عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    18-Nov-2020

بارود النيابة*رمزي الغزوي

 الدستور

لربما ينطبقُ المثلُ الشعبي: (العريس للعروس والجري للمتعوس) على كل الأعراس الصاخبة المعبأة بالرقص وجنون الفرح، إلا على عرسنا الانتخابي. فصحيح أن الوصول إلى مقعد في المجلس النيابي يعدُّ في نظر البعض مشروعاً شخصياً لمن يجلس عليه، إلا أن الفوز به يمثل نصراً مؤزراً كاسحا للعائلة أو العشيرة أو المنطقة. ففي العرف أن هذا المقعد لم يحصل عليه النائب بجهده الفردي، بل ناله بجهد وتكاتف واحتشاد عشيرته التي صبّت أصواتها صباً زاخراً في الصناديق. ومن هذه القاعدة يغني الفائزون وكأنهم عائدون من معركة: (خاوة خاوة)، بمعنى أخذناها غصباً أو مغالبة. 
 
قديماً كان التعبير عن النصر والظفر بالغنائم بعد الغزوات يكون برفع الأصوات وقرع الطبول والرقص المحموم. واليوم لم تتغير الطريقة كثيراً، إلا أن البارود صار يزغرد ويصدح بدلا عن الحناجر، وضرب الطناجر والدفوف. أي أن ما شهدناه عقب نتائج الانتخابات ينسجم ويتواءم مع هذا التوجه المجتمعي ولا يخرج عنه: النيابة مقعد للعائلة، قبل أن تكون للنائب.  
 
بعد الاحتفالات الحمراء بنتائج انتخابات مجلسنا الأخير صدرت بعض التقديرات التي تشير إلى أن أكثر من عشرة ملايين قطعة سلاح بيد المواطنين. أي أن كل بيت لا يكاد يخلو من  ثلاث قطع أو أكثر. وهذا يجعلنا نسأل بمرِّ السؤال: أيقتني الناس السلاح من أجل الطخطخة في المناسبات فقط؟، ولماذا يحرصون على وجود السلاح مع أنهم في بلد آمن؟ أم أن خوفاً مبهماً يتلبسهم من المستقبل ومجاهيله؟ والسؤال المفزع أكثر: لماذا تُرك الحبل على الغارب، حتى تكدس كل هذا السلاح بيد الناس؟.
 
لن تتوقف عادتنا الصوتية رغم أننا نهب هبات قوية في وجهها بين الحين والحين. لن تتوقف رغم الضحايا الذين نخسرهم جراء رصاصة قاتلة (لا أسميها طائشة)، لأن مطلقها يعرف أنها قد تستقر في رأس إنسان أو صدره. لن تتوقف العادة المستشرية فينا، وسنرى في الأعراس والمناسبات من أسحلة أشكالا وألوانا تخرج من صناديق السيارات وخبايا البيوت، من البمبكشن إلى الكلاشنكوف إلى البرتا ووصولا إلى الرشاش وربما نرى مدفعا أو دبابة أو راجمة صواريخ. 
 
الأمر يحتاج إلى أكثر من قانون يتشدد، ويجتث كل هذا القتل المؤجل وينتزعه من أيادينا. وأن يكون ترخيص الحمل والاقتناء للسلاح ضمن حالات ضيقة فقط. ويبدو أن مشوار تطبيق القانون طويل وشائك وعويص في هذا المجال. ولكنه يحتاج ألا يبقى حبرا على ورق، على كل حال من الأحوال.