عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Feb-2025

قمّة خماسيّة في الرّياض لبناء موقف عربي موحد| د. صلاح العبّادي
الرأي
 
عمون-
د. صلاح العبّادي
 
تأتي القمّة الخماسيّة التي تستضيفها الرّياض الخميس المقبل على مستوى قادة الدول، بمشاركة المملكة الأردنيّة الهاشميّة، وجمهورية مصر العربيّة والامارات العربيّة المتحدة، وقطر؛ لبناء موقف عربي موحد رافض لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والمتمثلة في تهجير أهالي قطاع غزّة.

هذه القمّة يأتي إنعقادها قبل أسبوع من عقد القمّة العربيّة الطارئة التي ستستضيفها القاهرة في السابع والعشرين من الشهر الجاري، ستناقش الدور العربي في تقديم الدعم والإسناد لقطاع غزّة المنكوب والذي تبلغ مساحته نحو 362 كم مربعاً، وإعادة إعماره؛ حيث يقطنه ما يزيد عن ملوني نسمة برؤية ومنظور عربي لتمكين أهالي القطاع من بقاء في أرضهم وإمدادهم بإنسيابيّة مقومات الحياة التي أفقدتها الحرب.
القمّة المرتقبة من المنتظر أنّ تقول كلمتها الواحدة، وإطلاق الموقف العربي الموحد تجاه القضيّة الفلسطينيّة، وتقديم سيناريوهات عربيّة حول إدارة المشهد في غزّة.

الموقف العربي الموحّد من شأنه أنّ يعبّر عن رفضه المساس بثوابت القضيّة الفلسطينيّة، وأهمها بقاء الشعب على أرضه، وعدم سلبه حقّه في تقرير مصيره، وإطلاق عرضاً موسعاً ودقيقاً بشأن خطط وبرامج التعامل مع الوضع الكارثي في غزّة؛ لتنفيذ الإغاثة العاجلة والتعافي المبكر، ولإعادة الإعمار.
كما من المتوقع أنّ تؤكّد القمّة رفض مقترحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتهجير سكان القطاع الذي وصفه بأنه مكان مدمر، والسيطرة عليه وتحويله إلى "ريفيرا الشرق الأوسط".

الإدارة الأميركية لم تعد متمسكة في خيار التهجير، بل تحولت في تصريحاتها التي جاءت على لسان وزير خارجيتها وقال" بأنّ المجال متاحاً لتقديم مقترحات عربيّة".

هذا التحول جاء بعد اللقاء الذي جمع جلالة الملك بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض الثلاثاء الماضي، وتمسك جلالته بموقفه الرافض للتهجير.


منذ إندلاع أحداث السابع من تشرين أول عام 2023 وإسرائيل تدفع مستوطنيها للتضييق على الفلسطينيين في مناطق الضفة الغربيّة المختلفة، لتنفيذ أجندتها في إفراغ الأراضي الفلسطينيّة من ساكنيها، وهو ما تندد به عمّان بشكل مستمر، لأن الدفع بتهجير أهالي الضفة، ومن ثم "القطاع"؛ يعني إجهاض حلّ الدولتين، وتصدير إسرائيل لأزمتها إلى دول الجوار وهو يخالف ما تطالب به المملكة الأردنيّة الهاشميّة في كافة المحافل الدوليّة؛ ورؤيتها الثاقبة بأن أمن واستقرار المنطقة ينطلق من " حلّ الدولتين" وإقامة الدولة الفلسطينيّة المستقلّة عند حدود الرابع من حزيران لعام ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية.

الأردن ومصر تخشيان دوماً من محاولات إسرائيل إفراغ الضفّة وغزّة من ساكنيها، وترحيلهم إلى أراضيها، ما يعني في محصلة الأمر تصفية القضيّة الفلسطينيّة، وإنهاء حلّ الدولتين الذي تنادي به المملكة في المحافل الدوليّة كافة.

الأردن يرفض بشكل مطلق بأن يكون "الوطن البديل" للفلسطينيين، بعدما جرى الحديث عن ذلك في إطار ما عرف بـ"صفقة القرن"، والتي روج لها مهندسها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في فترته الرئاسية الأولى.

