عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    13-Sep-2020

الأردن بين مطرقة الكورونا وسندان الاستحواذ*سامح المحاريق

الراي

لا توجد دولة تصلح للمقارنة مع الأردن على مستوى عدد السكان ومتوسط العمر مع معدلات تفشي وباء الكورونا، الدول القريبة من تعداد الأردن السكاني تقف على حافة الشيخوخة، والدول القريبة في معدل العمر تفوق الأردن سكانياً بكثير، أو أقل منها بكثير، كما أن التصنيف العمري للأردن يضعها مع دول تعاني من خدمات صحية بالغة السوء تتسبب في تدني متوسط العمر، وليس الأمر مرتبطاً بالهرم السكاني الذي يشكل الشباب والأطفال قاعدته العريضة.
 
هذه المقدمة يمكن أن تؤشر إلى صعوبة الحكم أصلاً على الوضع الأردني في مجال مكافحة التفشي الوبائي، وما نعرفه عن الفيروس اليوم يختلف عما كنا نعرفه سابقاً، وعلى الرغم من القرارات الشجاعة التي اتخذت في بداية الأزمة، إلا أن تصوراً واحداً كان له دور سلبي، وهو «بينشف وبيموت» الذي أطلقه وزير الصحة، وهذه فكرة كانت شائعة لدى بعض الأوساط، وتبناها الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي كان يراهن على دخول الصيف للخروج من مأزق كورونا.
 
كانت التوقعات التي تبناها الأردن بناء على توصيات من المراجع الصحية أن الأمر مؤقت في الغالب، وأنه يمكن الاحتواء من خلال تكلفة باهظة ولكنها مؤقتة، ودحض سلوك ذلك الكائن تحت المجهري الاستراتيجية التي طبقت في الحظر الشامل، ولكن ذلك لم يذهب هباء إذا كانت تقديرات وزير الصحة برفع إمكانياتنا قد تحققت فعلياً، ويبدو من تصريحاته نبرة من الاطمئنان حول هذه النقطة.
 
مرة أخرى لا يمكن الحديث عن كورونا دون الحديث عن المؤسسات بشكل عام، عن تركيبة هذه المؤسسات وعلاقاتها ببعضها، فليس منطقياً على أية حال أن يكون وزير الصحة وحده، وهو منصب سياسي يمكن أن يمسك بناصيته شخص لم يدرس الطب في حياته، وفي الأردن حالة سابقة تولى فيها مهندس صناعي مسؤولية وزارة الصحة.
 
تصميم الحكومة في الأردن يجعلها ذراعاً تنفيذية استحواذية، يتشكل منها مجلس النواب والنقابات ورجال الأعمال، والحكومة ليست في فريق الوزراء، بل هي في امتداد البيروقراطية الأردنية حتى أصغر موظف يمكنه تعطيل استثمار كبير لمجرد استناده إلى فقرة في التعليمات، وأمام هذه الحالة الراهنة لم يكن للعلماء الأردنيين المختصين في مجال الفيروسات، ومنهم أحد الوزراء السابقين، أي دور في التأثير على قرار الحكومة، فكانوا يخرجون إلى القنوات التلفزيونية ليعلنوا أن الإجراءات تخالف توصياتهم.
 
مرة أخرى، لا يمكن تقييم القرارات الصحية في ظل تغيب نماذج المقارنة الصحيحة، ولكن يمكن الوقوف على أرضية أكثر اتساقاً مع الواقع بالتخلص من نغمة أفعل التفضيل التي ما زالت تستخدم، ففي الحقيقة الكل يتعلم، والحكم النهائي مبكر جداً، وربما يستغرق سنوات للوقوف على حقيقة ما يجري بالكامل.
 
ربما على الحكومة أن تراجع نفسها في مسألة اتخاذ القرار في ظروف عدم التأكد، فالأمر ليس في احتكار القرار أو التزاحم حول القرار، ولكن في التعامل المسؤول مع كل المعطيات وتقدير وجود حقيبة حلول تتمثل في الكوادر الأردنية التي تستطيع أن تقدم مشورة مخلصة ومسؤولة.