الغد
يذكر شكسبير الكاتب المسرحي الأعظم في التاريخ في رواية ((As you like It التي صدرت قبل ثلاثة قرون، أننا كلنا على المسرح العالمي ممثلون، وقد بيّن علم الاجتماع فيما بعد أن كلام شكسبير صحيح تماماً، ومعناه أن كل واحد من الناس في العالم يحاول باستمرار، وعلى نحو أو آخر - بث صورة إيجابية لغيره عن نفسه والمحافظة على هذه الصورة.
وحسب علماء الاجتماع فإن الحياة الاجتماعية لكل منا هي شكل من التمثيل، فنحن كممثلين نحاول خلق انطباع جيد عن أنفسنا في عيون الآخرين. إننا نتحايل عليهم عمداً أو دون عمد لنثبت صورة إيجابية عنا عندهم كما يقول عالم النفس الكندي إيرفنج حوفان (SI، المجلد 48، العدد الخامس، لأيلول، تشيرين الأول لسنة 2024) لقد قام هذا العالم بدراسة ضحايا الخداع والمكر والتضليل فوجد أن الذين يُخدعون... لا يبلِّغون عما حلّ بهم من خداع أو مكر أو تضليل ذلك عاجلاً أو آجلاً، لماذا؟ وقد تبين له أن ذلك يعود – إجمالاً – إلى الخوف من ظهورهم للناس من حولهم كمغفلين أو ساذجين. بل ان بعضهم اعترف له بأنهم يخفون ذلك تجنباً لمخاطر الموت الاجتماعي بانفضاض الأقارب والأصدقاء أو شركائهم في البزنس عنهم، وبالتالي مضاعفة الشعور بالضرر الذي يعانون منه جراء الإبلاغ عن الخداع.
يحاول الضحايا تجنب ذلك وكأنه طاعون، فيفضلون إنكار أنه غُرّر بهم، ويكررون لأنفسهم أنهم كانوا يعرفون أنه كان خداعاً أو غشاً ... ولكنهم كانوا يرغبون في معرفة كيف يتصرف الخدّاع أو الغشّاش.. وبهذه الطريقة يحافظون على صورتهم الإيجابية في عيون الناس، ويتجنبون الموت الاجتماعي، حتى لو عنى ذلك ترك الخداعيين والغشاشين أحراراً، أي أنهم لا يلجأون إلى القضاء لفضحهم وإيقاع العقاب عليهم.
من ذلك نستنتج أنهم يعطون الأولوية لصورتهم الذاتية على حساب الصالح العام، وهو في نهاية التحليل اختيار أناني جبان كما يصفه عالم الاجتماع بروك هيرنفتون، إنه الفشل الاجتماعي.
تذكرنا هذه الدراسات بما حدث في الأردن أكثر من مرة ولكثير من الأشخاص ومن مستويات عالية في المؤهلات والمراكز الرسمية والاجتماعية بوقوعهم ضحايا للمتلاعبين بتجارة الأسهم، وسلبهم ملايين الدنانير منهم بانتظار المزيد من الأرباح (الكاذبة)، ولمّا انهارت «اللعبة» وبانت الفضيحة لاذوا بالصمت، ولم يتقدم الكثير منهم وبخاصة أصحاب المراكز الأعلى إلى القضاء لإجراء اللازم بحق هؤلاء المخادعين، تجنباً للفضيحة والموت الاجتماعي على قاعدة: «غُلب واستيرة ولا غُلب وفضيحة».
وعلى الرغم من حدوث ذلك أكثر من مرة، نرى الناس ومن أعلى المستويات يكررون الغفلة والسذاجة وينغمسون في اللعبة، ويلاقون المصير نفسه.. إنني أرى الآن جهات أردنية تكرر اللعبة عبر الإنترنت محاولة صيد ضحايا جدد، ولا نرى للسلطات المعنية تحذيراً منها. إن سكوتهم عليها يعني صدقها، فلا يصحون إلا عندما تقع الفأس بالرأس.