عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    18-Oct-2019

حين تعتذر مغنية عالمية عن نشر صور لها في القدس القديمة - د. محمد عبدالله القواسمة
 
الدستور- ديمي لوفاتوDemi Lovato مغنية عالمية وممثلة وكاتبة أمريكية، دعتها وزارة شؤون القدس في الكيان المحتل لزيارة الأراضي المقدسة في رحلة سياحية مجانية، ودفعت لها مئة وخمسين ألف دولار فضلًا عن مكافآت أخرى من بعض المتبرعين مقابل أن تنشر صورًا عن زيارتها على وسائل التواصل الاجتماعي؛ فقد بلغ عدد متابعيها على الإنستجرام أكثر من أربعة وسبعين مليون متابع. رأت في الدعوة فرصة للقيام بتجربة روحية إلى الأرض المقدسة التي شهدت ميلاد السيد المسيح عليه السلام، والتي قرأت عنها في الكتاب المقدس الإنجيل.
لقد تحدثت ديمي وهي في إسرائيل على مواقع التواصل الاجتماعي عن تجربتها الروحية، وعرضت صورًا التقطت لها في القدس المحتلة، وفي غيرها من الأماكن، ومنها صورتها وهي تتعمد في نهر الأردن، ذاكرة بأنها صور من إسرائيل متجاهلة اسم فلسطين والفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين، وبعد رجوعها من زيارتها تعرضت من أنصار القضية الفلسطينية للانتقاد، والتعليقات المحتجة، والاتهام بالتحيز لإسرائيل.
لم تكن تدرك ديمي ــ كما قالت ــ حقيقة الصراع الفلسطيني الصهيوني، ولم تكن تقصد بنشرها الصور الإساءة للفلسطينيين، فكانت ترى في رحلتها المجانية تجربة روحية دون ان تكون لها أي دوافع سياسية. لهذا فهي تقدم اعتذارها لجميع من تأذى بنشر صورها.  وعذرها أنها لم تجد من يشرح لها ما وراء هذه الزيارة،  ولم تظن أن في نشر صورها وهي بين معالم القدس القديمة أذية للناس. لقد اعتذرت عن ذلك دون أن تعبأ بمن نصحها من المقربين بعدم الاعتذار؛ إذ رأت في الاعتذار عين الصواب ، فكما قالت ــ أن تقع في المتاعب لكونها صادقة مع نفسها أفضل من أن تصمت لترضي بعض الناس.
لا شك في أن الاعتذار عن نشر صور عن تجربة روحية من مغنية عالمية مسيحية تدرك أهمية الأماكن المقدسة التي زارتها، والاعتراف بعدم معرفتها حقيقة ما يجري في فلسطين دلالة على أن تلك الرحلة جرّت عليها ندمًا، ولم تحقق لها الراحة النفسية التي قبلت من أجلها الدعوة لزيارة الأراضي المقدسة.
كما أن هذا الاعتذار من فنانة عالمية رفضت كل الإغراءات والضغوط لتكون بجانب دولة الاحتلال، ومن مواطنة أمريكية يعلن رئيس دولتها بأن القدس عاصمة لإسرائيل وينقل سفارة بلاده إليها يدل بوضوح على قوة هذه الممثلة، وجرأتها، وعدم خضوعها إلى حقيقة غير الحقيقة التي عاينتها على أرض فلسطين.
من الواضح أن الانتقادات التي وجهت إلى ديمي بعدما نشرت صورها وهي تزور القدس القديمة دفعتها إلى أن تعرف الحقيقة، وفرضت عليها هذه المعرفة أن تتخذ موقفًا؛ فكان إلى جانب الحق الذي أدركته مؤخرًا. وإذا كان للانتقادات فضل في ان تتحرك نحو المعرفة فإن الفضل كله لضميره االحي الذي ترجم هذه المعرفة إلى سلوك تبلور في هذا الاعتذار الراقي. إن الضمير الحي حين يدرك صاحبه الحقيقة لا يمكن إلا أن يكون معها مهما كانت الإغراءات والمواقف المناهضة له.
من المؤكد، أن هذا الاعتذار الذي يأتي في هذه الظروف المعقدة، التي تمر بها القضية الفلسطينية من المغنية العالمية ديمي لوفاتو،عندما أدركت خطأها في نشر صورها وهي في القدس القديمة على وسائل التواصل الاجتماعي يقدم درسًا مهمًا لكل إنسان في السعي نحو معرفة الحقيقة قبل أن يسلك سلوكًا خاطئًا، يؤذي نفسه ويؤذي الآخرين، وأن تكون لديه الجرأة في الاعتذار عن الخطأ إذا وقع فيه. تمامًا كما فعلت المغنية العالمية ديمي لوفاتو التي ضربت لنا المثل في الوقوف في وجه الظلم، واحترام قيم الحق والعدالة، ومراعاة مشاعر الآخرين، وعدم الخضوع للمغريات والمصالح الذاتية، وفوق ذلك الاعتذار في الوقت المناسب.