستوجد فيها اغلبية يهودية كي لا يكون وضع تسيطر فيه اقلية على اغلبية بخلاف اماكن اخرى في العالم، (مثلما في جنوب افريقيا مثلا).
حتى عندما ارتكب اليمين في البلاد خطأيه التاريخيين الرهيبين، حين عارض مشروع التقسيم للجنة بيل في 1937، وحين عارض مشروع التقسيم للامم المتحدة بعد عشر سنوات من ذلك، لم يتصور بديل اقامة دولة قبل خلق أغلبية يهودية، وفضل الانتظار الى حين نشوء مثل هذه الاغلبية.
ان كفاح هرتسل لنيل “ميثاق” يسمح لليهود بان يقيموا لانفسهم وطنا قوميا كي يسمح لهم هذا ان يستوعبوا يهودا آخرين، لم ينته عندما توفر الميثاق مع إعلان بلفور، وبعد ذلك من عصبة الأمم. صحيح أنه من ناحية العرب الذي كانوا يعيشون في فلسطين في تلك الفترة كان اعلان بلفور مثابة التجاهل لوجودهم في صالح جمهور واصل العيش في اوروبا، ولكن من ناحية الشعب اليهودي كان واضحا تماما ان هذا الوعد العالمي بذاك الوطني القومي لن يتحقق الا اذا نشأ في تلك الوحدة الاقليمية التي ستخصص للشعب اليهودي أغلبية يهودية.
لا يمكن ان نتوقع من العرب الذين عاشوا هم وآباؤهم وآباء آبائهم في هذه البلاد، ورأوا بوصول ابائنا الى هنا غزوا ودحرا لارجلهم، ان يستقبلوا بالترحاب الفكرة الصهيونية. يوجد بيننا عرب ويهود، حوار متواصل في مسألة من “الضحية اكثر”، ومعقول الافتراض الا نتمكن من الاتفاق على ذلك، ويحتمل ألا يكون هذا مهما جدا. ولكننا نجحنا في أن نثبت لانفسنا بان الحياة في جيرة قريبة، ممكنة. نحن لا نسارع الى التخلي عنهم، وهم لا يسارعون الى التخلي عنا. رغبتنا في اغلبية يهودية بعيدة عن العنصرية كبعد الشرق عن الغرب، طالما لا تنطوي على هذيانات بالترحيل والطرد لغرض تحقيق هذه الاغلبية؛ يدور الحديث عن النقيض لذلك: استعداد لان نقلص بشكل ذي مغزى مجال السيطرة الإسرائيلية، كي نضمن أغلبية يهودية من أجل أن نضمن الا يكون ابدا يهود بلا وطن، وان تقوم الى جانبنا دولة فلسطينية تكون فيها اغلبية فلسطينية.