عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    19-Sep-2023

عن الإصلاح الديمقراطي الاستيطاني في إسرائيل‏

 الغد-‏ترجمة: علاء الدين أبو زينة

نقولا بيروغيني؛ كريم ربيع*‏ - (كاونتربنش) 15/9/2023
حاول الإسرائيليون الليبراليون، على مدى عقود، تقديم استعمار الأراضي الفلسطينية في العام 1967 على أنه مبادرة من عدد قليل من التفاحات الفاسدة، مع العلم بأن الدولة، دولة ‏‏الفصل العنصري الاستيطاني‏‏ وفقًا لتوصيف منظمة العفو الدولية ‏‏وغيرها‏‏ من منظمات حقوق الإنسان البارزة، قد استثمرت هيكليًا فيه، بما في ذلك من خلال مصادقة المحكمة العليا
 
سال الكثير من الحبر خلال الأشهر الأخيرة لتعريف إصلاح بنيامين نتنياهو للقضاء الإسرائيلي بأنه "‏‏اعتداء على الديمقراطية الإسرائيلية‏‏"، و"‏‏انقلاب قضائي‏‏". وبدأت المحكمة العليا الإسرائيلية  في الاستماع إلى الحجج المقدمة ضد مشروع الإصلاح يوم الثلاثاء الماضي، في ما يوصف بأنه "‏‏أزمة دستورية‏‏".‏‏ ‏‏لكن نظرة أقرب إلى الأجندات السياسية-القانونية والتطور التاريخي لبعض القطاعات الأكثر التزامًا بالعرقية-القومية في الحكومة الإسرائيلية تكشف عن علاقة أكثر تعقيدًا بين الإصلاح القضائي، والاحتلال، والديمقراطية الاستيطانية في إسرائيل.‏
‏‏في العام 2010، كنا كلانا في فلسطين لنبحث في جوانب مختلفة من المطالبات الفلسطينية بالأراضي، عندما تعرفنا إلى "‏‏ريغافيم"‏‏؛ منظمة حماية الأراضي الوطنية. و"ريغافيم" هي "‏‏حركة عامة‏‏" يمينية متطرفة يقودها المستوطنون تكرس نفسها لـ"منع الاستيلاء على أراضي الدولة". وقد وُلدت الحركة كرد فعل على خطة ‏‏أرييل شارون في العام 2005 لفك الارتباط‏‏ وإخلاء المستوطنات الصهيونية من الأراضي الفلسطينية. وفي وقت لاحق، حشدت الحركة المعارضة لمواجهة العقبات المتقطعة التي وضعتها المحكمة العليا في النظام الإسرائيلي أمام حفنة من المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية. وقد أصبحت هذه المحكمة العليا ذاتها اليوم موضوع الصراع السياسي الحالي المحيط بالإصلاح القضائي.‏
صورة عكسية
في الخطابات الإسرائيلية والدولية التقدمية، يجري تصوير حركة المستوطنين الإسرائيليين عمومًا على أنها أقلية دينية متطرفة تختطف دولة إسرائيل الديمقراطية وتشل حل الدولتين من خلال إنشاء "بؤر استيطانية غير قانونية" في قلب الأراضي الفلسطينية. لكن هذا التمثيل يبقى مضلِّلاً. في واقع الأمر، تشارك الجماعات الإسرائيلية التي يفترض أنها "ليبرالية" وحركة المستوطنين القوميين المتطرفين كلها في دعم دولة تنتهج سياسة فصل عنصري. وكان التقارب السياسي لهذه الجهات كبيرًا حتى أنه بعد أن قام شارون بتنفيذ خطته لفك الارتباط في العام 2005، بدأت "ريغافيم" وغيرها من المنظمات "غير الحكومية" التابعة لحركة المستوطنين القوميين المتطرفين في تبني المنطق القانوني الليبرالي، وتعرض صورة تعكس رسميًا القضايا القانونية لحقوق الإنسان؛ حيث يجري حمل قضية الإصلاح اليميني، وكذلك التقدمي المناهض للإصلاح، من خلال القنوات نفسها وباستخدام اللغة نفسها. وقد بدأت هذه الحركات المؤيدة للاستيطان كفاحها "‏‏في المجالات العامة والبرلمانية والقضائية‏‏" بأنواع المناصرة نفسها التي تستخدمها عادة المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية المناهضة للاحتلال (أوراق الرأي، وأوراق البحث، والتقارير، والاتصالات الإعلامية، والتماسات المحاكم).‏
