عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    28-Apr-2019

المخرج أكرم أبو الراغب «الحكومات المتعاقبة» وراء غياب الدراما الأردنية

 

عمان-الدستور -  حسام عطية - يعكف عميد مسرح وأدب الطفل الاردني‏ الكاتب والمخرج أكرم ابو الراغب وهو صاحب تجربة واسعة وخبرة طويلة في فن كتابة النص المسرحي وإخراجه للطفولة، بالإضافة إلى كتاباته الإذاعية والتلفزيونية الدرامية للكبار والصغار، حاليا على الانتهاء من كتابة عمله المسرحي الجديد الموجه للأطفال وهو يحمل عنوان «الف ليلة وليلة» والذي من المنتظر لهذا العمل ان يعرض قريبا، وحكايته من أجواء «ألف ليلة وليلة» وموضوعه تربوي هادف وضمن فهم ومدارك الأطفال، فيما بلغ عدد الكتب التي ألفها أبو الراغب الى الصغار «66» كتابا وجميعها طبعت ونشرت، كما بلغ عدد المسرحيات التي ألفها «58» مسرحية أخرج «56» منها بنفسه وجميعها عرضت للجمهور.
 
الدولة والحكومات
ونوه المخرج أبو الراغب في تصريح لـ «الدستور» حول غياب الدراما الأردنية، بانه إذا بحثنا عن سبب احتضار الدراما الاردنية، لوجدنا ان الدولة والحكومات المتعاقبة هما  السبب الرئيس لاغياب الدراما، لعدم تخصيصها ميزانية معقولة لدعم هذه الصناعة الدرامية، ولعدم اهتمامها بالفنان الاردني، فكل الدول الراقية تتباها بمبدعيها وفنانيها وتحتضنهم ليكونوا اللبنة الصالحة لكيان الوطن، وليشعروا بالطمانينة والاستقرار في حياتهم، تدعم صندوق تأمينهم الصحي، وتخصص لهم قطعة ارض ليقيموا اسكانهم عليها، لا اعرف ماذا تنتظر الدولة؟ والى أين تريد ان يصل صناع الدراما الاردنيون وهم الفنانون والمبدعون الذين لم يبخلوا يوما واحدا في عطائهم المستمر، وهم ما زالوا على العهد، الأوفياء المنتمون الى اردنهم الغالي والى مليكهم المفدى.. فهل تنتظر الدولة ان يبقى الحال على هذا الموال وهل هي مصرة على تجويع الفنان الاردني والذي هو الوجه الحضاري لامته ووطنه، هل تنتظر الدولة ان يهجر الفنان والمبدع الاردني فنه وان يترك فنه وابداعه لصناعة الدراما لينصرف الى مهنة اخرى تضمن له كسب العيش الكريم، هل ترضى الدولة بعد هروب الفنانين ان تبقى الساحة الاردنية فارغة من الفنون والدراما ويبقى الاعتماد فقط على الدراما المستوردة من هناك وهناك؟.
ولفت المخرج أبو الراغب بانه على صعيد التلفزيون، فان الدارما التلفزيونية الأردنية من ناحية أهميتها وانتشارها كانت في فترة السبعينات والثمانينات هي الثانية بعد الدراما المصرية، وربما في بعض الأوقات تفوقت على الدراما المصرية وكانت الأولى،  أما اليوم فقد قاربت الدراما الأردنية على التلاشي والغياب الكلي عن الساحة العربية، اما ما هو السبب الرئيس في تراجع الدراما الأردنية، فنعود ونؤكد بان الدولة أولا، ثم التلفزيون الأردني ثانيا، وأقصد بالدولة التي أدارت ظهرها للدراما الأردنية ووضعت في أذنيها طينا من عجين وأخرى من طين، بالرغم من كل الاحتجاج والمطالبات الصادرة عن نقابة الفنانين الأردنيين ومن الصراخ الصادر من أعماق صدور الفنانين الأردنيين لدعم الدراما الأردنية لكن دون فائدة، وكأن هنالك قرارا متعمدا لقتل