عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-Feb-2020

نريد دالية أخرى* رمزي الغزوي
الدستور -
جدائل النساء كانت وما زالت توصف بالحنشان، جمع حنيش، وهو الحية السوداء الغليظة. أما حين تبدو الجدائل ممتلئة متينة، وأشد قوة، وحيوية، فلا يجدون لها وصفاً إلا (حيول) الدوالي، أي أغصان شجرة العنب؛ ولهذا فبعض النسوة كن يتسللن إلى الكروم، في مثل هذه الأيام تحديداً، ليجمعن العصارة التي تنزُّ من الأغصان، بعد عملية التقليم والتقنيب، ليغسلن بها رؤوسهن، على أمل أن تغدو جدائلهن كالحيول.     
والدوالي مثل النساء الحسان، تتناقل صفاتهن الناس. الكل يسعى إلى أن يحصل على حيل من دالية موصوفة بطيب عنبها ويناعة ورقها ومقاومتها للأمراض. فهذه دالية خضارية، سنزرع منها حيلاً في رأس البستان!، فعنبها (نقراشي) ييقرقش تحت الأسنان، ولا بدّ أن نزرع حيلاً آخر من دالية جيراننا؛ فعنبها كأصابع العروس في ليلة حنائها. وهكذا يتداول الكرامون صفات الدوالي، كعطر فواح، وحين يتحدث الواحد عن داليته، فكأن يتحدث عن عشيقة غيداء!.
ولأن شباط مزاجي يتقلب بين صيف وشتاء. فلعل من يمتلك دالية (لا أصدق أن بيتا أردنياً لا يمتلك دالية؛ حتى ولو زرعها في برميل، فالدوالي توائمنا، وعشيقاتنا المعلنات)، عليه أن يهب سريعاً ليقلمها وينظفها من أغصانها الميتة، والضعيفة والهزيلة، استعداداً لموسم جديد، قبل ينتهي سعد ابلع ويباغتنا سعد السعود، وهو الجزء الثالث من خمسينية الشتاء، والذي تسري فيه (المي) بالعود، أي عصارة الشجر، وعندها سيصبح التقليم غير ملائم.
حين ينتشر الفلاحون في كرومهم وبساتينهم، بمقصاتهم المرهفة، تطربنا أغانيهم الهفهافة، التي تلتحم بحب الأرض الباسمة بأول دحنونها، ولثغة إقحوانها!، فيمرون بتأن وقداسة من بين دواليهم، يرفعون جدائلها بلطف العشاق وخفرهم، ويناغونها بهمس الكلمات، فالذي لا يُشعرُ داليته بأنها حبيبته الأولى والأخيرة، لن تعطيه من عنبها كما يشتهي. 
لا أتوق أن تلقم (دوالينا) الهرمة المريضة المتعبة المتخمة بالأغصان الميتة، والتي أصابها العقم والتبلد منذ زمن، فهذه ما منها فائدة، لا يرجى رجاؤها، بل أتوق لو (تشلع) من شروشها، وأصول جذورها، لنزرع بدلاً منها حيولاً جديدة، من دوالينا الموصوفة بالمتانة والقوة؛ علنا نتجدد، ونتمدد، وتزداد همتنا عنفواناً، وتطيب بلدنا!.