تتبع هذه الجماعات نهجاً قائمًا على الحقوق لدعم قضية عودة المستوطنين الذين كان شارون قد قام بإخلائهم أثناء فك الارتباط، ويعزز حقوق المستوطنين غير المقيدة في مواصلة استعمار الأراضي الفلسطينية. وفي لقائنا مع "ريغافيم" والمنظمات المماثلة، فوجئنا بالانعكاس المتماثل الخطابي والعملي للواقع بين الضحية والجاني. ولأن هذه الحركة تعمل من أجل السيطرة على جميع مناطق الضفة الغربية في أعقاب فك الارتباط الذي نفذه شارون، يتم تصنيف القرى والبلدات والمدن الفلسطينية على أنها "‏‏بناء غير قانوني‏‏" يجب مراقبته، وضبطه، ومقاضاته داخل نظام المحاكم الاستعمارية. وقد بدأت "ريغافيم" في ممارسة استعارة العرائض نفسها التي تنشئها المنظمات غير الحكومية الإسرائيلية اليسارية والليبرالية، مثل حركة "السلام الآن"، و"مراقبة المستوطنات"، و"يش دين" بهدف تقديم المستوطنين الغزاة -بدلاً من الفلسطينيين- على أنهم ضحايا. ‏‏وقد أخبرنا‏‏ المحامي الإسرائيلي البارز في مجال حقوق الإنسان، مايكل سفارد، بأن هذه كانت "حيلة" تهدف إلى إحداث "الفوضى"، ولكنها تشكل مع ذلك "ثورة في استخدام النظام القانوني" بهدف نهائي هو استخدام القانون والخطاب الليبرالي نفسه عن حماية الأقليات لتجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم وتوسيع الولاية القضائية المدنية الإسرائيلية إلى داخل الأراضي المحتلة.‏
ومع ذلك، في حين تدعي منظمة "ريغافيم" أنها مهتمة بما تجادل بأنه "الطابع الفاضح" و"المعادي لليهود" الذي يميز المحكمة العليا، فإن أهدافها ليست تخريب الديمقراطية أو تدمير المحكمة، أو حتى استهداف المواطنين اليهود الليبراليين في المقام الأول. بدلاً من ذلك، تستخدم "ريغافيم" أدوات الديمقراطية الليبرالية لإصلاح ومعالجة "‏‏انحراف‏‏" المحكمة بعد فك الارتباط، والعودة إلى تحقيق الرؤية الاستطانية-الصهيونية لإسرائيل على حساب الوجود الفلسطيني.‏
‏من حركة إلى حكومة‏
في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) 2022، حصل حزبا "الصهيونية الدينية" والحزب الكاهاني "عوتسما يهوديت" على ‏‏14 مقعدًا‏‏ في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست).‏‏ وبين انتخابات العامين 2021 و2022، زادت التشكيلات السياسية اليمينية التي تعتبر استعمار الأراضي الفلسطينية التي احتُلت في العام 1967 هدفًا أساسيًا لها وتعتبر مستوطني 1967 دائرة انتخابية أساسية، بأكثر من ضعف أصواتها، لتصبح واحدة ‏‏من‏‏ القوى الرئيسية في الكنيست. ويشكل نجاح هذه الأحزاب أيضًا نجاحًا لبعض الشخصيات البارزة في اتجاه التحول القومي الليبرالي الاستيطاني بعد فك الارتباط مع غزة في العام 2005، الذي بدأنا في ملاحظته في العام 2010.‏
