سورية بين قوى التطرف والأطماع الإسرائيلية*د. ابراهيم بدران
الغد
كثرت في الأيام القليلة الماضية تصريحات نتنياهو عن سورية فراح يدعي أن أي اتفاق أمني معها يجب أن يضمن مصالح إسرائيل وحلفائها.
أما من هم حلفاء إسرائيل؟ فلا أحد يدري. وأنه لن يسمح أن يكون الجنوب السوري مصدراً لتهديد أمن إسرائيل.
وراح نتنياهو يدعو مصر بكل فجاجة ولهجة استعمارية قبيحة لفتح معبر رفح من الجانب المصري فقط لخروج الغزيين من القطاع. وبكل عنجهية أعاد مقولته المقيتة أنه لن يكون هناك دولة فلسطينية.
ولم يتردد نتنياهو في دخول سورية بنفسه مع عدد من وزرائه قبل أيام قليلة والتجول في الأراضي السورية التي اقتحمها الجيش الإسرائيلي بعد سقوط نظام الأسد، وخاصة الجنوب السوري، ليصرح نتنياهو هناك بقوله: «نحن لنا الحق أن ندافع عن حلفائنا في السويداء الدروز». هذا الانتهاك الإسرائيلي العدواني الذي لم يتوقف ليوم واحد في سورية ولبنان وفلسطين يثير سؤالا مهما حول سورية وإمكانية استقرارها في إطار تعدد القوى التي تحاول زعزعة هذا الاستقرار ويطرح السؤال الكبير: ماذا تريد إسرائيل من سورية؟.
واقع الأمر يشير إلى أن سورية تمر في مضيق صعب بين قوى متنافسة على تحقيق أكبر المكاسب، وليست بالضرورة متنازعة. ففي الجولان وجبل الشيخ والشريط الجنوبي الى السويداء نجد إسرائيل بكل عدوانيتها وانتهاكاتها تتوغل يوما بعد يوم، وفي الشمال تعمل تركيا وتجهد لأن تكون القوة الدولية المجاورة المهيمنة اقتصاديا ولوجستيا وسياسيا وربما عسكرياً. وفي الشمال الشرقي نجد القوات الأميركية بقواعدها التي تنتشر في المنطقة شرق نهر الفرات من جنوب شرقي سورية الى الشمال الشرقي في الحسكة ودير الزور، وتسيطر على آبار النفط السورية، ولها قواعد عسكرية عديدة وخاصة قاعدة حقل العمر النفطي في دير الزور وقاعدة تل بيدر وقاعدة رميلان في ريف الحسكة.
وفي الشمال أيضا لا زالت قوات قسد المتحالفة مع الولايات المتحدة الأميركية غير ملتزمة باتفاقيات الانخراط في المؤسسة العسكرية السورية الرسمية، وفي الوسط والشمال لا تزال مجموعات من داعش وجماعات أخرى تتحرك بين آن وآخر دون هدف واضح لما تسعى إليه.
وهنا لا بد من الإشارة إلى عدد من النقاط على النحو التالي:
أولاً، إن استقرار سورية واستعادتها لمكانتها وإمكاناتها الطبيعية في إطار حالة من الهدوء والتنمية والبناء السياسي الديمقراطي يمثل كل ذلك مصلحة إستراتيجية للأردن من منظور اقتصادي وعسكري ولوجستي.
ثانياً: إن حالة عدم الاستقرار على كامل الأراضي السورية ووجود جماعات إرهابية متطرفة بدعم خفي من إسرائيل يحمل أخطاراً ظاهرة وكامنة على سورية وعلى الجوار السوري وخاصة الأردن ولبنان والعراق، ويثير تساؤلات حول الجهات الأجنبية التي تمول مثل هذه الجماعات.
ثالثاً: إن تركيا تحاول أن تجعل سورية ساحة خلفية لها كجزء من توسيع نفوذها في المنطقة وهي تسعى إلى تعميق اعتماد سورية عليها في إعادة الإعمار وتحريك العجلة الاقتصادية وخاصة في الطاقة الكهربائية والغاز إضافة إلى الربط بشبكة سكة حديد. وهناك مفاوضات بين تركيا وإسرائيل حول سورية.