الدراما الأردنية، فلماذا لا تخصص الدولة ميزانية خاصة لدعم الدراما الأردنية حتى تعود وتقف على قدميها ولتنتشر في كافة أرجاء المعمورة، أما التلفزيون الأردني فكان أهم رافد لدعم ونشر الدراما الأردنية، كان ذلك أيام مديره العام الأسبق الأستاذ محمد كمال رحمه الله، فقد كان يخطط ويرسم بطريقة جريئة وصريحة، كان أيامها في التلفزيون قسم خاص لتسويق الدراما الأردنية، فما المانع من أن يعود التلفزيون ويفتح ملفات السبعينيات والثمانينيات ليرى كم كانت الدراما الأردنية تكسب وتدخل العملة الصعبة للخزينة، فكان تصوير أي مسلسل وبيعه يربح عشرة أضعاف كلفة تصويره، وكانت العجلة تدور باستمرار، وأذكر أن أستوديو «1» كان محجوزا طوال فترة العام لتصوير المسلسل تلو المسلسل، وكان كافة الفنانين والفنيين الأردنيين يعملون بجد وكدح والكل مكتف من الدخل الذي يحققه من جراء تصوير المسلسلات، وللعلم والتذكير .. لقد انتشر كثيرون من الفنانين العرب وأصبحوا نجوما كبارا ووجوها مسوقة لأعمال درامية ضخمة من خلال التلفزيون الأردني والذي كان كل الفنانين العرب من ممثلين ومخرجين وحتى المطربين والمطربات، وأرشيف التلفزيون خير شاهد على ما أقول، لذلك يجب على التلفزيون الأردني والدولة إعادة النظر بدعم الفنان الأردني والدراما  الأردنية.
معناة الفنان
ونوه المخرج أبو الراغب الى معناة الفنان الأردني في هذه الأيام العصيبة، ووضعه  كونه يعيش فترة بطالة وتجويع، وأن الفنان الأردني يعيش فترة بطالة قاسية، فلكل فنان أردني عائلة واحتياجات ومتطلبات حياتية يومية، والأولون منهم دخلوا سن الشيخوخة والمرض والعلاجات، وتأمينهم الصحي باهظ جدا، فهم بحاجة إلى العمل والكد ليبقوا صامدين في وجه متطلبات الحياة القاسية وليستطيعوا تسديد فواتير الكهرباء والماء وغيرهما، ومنهم من لديه أولاد وبنات في الجامعات فمن يسدد عنهم نفقات مستلزماتهم الحياتية إن لم يعملوا، وعليه  نعم .. الفنان والمبدع بشكل عام هو الابن البار لهذا البلد الخير، ويمثل الوجه الحضاري لأي أمة، فمن هذا المنبر أستجير بجلالة الملك عبد الله الثاني، وهو ولي أمرنا وقائدنا الأبي أن لا يتخلى عن الفنانين والمبدعين وأن يحتضنهم برعايته الكريمة ليستمروا في عطائهم وإبداعاتهم.
وحول الحل لهذه المعضلة القاسية التي يمر فيها فناننا الأردني، افاد المخرج أبو الراغب في كافة أرجاء المعمورة وفي كافة الدول الراقية، للفنان مكانته وتقديره واحترامه، فالدولة في مصر وسوريا والعراق وكل الدنيا تعين الفنانين في كوادرها الثقافية كموظفين وتصرف لهم راتبا شهريا يسدد متطلباتهم واحتياجاتهم اليومية، فلئن جمعت كافة الفنانين والأدباء والشعراء والمبدعين الحقيقيين من رسامين ونحاتين في أردننا العزيز، فلن يتجاوز عددهم عن الألفي مبدع، فلماذا لا تعين الدولة هؤلاء الذين هم السفراء الحقيقيون وهم الوجه الحضاري لأمتنا والساعون للإسهام في تسويق ثقافتنا وحضارتنا الأردنية وفنونها إلى أقاصي الكون، وأن كبار الفنانين العرب من المصريين والسوريين والعراقيين هم موظفون على كادر وزارة الثقافة، وهم لا يعانون مطلقا من العوز أو البطالة.