كثيرًا ما دعا وزير المالية وإدارة المستوطنات الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، إلى التطهير العرقي للفلسطينيين. وفي الآونة الأخيرة، دعا المستوطنين غير الشرعيين إلى "‏‏محو‏‏" بلدة حوارة الفلسطينية. وسموتريتش هو أحد مؤسسي منظمة "ريغافيم" وكان قد شغل في السابق منصب "مدير الأنشطة" فيها. كما أصبح أحدُ المؤسسين الآخرين للمنظمة، يهودا إلياهو، ‏‏اليد اليمنى‏‏ لسموتريتش في وزارة إدارة المستوطنات. كما أن أوريت ستروك، الرئيسة السابقة لمنظمة ذات توجهات وأهداف مماثلة لمنظمة "ريغافيم"، "منظمة يشع لحقوق الإنسان في يهودا والسامرة"، هي الوزيرة الحالية لشؤون المستوطنات والمهمات الوطنية. وقد دخلت هذه الشخصيات الحكومة الآن ووجدت نفسها في مواقع مركزية وتتمتع بسلطة كبيرة.‏
‏‏قام هذا الفصيل المؤثر في حركة المستوطنين في العام 1967 بحقن العمل القانوني للحركة في السلطتين التشريعية والتنفيذية في شكل إصلاح سياسي-قانوني. وجاءت إحدى أهم اللحظات في هذا التحول نحو الدفاع عن حقوق المستوطنين في العام 2017، في أعقاب مواجهة وقعت بين الشرطة التابعة لقوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين غير الشرعيين في "عمونا"، وهي بؤرة استيطانية في الضفة الغربية كان شاؤون قد أخلاها في العام 2006. وتشكل "عمونا" محكًا رئيسياً ووسيلة اختبار للهوية السياسية الاستيطانية الراديكالية: أصبحت أعمال الشرطة الإسرائيلية هناك تُعرف باسم "‏‏مذبحة عمونا‏‏". وردًا على ذلك، بادر سموتريتش، الذي أصبح الآن عضوًا في الكنيست، إلى طرح "‏‏قانون تسوية أوضاع الاستيطان في يهودا والسامرة‏‏"، الذي يسمح بمصادرة الأراضي الفلسطينية التي بنيت عليها المستوطنات اليهودية "بحسن نية". وكان الهدف من القانون، الذي أقره البرلمان الإسرائيلي، هو إعادة احتلال "عمونا" ومنح "المالكين" (المستوطنين غير الشرعيين الذين يسيطرون على الأراضي الفلسطينية) "‏‏أرضًا بديلة أو تعويضًا‏‏" عن المتاعب التي واجهوها. وفي ما لا ينطوي على مفارقة، فإن هذا القانون هو في الوقت نفسه مشروع انتقامي، يميني، قومي عرقي -وكذلك حركة حقوق مدنية- يتم تنفيذه على أساس منطق حماية الأقليات المصمم للمزيد من تجريد السكان الفلسطينيين الأصليين من ممتلكاتهم والقضاء عليهم.‏
وبينما كان هذا القانون موضع اعتراض من الناشطين ومقدمي الالتماسات المناهضين للاحتلال، جادلت حكومة نتنياهو بأن تسوية الأوضاع كانت "‏‏استجابة إنسانية ومتناسبة ومعقولة للضائقة الحقيقية‏‏" التي عانى منها المستوطنون أثناء عملية الإخلاء في العام 2006. وكانت هذه لحظة أصبح فيها ما وصفه المحامي المؤيد للفلسطينيين سفارد بأنه "حيلة" راسخا كأساس خطابي وأيديولوجي للإصلاح. وبينما كان ينبع في السابق من أكثر العناصر رجعية في حركة المستوطنين، أصبح خطاب "ريغافيم" وزملائها في الرحلة حول "‏‏حقوق الإنسان للمستوطنين‏‏" والحاجة إلى معالجة "الغزو غير القانوني" الذي يقوم به الفلسطينيون للأراضي اليهودية، مطلبًا أساسيًا داخل المؤسسات الإسرائيلية.‏
‏‏يتوقف الصراع السياسي الحالي على المحكمة العليا، لسببين رئيسيين: الأول هو أن الليبراليين يدافعون عنها كمعقل "لديمقراطية إسرائيل". وثانيًا، لأنها من المواقع القليلة التي تضع ضوابط ضئيلة على التوسع الاستيطاني. ولذلك، عندما ضغطت المنظمات غير الحكومية الليبرالية والكتلة المناهضة للإصلاح في العام 2020 على المحكمة العليا لإبطال "قانون تسوية الأوضاع" الذي قدمه سموتريتش على أساس أنه "‏‏ينتهك بشكل غير متناسب حقوق الفلسطينيين في الملكية والمساواة والكرامة‏‏"، أصبحت هذه المحكمة "المنحرفة" الهدف الرئيسي لهجوم أنصار الاستيطان المتطرفين بسبب الحواجز المحدودة التي وضعتها على التوسع الاستيطاني الإسرائيلي غير القانوني. وقاموا بترجمة هذا الامتياز الذي مارسته المحكمة إلى تمييز ضد الحقوق القومية اليهودية.‏