رابعاً: إن الولايات المتحدة الأميركية وهي الراعي لقوات قسد (قوات سورية الديمقراطية) الكردية لم تحاول أن تنهي دعمها لها أو تدفع بها للالتزام بإجراءات الدولة السورية.
خامساً: إن من أهداف إسرائيل البعيدة المدى توسيع رقعة الأراضي السورية المحتلة واعتبارها امتداداً للجولان التي سبق أن أعلنت ضمها، وأقر ترامب في ولايته الأولى ذلك الإجراء المخالف للقوانين الدولية.
سادساً: كذلك تسعى إسرائيل بقوة إلى تقسيم سورية والوصول بها إلى 4 دول طائفية: علوية وسنية ودرزية وكردية. ولهذا تدعم دعاة الانفصال الدروز في السويداء لأن تفتيت الدول المجاورة وخاصة سورية والعراق يمثل هدفا إستراتيجياً بعيد المدى من منظور الأمن الإسرائيلي.
سابعاً: تعمل إسرائيل على استكمال تدمير الجيش السوري ولذلك تكررت الاعتداءات الإسرائيلية على مراكز عسكرية سورية سواء كانت معسكرات أو مخازن أسلحة أو مراكز أبحاث أو مطارات وغيرها. والهدف هنا بالنسبة لإسرائيل ألا تتاح الفرصة لبناء جيش سوري رسمي قوي متماسك.
ثامناً: إن ما يحقق أهداف إسرائيل بعيدة المدى يتمثل في ترسيخ قواعد التفكك الطائفي والصراع المذهبي والنزاعات العرقية. ويساعد تكوين سورية بما لديها من تنوع في مكونات المجتمع السوري وبالآثار المؤلمة التي خلفها الحكم الاستبدادي القمعي لعائلة الأسد الذي حطم من تماسك المجتمع السوري وهجر المواطنين وفتت الكفاءات يساعد كل ذلك على تعميق أخطار الانقسام. ولذا تباهى نتنياهو بأن الدروز هم حلفاء له حتى يشعل نار الفتنة في المجتمع السوري.
تاسعاً: يسعى دونالد ترامب أن تلتحق سورية بالاتفاقيات الإبراهيمية وتوقع اتفاق مصالحة وتطبيع كامل مع إسرائيل دون النظر إلى التجاوزات والاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية واللبنانية، ودون النظر إلى الموقف العربي الثابت أن لا اتفاق قبل قيام الدولة الفلسطينية. عاشراً: يتوقع أن تبقى روسيا بعيدة عن الفضاء السياسي السوري، مكتفية بقاعدة حميميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية. ولا شك أن الوجود الروسي يقلق إسرائيل لفترة من الزمن نظرا للعلاقة الإستراتيجية بين روسيا وإيران.
وأخيراً فإن إشكاليات التماسك السوري و تأثير القوى الخارجية والجماعات المتطرفة في إفشال إعادة بناء الدولة السورية الجديدة من شأنه أن يشجع إسرائيل على المضي في مخططاتها بمنع الاستقرار في سورية وتعطيل إعادة الإعمار طمعا في احتلال جزء واسع من الجنوب السوري بكل الأخطار المترتبة على ذلك. كما يسعى اليمين الصهيوني لأن يكون المكّون الدرزي حليفا له ضد الدولة السورية. هل تحاول إسرائيل أن تفاوض تركيا على اقتسام النفوذ لتصل إلى اتفاق النصف الشمالي لسورية تحت النفوذ التركي والنصف الجنوبي تحت النفوذ الإسرائيلي. ذلك ما يفكر به نتنياهو الذي يسعى لأن يحيط إسرائيل بشريط واسع من أراض محتلة من جديد تشمل جنوب لبنان وجنوب سورية إضافة إلى شريط جديد مع قطاع غزة عند الخط الأصفر... فهل يتنبه الجانب السوري أولا والجانب العربي ثانيا والإسلامي لخطورة ما يجري؟.. تلك هي المسألة.