التهجير يعني إفراغ الضفة وغزّة من ساكنيها، على حساب المملكة ومصر بالمقام الأول، وهو ما يتطلب بناء موقف عربي قوي وموحد، وأن تعي الولايات المتحدة الأمريكيّة بأن اصرارها على تنفيذ مخططاتها قد يدفع ببعض الدول العربيّة لإعادة النظر في تحالفاتها الدوليّة ويغير موازين القوى في العالم؛ وهو أمر لا يخدم سياسات الولايات المتحدّة في الشرق الأوسط.
الموقف الأردني تجاه القضيّة الفلسطينيّة واضحاً ومشرّفاً ويتمثل بأن "حلّ القضيّة الفلسطينيّة هو في فلسطين، وأنّ الأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين".
وثوابت المملكة لم ولن تتغير، وهي تثبيت الفلسطينيين على أرضهم ورفض سياسات التهجير القسري وتجفيف منابع مسبباتها.
المملكة الأردنيّة الهاشميّة التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين، وجنسيات عربية أخرى، تعاني فيه من صعوبات اقتصادية جراء ما تتحمله من أعباء، في وقت تتخوف فيه من تصفية القضيّة الفلسطينيّة.

خطة التهجير من قطاع غزّة ستفشل كما فشلت الحرب الإسرائيليّة على القطاع التي استمرت 471 يوماً لدفع الفلسطينيين على مغادرة أراضيهم في قطاع غزّة رغم الدمار الهائل، والجرائم ضد الإنسانيّة التي ارتكبتها آلة الحرب ضد القطاع الذي قدّم ما يزيد عن ٤٨ ألف شهيداً وأكثر من ١١١ ألف جريحاً ودمّرت ما يزيد عن ٣٥٠ ألفاً من مبانيه.
مواجهة هذه الخطط يتطلّب كل السبل المتاحة؛ لتثبيت الفلسطينيين في أرضهم، وإفشال كل المخطّطات الهادفة إلى إجبارهم على الخروج منها.

دوافع خطة التهجير تكمن في الرغبة بخدمة الإسرائيليين بتوسيع رقعة أرضهم وبسط سيطرتهم على مزيدٍ من الأرضي الفلسطينيّة؛ وتصفية القضيّة الفلسطينيّة، وتصدير مشاكل إسرائيل إلى دول الجوار، ورفع العبء الأمني والاقتصادي عن السلطات الإسرائيليّة.

السياسات التي اعتمد عليها الجانب الإسرائيلي في محاولات التهجير تتمثل في تنفيذ المجازر بحق بعض القرى الفلسطينية، وترهيب الفلسطينيين لدفعهم إلى مغادرة أراضيهم،.

إسرائيل تواصل اليوم ممارسة سياسات قهريّة رفعت من كلفة عيش الفلسطينيين في أراضيهم، وهو ما ولّد حالة تهجير صامت وبطيء، وهي سياسات شملت التضييق الاقتصادي عليهم، وهدم منازلهم، والسيطرة على الأراضي، وتقييد الحركة، والاعتقالات، وتكثيف السياسات الأمنيّة، على أمل أنّ تدفع هذه السياسات مجتمعة في آن واحد بكثير من الفلسطينيين، وخصوصاً الشباب والنخب العاملة والمتعلمة، إلى البحث عن فرص في الخارج !

يستمر الجانب الإسرائيلي في اقتطاع الأراضي الفلسطينية في الضفة وبناء المستوطنات فيها، وتطبيق سياسات ترحيل وتضييق على الفلسطينيين في كلٌّ من الضفة والقدس.

تعكس هذه السياسات أنّ مشروع السيطرة على كامل الرقعة الفلسطينية هو الأكثر حضوراّ في مخيلة سلطات الاحتلال الإسرائيلي، خاصّة بعد تصدُّر القيادة اليمينيّة المتطرفة اليوم للمشهد السياسي هناك.

القمة الخماسيّة تأتي للتعبير عن رفض أي محاولة لتهجير الفلسطينيين ضمن إطار موحد، باعتبار ذلك انتهاكاً للقانون الدولي، وتهديداً مباشراً للأمن القومي العربي، واتخاذ موقفاً موحداً رافضاً لهذه الخطط، والعمل على ضمان استمرار إيصال المساعدات الإنسانيّة والطبيّة للفلسطينيين وتوفير مقومات الحياة لهم، وإعادة الإعمار برؤية عربيّة عربيّة دون تهجيرهم من أرضهم.


الرأي