‏هذه المرة، لم تكن "ريغافيم" والمنظمات غير الحكومية التابعة لحركة الاستيطان المتطرفة هي التي تقود النضال من أجل الإصلاح القضائي من الهوامش... بدلاً من ذلك، أصبح الذين يقودونه هم أعضاء الكنيست ومؤيدوهم البرلمانيون وحكومة نتنياهو. وعندما أبطلت المحكمة العليا "قانون تسوية الأوضاع"، دافع سموتريتش عن مشروع قانون جديد "‏‏يسمح للكنيست بتجاوز المحاكم على الفور‏‏". وفي الوقت نفسه، هاجم ياريف ليفين، وزير العدل الإسرائيلي والمهندس الرئيسي للإصلاح القضائي لنتنياهو، المحكمة العليا، وقال إن قرارها بشأن تسوية الأوضاع "داس على الديمقراطية الإسرائيلية وحقوق الإنسان الأساسية للعديد من المواطنين الإسرائيليين".‏
تناقض‏
‏يعاني المتظاهرون المناهضون لإصلاح القضاء في إسرائيل من تناقض أساسي. فقد حاول الإسرائيليون الليبراليون، على مدى عقود، تقديم استعمار الأراضي الفلسطينية في العام 1967 على أنه مبادرة من عدد قليل من التفاحات الفاسدة، مع العلم بأن الدولة، دولة ‏‏الفصل العنصري الاستيطاني‏‏ وفقًا لتوصيف منظمة العفو الدولية ‏‏وغيرها‏‏ من منظمات حقوق الإنسان البارزة، قد استثمرت هيكليًا فيه، بما في ذلك من خلال مصادقة المحكمة العليا. لكن الدفاع الليبرالي عن القضاء والتركيز على المواطنة والديمقراطية متنافر إلى حد ما: على الرغم من وجود بعض القرارات الجديرة بالملاحظة المؤيدة للفلسطينيين، إلا أنها تبقى حالات ‏‏شاذة في بحر من الأحكام‏‏ التي تضفي الطابع الرسمي في نهاية المطاف على مستعمرات إسرائيل ودولة المستوطنين والاحتلال.‏
‏الآن يواجه المتظاهرون خيارين. من ناحية، تعني حماية الوضع الراهن -كما يحاولون أن يفعلوا- دعم المؤسسات القضائية للديمقراطية الاستيطانية التي تنكر حقوق الإنسان الفلسطيني، مع فرض المحكمة العليا عقوبات من حين لآخر ضد التجاوزات الجنائية كبادرة من أجل خاطر المجتمع الدولي. ومن ناحية أخرى، ربما يعتقدون بأن الاستسلام للإصلاح يعني التكيف مع نسخة تكون حتى أكثر راديكالية من الديمقراطية الاستعمارية الاستيطانية القائمة أصلًا، والتي كانت ستوجد حتى من دون القصة الخيالية عن المحكمة العليا.‏
 
‏*نيكولا بيروغيني Nicola Perugini: يدرس في كلية العلوم الاجتماعية والسياسية بجامعة إدنبرة. وهو مؤلف مشارك ‏‏لكتاب "حق الإنسان في الهيمنة‏‏" The Human Right to Dominate.‏‏ ‏‏كريم ربيع: أستاذ مشارك في الأنثروبولوجيا في جامعة إلينوي في شيكاغو، ومؤلف كتاب "‏‏فلسطين تقيم حفلة والعالم كله مدعو: بناء العاصمة والدولة في الضفة الغربية"‏‏Palestine is Throwing a Party and the Whole World is Invited: Capital and State Building in the West Bank (مطبعة جامعة ديوك، 2021).‏
*نشر هذا المقال تحت عنوان: On Israel’s Settler-Democratic Reform