هامشي جدا
وفي رده على سؤال حول دور وزارة الثقافة في تفعيل الحركة المسرحية الأردنية، وهل تقدم الوزارة الدعم الكافي لدفع عجلة المسرح إلى الأمام ؟، اجاب المخرج أبو الراغب مع كل أسف دور وزارة الثقافة هامشي جدا، ولولا جهود الفنانين الأردنيين المضنية لتوقفت الأعمال المسرحية كليا، ففي كل عام تعلن وزارة الثقافة عن قيام الموسم المسرحي، للكبار والصغار، وتختار خمسة أو ستة نصوص مقابل دعم هذه الأعمال بمبالغ بسيطة جدا وحسب الميزانية الضئيلة والمحدودة جدا والمتواجدة لدى هذه الوزارة ، إذن .. ماهو الدور الذي تقدمه وزارة الثقافة لدعم الفنان والمبدع الأردني ؟، للاسف وزارة الثقافة الأردنية هي من أفقر الوزارات على الإطلاق، فميزانيتها محدودة جدا تكاد لا تكفي لدفع رواتب موظفيها وتسديد بدل إيجارات العقارات التي تشغلها ومديرياتها، فدعمها لرفد المسرح قليل جدا ولا يكفي أبدا، فتقدم الفتات كدعم لإنتاج أي مسرحية وتطلب من الفنان أن يقدم عملا متميزا مقابل هذا الدعم الضئيل، وحتى دعمها لنشر الكتب أو الرسم أو النحت أو أي إبداع فهو لا يكفي أبدا، فالدولة تصرف الملايين على لم «القمامة وتكنيس الشوارع أو فتح شارع أو إقامة جسر معلق»، وتدفع الآلاف بدل نفقات السفر والمياومات وتتجاهل ميزانية دعم الثقافة والتي هي الوجه الحضاري لكل أمة من الأمم الراقية، وأن حضارة كل أمة تقاس بفنها وثقافتها وتفكيرها.
دور النقابة
ولفت المخرج أبو الراغب النظر الى دور نقابة الفنانين الأردنيين في دعم الدراما الأردنية والفنان الأردني، بان النقابة مقيدة في أنظمة وقوانين معينة، فهي تنظم المهن الفنية التابعة لها، وتهيئ المناخ الجيد لمنتسبيها وتدافع عن حقوق أعضائها، ولكن ليس بيدها حيلة من ناحية الدعم المالي، فالنقيب شغله الشاغل الارتقاء بالفنان والفن الأردني، ولا يكل ولا يمل من مراجعة الدولة بخصوص دعم الدراما وتشغيل الفنان، ورفع مستواه المعيشي، ولكن لا حياة لمن تنادي، فجلالة سيدنا الملك عبد الله الثاني المفدى، أبدا كل اهتماماته بدعم الفنان والدراما الأردنية، وأوعز الى رئيس الوزراء بالاهتمام والالتفات إلى الفن والثقافة، ولكن يبدو أن اهتمامات الدولة بالأمور السياسية والإصلاح والفساد وأمور أخرى شغلتها وصرفتها عن أهمية دعم الفن والدراما، إذ يبدو أن الفن والثقافة والأدب على الهامش؛ لأن هناك أولويات أهم، وأنا برأيي أن الثقافة هي الأهم وهي جسر الحضارة بعينها وكل الدول الراقية تسعى جاهدة لرفع مستوى الثقافة عند العامة وبين الناس لتستوي مع غيرها من الدول المتقدمة، فالعامل المثقف يبدع أكثر والشرطي المثقف يحسن التعامل مع الغير والموظف المثقف يجيد الابتسامة أكثر، والمدير المثقف يحسن التعامل مع موظفيه ... ولابد لكل مصنع أو معمل أو أي مهنة من مهن الدنيا من ثقافة معينة حتى تجيد الحصاد.
وفي رده على سؤال لماذا لا يعمل الفنان الأردني في مهنة أخرى بجانب فنه لتساعده على قساوة أيامه، اجاب المخرج أبو الراغب أن قانون نقابة الفنانين الأردنيين يشترط على العضو المنتسب للنقابة أن يكون متفرغا لفنه ومهنته فقط ولا يجوز أن يعمل بغير مهنته، أو يفصل من عضوية النقابة، والفنان بالرغم من بطالته فهو مضطر أن يسدد للنقابة قيمة اشتراكاته السنوية وبدل تأمينه الصحي ودفع ما يترتب عليه من ضمان اجتماعي وتقاعد حتى ولو كان ذلك على حساب قوته وقوت عائلته.
