عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    14-Nov-2019

سلطة الخوف - بقلم: عميره هاس

 

هآرتس
 
صاروخ أصاب أول من أمس في الساعة العاشرة صباحا الطابق الخامس في مبنى المكاتب “الحرارة” في مركز مدينة غزة، مقابل مبنى المجلس التشريعي الفلسطيني. هذا صاروخ كان يجب أن يصل إلى أراضي إسرائيل، لكن ضاعت الفرصة من مطلقيه. الذين يتوقع أن يكونوا من الجهاد الإسلامي بالتأكيد. وللسخرية أنه أصاب مباشرة مكاتب الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان التي تشرف على تصرف السلطات الفلسطينية وتقدم التقارير عن الاخلال بحقوق الانسان والمواطن في الضفة الغربية وفي قطاع غزة.
مصادر إسرائيلية قالت للصحيفة إن الصاروخ غير إسرائيلي. ولكن يمكن الاستنتاج بأن الأمر يتعلق بصاروخ محلي حتى من الصمت الذي فرضته على نفسها مواقع الاخبار الفلسطينية. فهي لم تبلغ عن الدمار الذي سببه للطابق الاسفل من الطوابق الثلاثة التي تحتلها الهيئة في المبنى الفاخر. في غزة يصعب اخفاء سقوط صاروخ أو قذيفة محلية في القطاع، لكن ما قيل بالهمس لا يتم الابلاغ عنه من قبل وسائل الإعلام الفلسطينية، وبالتأكيد ليس في وقت حدوثه. وحتى بدون أوامر من أعلى فان الرقابة الذاتية تعمل. بعض المواقع نشرت النبأ لصحف الهيئة، التي تريد من المجتمع الدولي التحقيق وتدين التصعيد الذي خلقته اسرائيل مع تصفية القائد الكبير في الجهاد الاسلامي، بهاء أبو العطا، الذي قتل زوجته أسماء، واصيب ثمانية اشخاص آخرين.
موظفان من الهيئة في الطابق الخامس الذي اصيب صعدا قبل بضع دقائق الى الطابق السابع من اجل التدخين، وبهذا نجيا من الاصابة. نحو 8 موظفين آخرين، الذين جاءوا في الصباح، كانوا في مكاتبهم في الطابق السادس. احدهم اصيب اصابة طفيفة. رجال جهاز الامن الداخلي في سلطة حماس ورجال الدفاع المدني وصلوا الى المكان وجمعوا شظايا الصاروخ. وتصعب معرفة هل ومتى سيتم تسريب امور حول ما حدث لاحقا. هل سيتم اجراء تحقيق في محاولة لفهم لماذا سقط الصاروخ في هذا المكان، وهل سيتم توبيخ شخص ما أو ستتم معاقبته.
في الوقت الذي سقط فيه الصاروخ في مكتب الهيئة كان معروفا أن نصف دولة إسرائيل اغلقت بسبب صواريخ الجهاد الإسلامي. السكان في القطاع سمعوا اشخاصا اسرائيليين اجريت معهم مقابلات وهم يتحدثون علنا عن ذعرهم. هذا الذعر الإسرائيلي والتقارير عن مغادرة البيوت في غلاف غزة، اعتبر في السابق انجاز للتنظيمات الفلسطينية، وعلى رأسها حماس والجهاد. القدرة على “الرد” على الاسرائيليين على كل جولة هجمات عسكرية والتسبب بخوفهم خلال شل مؤقت لحياتهم الروتينية، رفعت من مكانة المنظمتين، لا سيما في نظر فلسطينيين يعيشون خارج القطاع. ولكن عددا لا يحصى من الجولات المشابهة للتخويف المتبادل وغير المتناظر اثبت أن عدد المصابين في الطرف الفلسطيني وحجم الضرر للاقتصاد والاملاك والبنى التحتية في القطاع هي اكبر بأضعاف.
عندما تتبع حماس تكتيك التخويف المضاد، يمكن أن ننسب له هدفا ومنطقا سياسيا ما. ويمكن الافتراض بأن حماس عرفت كيف تضع حدود للجولة العسكرية لأن لديها مسؤولية وعليها الاصغاء لما يعتمل في قلوب السكان. لدى الجهاد الذي ليس لديه طموحات للقيادة والمشاركة في الانتخابات، التخويف والانتقام (الحق في الرد) تصبح هدفا. يصعب ان نضع لها حدودا بدون هدف سياسي محدد (باستثناء تحرير كل فلسطين). أول من أمس بعد الظهر أعلن متحدثو الجهاد بأنهم لم يردوا حقا على التصفية، في محادثات شخصية، الفلسطينيون في القطاع لا يضعون رقابة على انفسهم: هذا يخيفهم جدا.
موظفو الهيئة الذين جاءوا في الصباح الى المكتب الرئيسي في غزة كانوا من سكان القطاع المعدودين الذين خرجوا من البيوت صباح أول من أمس. تماما مثلما في المسافة بين غلاف غزة وتل ابيب، ايضا في القطاع تم الاعلان عن اغلاق المدارس والجامعات. عددا من المعلمين والمدراء ضبطهم الإعلان وهم في الطريق الى المدارس وعادوا على اعقابهم. الشوارع كانت فارغة والأسواق لم تفتح وفقط بقالات محلية فتحت من اجل أن ينزل السكان لشراء شيء ما. أم لخمسة اولاد افادت بأنها لا تعرف اذا كان الناس في القطاع فرحين بسبب ذعر الإسرائيليين. “لأننا جميعا محاصرون في بيوتنا”.
فتاة قالت إن ثلاثة انواع من الانفجارات تثير ذعر السكان: سقوط صاروخ إسرائيلي واطلاق صاروخ محلي واعتراض صاروخ من قبل القبة الحديدية. مع ذلك، الجمهور الفلسطيني، بما في ذلك ممثلو فتح و”م.ت.ف” موحد في اعتبار تصفية أبو العطا جريمة إسرائيلية. كصدى لذلك، بين كل التقارير العدائية له منح موقع الأخبار للجهاد “فلسطين اليوم” بعدا شخصيا لرسم صورة أبو العطا. لقد عرض كأب مخلص، ووعد عشية موته ابنته باحضار كعكة لها بمناسبة عيد ميلادها الذي صادف أول من أمس. كما وعد، حسب قول شقيقه ايهاب، بالانتقام لقتل الشاب البدوي في مخيم العروب للاجئين الذي قتله الجنود في يوم الاثنين.
مثل كل سكان القطاع فان ممثلي الهيئة الفلسطينية لحقوق الانسان تولدت لديهم التجربة في الهجمات الثلاث العسكرية الإسرائيلية الكبيرة وفي عشرات الهجمات العسكرية الاخرى. كلهم جربوا لحظات كثيرة من الخوف من الموت. وجميعهم لهم اقارب واصدقاء من بينهم اطفال ونساء وشيوخ قتلوا واصيبوا في هذه الهجمات. الصاروخ الذي اصاب الطابق الاول اثبت أنه لا يوجد احد يعتاد على الخوف.
ولكن قواعد الرقابة الذاتية تعمل ليس فقط على الصحفيين الفلسطينيين، بل ايضا على كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية الذين يعارضون نهج الجهاد. هم لا يستطيعون ان يقولوا بصورة مباشرة وعلنا بأن المنظمة التي تمثل عددا قليلا في المجتمع الفلسطيني ليس لها الحق في أن تقرر، الى جانب وزير الدفاع الاسرائيلي نفتالي بينيت ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بأن قطاع غزة سيدخل ثانية الى جهنم الحرب.