عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    04-Dec-2020

عيال آدم وحواء*حسين الرواشدة

 الدستور

سامحهم الله أولئك الذين يعتقدون بأن دائرة «الأخوّة» تقتصر على أبناء الملة الواحدة، أو حتى البلد الواحد، وبأن سواهم من البشر خارج هذه الدائرة، بل هم - أحيانا - أعداء بالضرورة، لا تجمعهم بهم أية قواسم ولا تربطهم معهم أوشاج او معارف.
 
تذكرت ذلك حين اتهمني أحد القراء «بقلة» الفهم لأنني وصفت الفرنسيين - وغيرهم من الشعوب في العالم - بأنهم «إخواننا»، ظناً من صاحبنا ان دائرة الأخوة في الإسلام لا تستوعب غير المسلمين، فيما الحقيقة غير ذلك تماماً، اذ ان هذه كما استقر في ديننا وثقافتنا تتسع للبشر جميعاً، فثمة أخوة في الدين، وثمة أخوة في الوطن واللغة (سمها القومية ان شئت)، وإخوة في الإنسانية، وهذه الأخيرة تتجاوز مفهوم «المواطنة» الحديث، وتسمو عليه في القيمة والتطبيق معا، وعندها لا شيء يمنع من ان يكون الفرنسي أو الأمريكي أو حتى البوذي والكونفوشوسي وغيرهم من أتباع العقائد والأديان، وأمم الارض أسودها وأبيضها، إخواناً لنا، أو نظراء في الخلق، كما كان يقول الإمام علي كرم الله وجهه: الناس صنفان، إخوان لك في الدين أو نظراء لك في الخلق، وكما سبق وأشار الكتاب العزيز الى تكريم الإنسان لذاته أولاً، والى مبدأ التعارف الذي يجمع الشعوب والقبائل من بني الانسان، والى اعتبار الله تعالى دائماً «رباً للعالمين» بمعنى اجتماعهم كأخوة من بني آدم، وعيال لأمهم حواء، على أرضية «النبوة» والأخوة، «الخلق عيال الله، وأحبهم اليه أحرصهم على عباده».. «كلكم من آدم وآدم من تراب».
 
لا شك بأننا نضيق على انفسنا كثيراً حين ننحاز الى هوية معينة تستعدي غيرها من الهويات، أو الى طائفة او جنس أو لون أو جغرافيا تختزل وجودنا وحضورنا الكلي فيها ونكافح من اجل الغاء غيرها حتى لو كان يشاركنا حياتنا وثقافتنا ومصيرنا، وانا لا أتحدث هنا عن العصبيات المقيتة في دائرة البلد الواحد (وهذه آفة الآفات) ولا عن الصراعات الوهمية بين القوميين والإسلاميين، ولا عن حالة الهوان التي انتهت اليها أقطارنا التي يتناصب شعوبها العداء بسبب معركة كروية، فهذه كلها شواهد على خيبات أمتنا في الداخل، وانما أتحدث عن علاقتنا مع أمم الارض وشعوبها، وهؤلاء الذين تجاوز فقهنا الإسلامي تصنيفهم على أساس دار الكفر ودار الايمان، واعتبرهم أبناء إنسانية واحدة، لكننا - للاسف - ما نزال نضعهم في اطار المواجهة، ونتعامل معهم بمبدأ الصدام، ولا نتذكر بأن أمة الدعوة تحتاج الى امة استجابة، وبأن خطاب الدعوة يستلزم وجود الحكمة والكلمة الطيبة والبحث عن الجوامع الإنسانية والتوجه الى الناس بالنموذج الحسن، وتقديم «المودة» على القطيعة والجفاء.. وهذه كلها لا تستقيم اذا اعتبرنا ان غيرنا خصم لا أخ لنا، أو ان هدفنا إفحامه بالفكرة، أو إقصاؤه بالقوة، أو الانتصار عليه بأية طريقة.. بدل ان يكون الهدف هدايته أو كسب صداقته وتعاطفه أو فهمه والتفاهم معه.
 
باختصار، الايمان بفكرة «الأخوة» التي تجمع البشر على مهاد الانسانية والآدمية، ليست دعوة للضعف أو قبول الهوان والسكوت على العدوان والاساءة - كما قد يتصور البعض - ولكنها دعوة لتبديد وهم الخوف على ديننا، ومن ديننا، وتجاوز وهم الصراع على تخوم حضارات وهويات ومصالح غالباً ما تتماهى أو تتكامل أو تتنوع لتحقق مبدأ العمارة والخلافة، وما لم تستطع «المواطنة» بأنواعها ان تحسمه فان «الاخوة».. ببساطتها قادرة على حسمه.. ويا ليت ان عالمنا يجرب هذه الوصفة.. أو ان بلادنا الاسلامية والعربية وأوطاننا تهتدي اليها.. وتقدمها لغيرنا من الأمم برهاناً لنموذجنا الانسان الذي اشتاقت اليه إنسانيتنا المعذبة بالصراعات والحروب والكوارث.