عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    02-Jan-2020

لثماني سنوات في سوريا عالم القطب المتوحش الواحد - أحمد زيدان
 
الجزيرة - لسنوات ثمانٍ خلت والسوريون يعيشون حالة عالم القطب المتوحش الواحد، عالم تقوده احتلالات إجرامية متوحشة، لا تعرف سبيلاً إلاّ مزيداً من شرب الدماء وافتراس البشر، فمن يخال أن عصر الواحد والعشرين، عصر المعلوماتية وما بعدها، عصر الحداثة وما وراءها، فقد أبعد النجعة، فكشفت الشام عن خطله، فلا يزال في هذا القرن بشر متوحشون يلتهمون بشراً وعلى مدى ثماني سنوات، والأغرب من ذلك أن بشراً آخرين يصمتون.
 
والأعجب من هذا وذاك أن آكلي لحوم البشر هؤلاء لا يستحون ولا يخجلون من المجاهرة بفعلهم هذا الذي يضفون عليهم مراسيم كنسية وطائفية، ويحصل هذا دون أن يرد عليهم أتباع تلك الديانات فيوقفونهم عند حدهم قولاً، ناهيك عن الفعل بمقاومتهم ومحاربتهم للكف عن استخدام الدين المشترك بينهما لغايات دموية، ستلقي بظلالها وترسباتها ربما لعقود وقد يكون لقرون على حياتنا جميعاً، مما يجعل الفاعل والصامت شريكاً سواءً بسواء، لا فرق بين صامت وناطق.
 
لا شيء قد تغير طوال السنوات الثماني الماضية، الإبادة هي الإبادة والقاتل هو القاتل سوى دخول قتلة صامتين جدد بالأمس ليكونوا قتلة ناطقين اليوم، والضحية هي الضحية
تعلمنا من خلال دروس التاريخ قانون الدفع البشري، ورأينا ما حلّ بالحروب الساخنة من حرب غربية أولى وثانية لا علاقة للعالم كله بها، لكن أرغمنا على ابتلاع الطعم بأنها حرب عالمية أولى وثانية، ومن بعدها كانت الحرب الباردة التي تدافع فيها الغرب والشرق، إلى أن وصل ذروته في أفغانستان، وحتى في البوسنة والهرسك والعراق وغيرهما كان هناك شيء من التدافع، ولكن ما إن حل الأمر بالشام حتى رأينا القطب الواحد المتوحش يسرح ويمرح لوحده، بله عن وجود تعاون وتنسيق ومباركة أميركية وغربية لفعل التوحش الروسي والإيراني، فحين يعجز عن قتل من يريدهم في المناطق المحررة، أو حين تهتز شرعية قتله وذبحه وإبادته وتهجيره، نرى الطائرات الأميركية قد أقلعت للتذكير بأن ثمة إرهاباً وشرعية لا تزال موجودة لاستمرار مبررات طاحونة القتل والدمار والخراب، على الرغم من أن نملة أميركية أو غربية لم تقتل على يد قاتل مفترض من الشمال السوري المحرر، أو أن مجهولاً واحداً يقيم في الشمال المحرر قام فهدد الغرب والشرق ليكون مبرراً لكل هذا القصف والقتل والإبادة، بينما رأينا من يهددهم صباح مساء ويلعنهم ظهراً وعشياً لا يقتربون منه.
 
تستمر المذبحة وتتواصل المأساة، مأساة البشر كلهم وليست للسوريين فقط، فإن كان السوريون يدفعون ثمناً جسدياً بموتهم أو بهجرتهم، فإن العالم يستنزف أخلاقه ويستنرف معها إنسانيته، فلا الحاضر سينسى ولا المستقبل سيغفر ويعفو ما جرى للشمال السوري المحرر من إبادة على أيدي مجاميع ناطقة أوصامتة.
 
لا شيء قد تغير طوال السنوات الثماني الماضية، الإبادة هي الإبادة والقاتل هو القاتل سوى دخول قتلة صامتين جدد بالأمس ليكونوا قتلة ناطقين اليوم، والضحية هي الضحية في عمليات الترانسفير والتهجير تحت سمع العالم وبصره متوحشاً فاعلاً ناطقاً أو متوحشاً صامتاً، والسعيد هو من يهاجر، ومن يلقى مركوباً لينقل به عائلته وسقط متاعته، والساحة هي الشمال المحرر وعاصمته إدلب التي آثرت الانشقاق عما سعى العالم إلى الترويج لنا ولغيرنا بأنه عالم القرية الكونية الواحدة، لنجد أن الشمال المحرر انشق عنه أو شقوه عنهم، فأسلموه للإبادة البشرية، ليواجه أخدود القرن الحادي والعشرين على أيدي فراعنة متوحشين جدد ولكن بحداثة أسلحة يستخدمها القتلة مستغلين كل سنوات التطوير البشري لأسلحة القتل والإبادة على مدى كل القرون الماضية، لتصب حممها ولهيبها على أجساد غضة، كل ذنبهم أنهم رفضوا أن يعيشوا في جلباب عصابة طائفية مجرمة نُقل عن مؤسسها حافظ الأسد أنه نسج نظامه أو لا نظامه على ما يريده نسيج النظام أو اللانظام الدولي، وبالتالي فسقوط نظامه أو لا نظامه يعني سقوط النظام أو اللانظام العالمي.