عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-Nov-2025

الدفاع عبر الهجوم: إسرائيل تعيد رسم ساحات الصراع الإقليمي*د.عامر سبايلة

 الغد

مع تزايد التركيز الإسرائيلي على جبهة لبنان، جاء حديث رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير ليشكل عنواناً واضحاً لملامح المرحلة القادمة بالنسبة لإسرائيل.
 
 
 فالجبهات التي فُتحت ولم تُغلق تماماً ما تزال تشكل العنوان الأبرز للمرحلة المقبلة. عقيدة “الدفاع بالهجوم” التي تحدث عنها زامير تعني أن المنطقة بالنسبة لإسرائيل هي منطقة عمليات مفتوحة، وهذا لا يعني أنها جبهات حرب كلاسيكية، لكنها جبهات لن يتخلى الإسرائيلي عن العمل فيها والقيام بعمليات استباقية وفقاً لتقديراته الاستخبارية. وهذا يعني أن النشاط الاستخباري سيتلازم مع العمل العسكري الاستباقي، أي أنّ العقيدة القتالية لن تنطلق من مبدأ الدفاع، بل من الهجوم، بما يشير بوضوح إلى أن الضربات الاستباقية ستكون السمة الأبرز للمرحلة القادمة، والتي بدأت تظهر على جبهة لبنان بشكل كبير، واعتبرتها التمرينات الأخيرة للجيش الإسرائيلي نموذجاً لترجمة هذه العقيدة الجديدة.
الإعلان عن العقيدة القتالية الجديدة يأتي في الوقت الذي ما زالت فيه الجبهات مفتوحة، من غزة إلى لبنان، واليمن وإيران، وفي توقيت يتعاظم فيه الحديث الإسرائيلي عن ضرورة ضرب قدرات حزب الله ومنعه من إعادة ترميمها.
 فإسرائيل، ببساطة، لا تستطيع التعايش مع أي خطر قد يتحول إلى تهديد، وهو ما عبّر عنه رئيس هيئة الأركان بالقول: “يجب ألا ننتظر هجوماً من العدو، وأن نباغته بضربة استباقية”.
في أي تحليل لسيكولوجيا الأمن الإسرائيلي بعد السابع من أكتوبر، تتضح التحولات الكبرى في طريقة تعامل إسرائيل مع الواقع الإقليمي.
 فإسرائيل تعد اليوم أن أي جبهة هي مصدر تهديد، وأي طرف يمكن أن يتحول إلى خطر، ما يجعلها تتعامل مع المواجهة مع المحور الإيراني باعتبارها مواجهة لم تنتهِ بعد، وأن عودتها حتمية، سواء بسبب قناعة إسرائيل بأن المحور الإيراني يسعى لاستعادة هيبته بعد الضربات التي تلقاها، أو بسبب أن ترك الجبهات مفتوحة وغير محسومة يمنح أطراف المحور فرصة لتوجيه ضربة لإسرائيل. وهذا ما يجعل الإسرائيلي يخلص إلى أن المواجهة حتمية، وأن الحرب قادمة، حتى لو كانت القناعة السائدة أن إيران لا ترغب بحرب مباشرة على المدى القصير. ولكن الإشارات المتزايدة إلى الاستعدادات على كافة الجبهات تدفع إسرائيل سريعاً إلى تطبيق نهج الضربات الاستباقية، وهو ما يحدث اليوم في غزة والضفة الغربية ولبنان، مع الإشارة إلى أن الحوثي في اليمن و«حزب الله العراقي» في العراق هما طرفان يستعدان للمواجهة الكبرى، وبالتالي سيتم التعامل معهما ضمن عقيدة الضربات الاستباقية وسياسة الدفاع بالهجوم.
 إذن، في إطار العقيدة العسكرية الإسرائيلية التي تفرض نفسها كخيار إلزامي لمعالجة فكرة الهجوم المباغت، ترتكز المواجهة الإسرائيلية على بعدين أساسيين: الأول، أن إسرائيل مضطرة إلى تبديد فكرة أن هزيمتها أمر ممكن، ومن هنا فإن التحرك الإسرائيلي يهدف إلى منع تطور أي خطر إلى مستوى يمكن أن يتحول فيه إلى هجوم. أما البعد الثاني، فهو مرتبط بمسألة منع انتقال الأزمة إلى الداخل الإسرائيلي، أي عدم منح الخصم فرصة لتوجيه ضربة داخل إسرائيل، وهو ما يعني أن الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية لا تقف عند صد الهجوم فحسب، بل نقله إلى أرض الطرف الآخر.
هذا الإعلان عن عقيدة “الدفاع بالهجوم” يأتي فيما تدخل المنطقة المرحلة الثانية من التصعيد، وهو بمثابة تصريح مرور إلى أي منطقة جغرافية ترى إسرائيل ضرورة العمل فيها، وضوء أخضر للاستهداف المستمر للأماكن والأشخاص الذين تعتبرهم تهديداً محتملاً.
 ما يعني أننا نتحدث عن إبقاء الجبهات المفتوحة في حالة حرب: من غزة التي تسعى إسرائيل إلى تدمير أنفاقها وما تبقى من قدرات حماس، إلى الضفة الغربية، وصولاً إلى لبنان الذي يبقى الساحة الأكثر وضوحاً لترجمة هذه الإستراتيجية في المرحلة الحالية. ومع ذلك، لا بد من التذكير بأن هذه الاستراتيجية تنطبق أيضاً على سوريا، التي تبقى بالنسبة لإسرائيل جغرافيا مفتوحة، ويتم التعامل معها على أنها مصدر تهديد مستمر، سواء تم تأهيل قيادتها الحالية للعب دور في مواجهة داعش وإيران وحزب الله أم لا.
 فالتفكير الاستباقي يعني أن مساحة الثقة بأي طرف تبقى محدودة للغاية، بينما مساحة الشك واسعة جداً، وهو ما يجعل سورية في قلب الحسابات الإسرائيلية مهما تغيّرت الظروف أو تبدّلت التحالفات.