عمون -
زود الوزير الاسبق الدكتور صالح ارشيدات عمون برسالة قاسية وجهها الملك حسين إلى نتنياهو في التسعينات.. ننشرها انعاشا للذاكرة:
رئيس الوزراء,
إن ألمي حقيقي وعميق بسبب الأعمال المتراكمة ذات الطبيعة التراجيدية التي بدأتها كرئيس لحكومة إسرائيل عاجلاً بذلك السلام الذي هو أهم أهداف حياتي يبدو أكثر فأكثر كسراب بعيد ويمكنني أن أبقى مبتعداً لولا أن حياة كل العرب والإسرائيليين ومستقبلهم لم تكن تنزلق بسرعة نحو مستنقع من الدماء والمصائب نتيجة للخوف وفقدان الأمل, وبصراحة فإنني لا أستطيع أن أقبل أعذارك المتكررة وبأنك مضطر للتصرف كما تصرفت تحت ضغط وإكراه كبيرين.
كما لا أستطيع أن أصدق أن شعب إسرائيل يرغب في سفك الدماء والمآسي ويعارض السلام, وبالإضافة إلى ما تقدم فإنني لا أستطيع أن أؤمن بأن أقوى رئيس وزراء من الناحية الدستورية في تاريخ إسرائيل يمكن أن يقوم بعمل خارج عن وحي قناعاته, إن الحقيقة المرة التي تتراءى لي هو أنني لا أجد فيك شخصاً يقف بجانبي لتنفيذ إرادة الله سبحانه وتعالى لتحقيق مصالحة نهائية بين كافة أحفاد إبراهيم عليه السلام.
إن الطريق الذي اتبعته يبدو أنه سوف يؤدي لتحطيم كل ما آمنت به كما آمنت به العائلة الهاشمية منذ عهد فيصل الأول وعبد الله رحمهما الله إلى وقتنا الحاضر, ولا يمكنك أن تستمر في إرسال التأكيدات لي بأنك لن تقبل بمزيد من بناء المستوطنات وأن تخبرني بقرارك ببناء طريقين لمساعدة الإسرائيليين والفلسطينيين كافة ودون تمييز ومن ثم تتراجع عما التزمت به, إنك في دفعك للأمور لحد الحصول على فيتو أميركي في مجلس الأمن تسيء إلى صورة ومصالح حليفك ومصدر دعمك الرئيسي وشريكنا كلينا في صنع السلام كوسيط عادل ومتزن.
أيها السيد رئيس الوزراء.
إذا كانت نيتك استدراج إخوتنا الفلسطينيين إلى مقاومة مسلحة حتمية فيما عليك إلا أن ترسل جرافاتك إلى المكان المقترح لإقامة المستوطنات دون أن تفعل شيئاً للاعتراف بمشاعر الفلسطينيين والعرب وغضبهم وشعورهم باليأس ودون أن تقوم بتحسين هذا الوضع من قواتك المسلحة القوية الذين يحيطون بالمدن الفلسطينية بارتكاب الجرائم بما قد ينتج عنه هجرة جديدة للمعذبين من الفلسطينيين من بلادهم وبلاد آبائهم فتكون بذلك قد أنهيت عملية السلام إلى الأبد.
وأما فيما يتعلق بانسحابك من أراض كنت قد ألتزمت إسرائيل أمام الولايات المتحدة والأردن والعالم باستكماله في منتصف عام 1998 فما الفائدة المرجوة من عرضك الانسحاب من قطعة لا تكاد تذكر كخطوة أولى ولماذا هذا الإذلال المستمر والمقصور لمن يسمون شركاءك في السلام من الفلسطينيين.
وهل يمكن لأي علاقة يعتد بها أن تستمر في غياب الاحترام المتبادل والثقة المتبادلة, ولماذا لا يزال الفلسطينيون يؤكدون بأن منتوجاتهم الزراعية تتلف وهي بانتظار دخولها إسرائيل أو التصدير ولماذا هذا التأخير الذي لا مبرر له ونحن نعرف أنه إذا لم يعط الإذن ببدء العمل بميناء غزة قبل نهاية هذا الشهر فإن المشروع كله سوف يؤخر لمدة سنة.
وأخيراً مطار غزة فقد بحثنا الموضوع جميعاً مرات عديدة بهدف مساعدة الفلسطينيين على تلبية حاجة مشروعة لهم ولكي نعطي قيادتهم وشعبهم منفذاً حراً على العالم بحيث يستطيعون الخروج والعودة مباشرة دونما حاجة للدخول والخروج من دول مستقلة أخرى وحصرهم كما هو معمول به حالياً.
كنت قد طلبت السماح بهبوط طائرتي في مطار غزة حيث كنت أنوي أن أصحب فيها الرئيس عرفات كما كنا قد طلبت في وقت سابق خلال تدخلي في مسألة الخليل السماح لطائرتي بالهبوط في المطار نفسه وقد رضيت آنذاك برفضكم لهذا المطلب لأننا كنا أمام أمور أهم من هذا بكثير.
وتوقعت هذه المرة أن يكون ردك إيجابياً وكنت آمل أن يؤدي ذلك إلى تحسين الأجواء بشكل ملحوظ ولكن للأسف لم يحدث هذا.
ولنفترض أنني قد طائرتي ممارساً حقي كصديق يربط بدولتك السلام, فهل كنت ستصدر أوامرك إلى الزملاء الطيارين في سلاح الجو الإسرائيلي الذين سبق لهم أن رافقوا طائرتي نفسها فوق إسرائيل بما سمي أول رحلة للسلام والتي تبدو وكأنها حدثت في الماضي البعيد بمنعي بالقوة من الهبوط, أو ربما بشيء أسوأ من ذلك، إنك لن تعرف أبداً كم كنت ستكون مجبراً فيه على اتخاذ قرار حول هذا الموضوع ولو لم أكن سأحمل معي ضيوفي العائدين إلى بلديهم كيف يمكنني أن أعمل معك كشريك في السلام وصديق حقيقي في هذا الجو المضطرب والمربك وأنا أشعر بوجود نية لتحطيم كل ما بنيته بين شعبينا وبلدينا, يمكن أن يكون هناك تعنت في الأمور الأساسية لكن لا يجوز أن يكون التعنت هدفاً بحد ذاته, وعلى أية حال فقد اكتشفت أنك قد حسمت أمرك مسبقاً وأنك لا تبدو بحاجة إلى نصيحة من صديق ويؤسفني أنني مضطر لكتابة هذه الرسالة الشخصية لك ولكن ما يحدوني لهذا هو شعوري بالمسؤولية والاهتمام الذين طالما دفعاني لأن أقوم بهذا تبرئة للذمة تجاه الأجيال القادمة.
ـــــــــــــــــــــــ
12/3/1997