ونوه المخرج أبو الراغب الى انه يوجد لدينا كتاب مسرحيون محترفون على الساحتين الأدبية والفنية كتاب مسرحيون جيدون واستطاعوا اثبات جدارتهم في الوسط المسرحي الأردني ، ولكن مع كل أسف التبخيس بمكافآتهم وشراء نصوصهم بسعر قليل هو ما يبعدهم عن الكتابات المسرحية ، فوزارة الثقافة لا تدفع لأعمال الكتاب المسرحيين سوى الشيء الذي لا يذكر، مع أن القصة المسرحية تعتبر عملا إبداعيا والكتابة المسرحية تعد من أصعب الكتابات قاطبة على المستوى الفني، وما يحدث من تبخيس يملل الكاتب ويجعله يبتعد عن هذا العمل، وهنالك مشكلة حقيقية كبيرة لا بد من الوقوف عليها وهي عدم وجود نقاد حقيقيين يتابعون المسرح بشكل جيد سواء النقد السلبي أم الإيجابي، وهذه مشكلة حقيقية يواجهها الكاتب، كما أصبح لا يمكن تمييز الكاتب الجيد من الرديء؛ ما يؤدي إلى خلط الحابل بالنابل، وأشير هنا إلى أن الفنان الأردني الذي يشاهد المسرحيات الأردنية ويقيمها ويقوم بنقدها ، وهذا خطأ قد يحبط صاحب العمل، ومن هنا أدعو النقاد والصحفيين المتخصصين في الثقافة لحضور المسرحيات وتقديم النقد من خلال وسائل الإعلام، وستكون هذه عملية ناجحة تتبعها الدول المتقدمة في المسرح والنقد المسرحي.
الكتابة للطفل
ولفت بانه عندما أفكر عادة بكتابة مشروع جديد يخص الأطفال، أدخل إلى مكتبي وأهيئ نفسي وعقلي وفكري، أنظر لشاشة الحاسوب لدقائق، وربما أكثر من ساعة، وما أذكره دائما وأنا في هذه الحالة، هو أن ثمة صمتا غريبا مطبقا وغامضا يسبق لحظة الكتابة في روحي .... ولحظة ان ابدأ بالكتابة الإبداعية لأحبائي الأطفال بما هيأته ألأفكار في داخلي، أضحك وأحزن في ذات الوقت .. ليس لاختلاط في مشاعري وإنما هي النقائض التي تستدعي نقائضها باستمرار في تضاد بهي وتصادم كأنه الجحيم، وما يلبث أن أغيب مع عقلي عن حاضري في عالم الخيال أخوص به لأقطف ما جادت به قريحتي .... لأن مسرح الطفل معلم للأخلاق وحافز للسلوك الجيد حيث يصل مباشرة لقلوب الأطفال عن طريق اللعب والحركة والحواس والمشاركة، ومسرح الطفل ينمي القدرات اللغوية عند الأطفال ويسهم في النمو الاجتماعي والعقلي والعاطفي والوجداني لديهم ناهيك عن المتعة أثناء تلقي المعلومة وغرس المبادئ والقيم وهو نوع متجدد من الآداب الإنسانية، ولا شك أن القصة غير المسرحية ولكل إبداع أهدافه وأسلوبه وطريقة تقديمه وكذلك له نتائجه، حينما أكتب القصة لي أدواتي وهي غير الأدوات التي استخدمها في المسرحية، و لكلا المنجزين أهميته ودوره في توعية ومتعة الأطفال، ولكن التأثر الأكبر يكمن في المسرحية ذلك لما لها من سطوة آنية على المتفرج الصغير الذي يؤدي إلى إيصال المعلومة وإيصال الهدف بشكل أكثر فعالية وأكبر طاقة حيوية، الأمر الذي يجعل تأثره كبيرا وفاعلا لدى الطفل، لذلك تجدني أحيانا أنحاز إلى إنجازي المسرحي على حساب إنجازي القصصي، والكتابة للمسرح هي من أهم الكتابات الإبداعية على الإطلاق وأصعبها، وتختلف اختلافا واسعا عن الكتابات التلفزيونية أو الكتابة السينمائية؛ إذ أن الكتابة لمسرح الأطفال بشكل خاص، اعتبرها مشروعا إنسانيا ثقافيا تربويا وينبغي أن تكون ذات نظرة علمية أدبية منصفة، فأي منصق وأي مراقب للحركة الثقافية المسرحية الأردنية يرى بوضوح الشمس ازدياد الرقعة الجغرافية لمساحة مسرح الطفل، كذلك تجد التسابق من قبل المعنيين بمسرح الطفل لتقديم ما هو أفضل، والمنافسة على أشدها في إقامة المهرجانات الخاصة بمسرح الطفل، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على النتائج الطيبة لصحة ذلك المشروع وأن كل جهد ينصهر ويذوب أمام هذا التدفق الصحي لخدمة مسرح الطفل.